الباحث القرآني
قوله تعالى ذكره: ﴿أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ﴾.
المعنى: اتخذ هؤلاء المشركون من دون الله آلهة تنفع وتضر، وتحيي وتميت. قل لهم يا محمد هاتوا برهانكم إن كنتم تزعمون أنكم محقون في أقوالكم أي: هاتوا حجة ودليلاً على صدقكم.
وقيل: معناه: بل اتخذوا آلهة. وهو بعيد لقوله: "هم ينتشرون" لأنه يصير أنه أوجب ذلك لهم. وذلك لا يجوز.
* * *
ثم قال: ﴿هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي﴾، أي: هذا الذي جئتكم به من القرآن خبر من معي مما لهم من ثواب الله على إيمانهم، وما عليهم من عقاب الله على معصيتهم إياه، وكفرهم به. "وذكر من قبلي" من الأمم التي سلفت قبلي. أي خبرهم، وما فعل الله بهم في الدنيا، وما هو فاعل بهم في الآخرة.
قال قتادة: "ذكر من معي" القرآن فيه الحلال والحرام. "وذكر من قبلي" ذكر أعمال الأمم السالفة وما صنع الله بهم، وما هو صانع بهم وإلى ما صاروا.
وقال ابن جريج: معناه: هذا حديث من معي، وحديث من قبلي.
وقيل: المعنى: "وذكر من قبلي" يعني الكتب المتقدمة. أي: هذا القرآن وهذه الكتب المتقدمة لا يوجد في شيء منها. أن الله اتخذ ولداً، ولا كان معه إله. فالمعنى على هذا أنه جواب ورد لقوله: ﴿أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾.
* * *
وقوله: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ أي: هذا ذكر من معي وهو القرآن وذكر من قبلي وهو التوراة والإنجيل هل فيهما أن العبادة للآلهة أو فيهما أن الله تعالى أذن لأحد أن يتخذ إلهاً من دونه. وهل فيهما إلا أن الله إله واحد. ودل على ذلك كله أيضاً قوله بعد ذلك: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ﴾.
وقرأ يحيى بن يعمر "هذا ذكر" من معي "وذكر" من قبلي بالتنوين وكسر الميم من "مِن" وتقديره: هذا ذكر مما أنزل إلي وذكر مما قبلي.
وأنكر أبو حاتم هذه القراءة، ولم يعرف لها وجهاً.
* * *
ثم قال: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ﴾ أي: لا يعلمون الصواب من الخطأ. فهم معرضون عن الحق جهلاً به.
وقال قتادة: "معناه: فهم معرضون عن كتاب الله.
وقرأ الحسن: "الحقُّ" بالرفع، على معنى: هذا الحق، أو هو الحق.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ﴾.
أي: ما أرسلنا الرسل من قبلك يا محمد إلا بالتوحيد وإلا بالعبادة لله وحده، فهذا الأصل الذي لا بد منه ، والشرائع بعد ذلك تختلف، في التوراة شريعة، وفي الإنجيل شريعة، وفي القرآن شريعة. كما قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ [المائدة: ٤٨].
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً﴾.
أي: قال الكافرون بربهم اتخذ الرحمان ولداً من ملائكته "سبحانه" ينزه نفسه ويبرؤها مما قالوا: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾.
أي: بل هم عباد مكرمون، أي: بل الملائكة الذين جعلوهم بنات الله عباد مكرمون.
وقيل: عنى به، الملائكة وعيسى عليهم السلام.
قال قتادة: "قالت اليهود إن الله جل ذكره صاهر الجن، فكانت منهم الملائكة، فقال الله تكذيباً لهم: "بل هم عباد مكرمون".
وعنه أيضاً أنه قال: قالت اليهود وطوائف من الناس ذلك.
* * *
ثم قال: ﴿لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ﴾.
أي: لا يتكلمون إلا بما أمرهم به قاله قتادة. ﴿وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ أي: لا يأمرون حتى يأمر.
وقيل: يعملون ما أمروا به.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾.
أي: يعلم ما بين أيدي ملائكته مما لم يبلغوه وهم قائلون وعاملون. ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي: وما مضى قبل اليوم مما خلفوه وراءهم من الأزمان والدهور وما عملوا فيه.
قال ابن عباس: معناه: "يعلم ما قدموا وما أضاعوا من أعمالهم".
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ﴾.
أي: لا يشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه.
قال ابن عباس: "إلا لمن ارتضى" أي: ارتضى له بشهادة أن لا إله إلا الله وهذا من أبين الدلالة على جواز الشفاعة بشرط الرضا من الله عز وجل وقال مجاهد: "لمن رضي عمله".
* * *
ثم قال: ﴿وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾.
أي: من خوف الله وحذر عقابه حذرون خائفون.
* * *
ثم قال: ﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾.
أي: من يقل من الملائكة إني إله من دون الله فَثَوَابُهُ جهنم.
وقيل: عنى به إبليس، لأنه كان من الملائكة، ولم يقل ذلك أحد من الملائكة غيره. قاله: ابن جريج وقتادة.
* * *
ثم قال: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ﴾.
أي: كذلك نجزي كل من عبد غير الله، أو ادعى ما لا يجب له