الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾.
أي: قل يا محمد: ربي يعلم قولكم بينكم، ﴿أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ ويعلم غير ذلك في السماوات والأرض وهو السميع لجميع ذلك ، العليم بجميع خلقه، فيجازي كلا على قدر أعمالهم.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ﴾.
أي: بل قال المشركون: الذي جاء به محمد أضغاث أحلام. أو هم أضغاث أحلام. أي: لم يصدقوا بالقرآن، ولا آمنوا به ولكن قالوا: هو أضغاث أحلام، أي رؤيا رآها في النوم.
"والأضغاث" الأخلاط. ومنه ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً﴾.
وقال بعضهم: بل هي فرية واختلاق من عند نفسه.
وقال بعضهم: بل محمد... شاعر، فنقض بعضهم قول بعض.
ثم قالوا بعد ذلك. ونقضوا قولهم كلهم ورجعوا عن ما قالوا، فقالوا: ﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ﴾ أي: بل يأتينا محمد بآية تدل على صدقه، كما جاءت به الرسل قبل محمد؟ من مثل الناقة، وإحياء الموتى وشبهه. وذلك منهم تعنت، لأن الله تعالى قد أعطاه من الآيات ما لهم فيها كفاية، وإنما دخلت "بل" في هذا وليس في الكلام جحد لأن الخبر عن أهل الجحود والتكذيب، فدخلت "بل" لذلك.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ﴾.
في هذه الآية بيان لإثبات القدر، لأن المعنى: أن امتناع من تقدم من الكفار من الإيمان حتى هلكوا لا يوجب امتناع من بعدهم، لكن كل ذلك بقدر من الله جل ذكره؛ وتحقيق المعنى على قول المفسرين، ما آمن قبل هؤلاء الذين كذبوا محمداً من أهل قرية عذبناها بالهلاك في الدنيا إذ كفروا بعد مجيء الآية.
﴿أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ﴾ استفهام معناه التقرير. أي: فهؤلاء المكذبون محمداً السائلون الآية، يؤمنون إن جاءتهم آية. فلم يبعث الله تعالى إليهم آية لعلمه أنهم يكذبون بها، فيجب عليهم حلول العذاب. وقد تقدم في علمه أن ميعادهم الساعة.
قال تعالى: ﴿بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ﴾ [القمر: ٤٦]. فلما كان أمر هذه الأمة وعقوبتها، أخّرها الله إلى قيام الساعة، لم يرسل إليها آية مما اقترحوا به من الآيات التي توجب حلول العذاب عليها إذ كفرت بعد ذلك كما فعل بالأمم الماضية.
* * *
ثم قال: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ﴾ أي: وما أرسلنا قبلك يا محمد من الرسل إلا رجالاً مثل الأمم المرسل إليها. يوحي الله إليهم ما يريد. أي: لم يرسل ملائكة، فما أنكر هؤلاء من إرسالك إليهم وأنت رجل مثلهم؟
وهذا جواب لقول المشركين: ﴿هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾.
* * *
ثم قال: ﴿فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾.
أي: اسألوا: أهل الكتب التي نزلت قبل كتابكم، يخبرونكم أنه لم تكن الرسل التي أتتهم بالكتب إلا رجالاً مثلهم.
قال سفيان: "يريد: اسألوا من أسلم من أهل التوراة والإنجيل".
ويراد بالذكر: التوراة والإنجيل.
وروي عن عبد الله بن سلام: أنه قال: "نزلت في ﴿فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ﴾ فهذا يدل على أن "الذكر" التوراة.
وقال قتادة: ﴿أَهْلَ ٱلذِّكْرِ﴾: "أهل التوراة".
وقيل: ﴿أَهْلَ ٱلذِّكْرِ﴾ "أهل القرآن" من آمن منهم.
وقال علي: "نحن أهل الذكر".
وقال ابن زيد: "الذكر: القرآن. لقوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ﴾".
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ﴾.
أي: وما جعلنا الرسل الذين أرسلنا في الأمم الخالية، جسداً لا يأكلون الطعام. أي: لم نجعلهم ملائكة، ولكن جعلناهم مثلك، يأكلون الطعام.
وقال قتادة: معناه: "ما جعلناهم جسداً إلا ليأكلوا الطعام".
وقال الضحاك: معناه: "لم أجعلهم جسداً لا روح فيه، لا يأكلون الطعام، ولكن جعلناهم أجساداً فيها أرواح يأكلون الطعام". والجَسَدُ وُحِّدَ وقَبلَهُ جماعة، لأنه بمعنى المصدر، كأنه قال: وما جعلناهم خلقاً لا يأكلون الطعام.
والتقدير: ذوي جسد. وهذا جواب لقولهم ﴿وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ﴾ [الفرقان: ٧]. فأعلمهم [الله] أن الرسل تأكل الطعام، وأنهم يموتون. وهو معنى قوله: وما كانوا خالدين.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ﴾.
أي: صدقنا الرسل الوعد بإهلاك قومهم إذ سألوا الآيات، فأتتهم وكذبوا بها. كقوله تعالى: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ﴾ [المائدة: ١١٥].
* * *
﴿فَأَنجَيْنَاهُمْ﴾.
أي: أنجينا الرسل لما أتى العذاب لأممها. ﴿وَمَن نَّشَآءُ﴾ أي: وأنجينا من نشاء، يعني: من آمن بالرسل، ﴿وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ﴾ يعني: الذين أسرفوا على أنفسهم فكذبوا الآيات بعد أن أتتهم، فازدادوا كفراً بذلك، فهو إسرافهم.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾. يخاطب قريشاً. أي: فيه شرفكم إن آمنتم به، لأنه عليكم نزل، وبلغتكم. وهو قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ قاله ابن عباس.
وقال مجاهد: ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ أي: حديثكم.
وقال سفيان: "نزل القرآن بمكارم الأخلاق"، فهو شرف لمن اتبعه وآمن به.
والذكر: يستعمل بمعنى الشرف: يقال فلان مذكور في هذا البلد، إذا كان فيه رفيعاً مذكوراً بالشرف والفضل.
وقيل: معناه: فيه [ذكركم أي]: ذَكَّرْنَاكُم به أَمْرَ دينكم وأمر آخرتكم ومعادكم فجعله ذكرهم، إذ كان به يذكرهم ما وصفنا. وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ﴾ [ص: ٤٦]. أي اخترناهم ليذكروا أمر معادهم وآخرتهم. وفيه قول آخر، تراه في موضعه.
* * *
وقوله: ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾.
تقرير توبيخ وتنبيه على فهم ذلك وقبوله [أي]: أفلا تعقلون أن ذلك على ما أخبرناكم به.
{"ayahs_start":4,"ayahs":["قَالَ رَبِّی یَعۡلَمُ ٱلۡقَوۡلَ فِی ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ","بَلۡ قَالُوۤا۟ أَضۡغَـٰثُ أَحۡلَـٰمِۭ بَلِ ٱفۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرࣱ فَلۡیَأۡتِنَا بِـَٔایَةࣲ كَمَاۤ أُرۡسِلَ ٱلۡأَوَّلُونَ","مَاۤ ءَامَنَتۡ قَبۡلَهُم مِّن قَرۡیَةٍ أَهۡلَكۡنَـٰهَاۤۖ أَفَهُمۡ یُؤۡمِنُونَ","وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالࣰا نُّوحِیۤ إِلَیۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ","وَمَا جَعَلۡنَـٰهُمۡ جَسَدࣰا لَّا یَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُوا۟ خَـٰلِدِینَ","ثُمَّ صَدَقۡنَـٰهُمُ ٱلۡوَعۡدَ فَأَنجَیۡنَـٰهُمۡ وَمَن نَّشَاۤءُ وَأَهۡلَكۡنَا ٱلۡمُسۡرِفِینَ","لَقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكُمۡ كِتَـٰبࣰا فِیهِ ذِكۡرُكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ"],"ayah":"وَمَا جَعَلۡنَـٰهُمۡ جَسَدࣰا لَّا یَأۡكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُوا۟ خَـٰلِدِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق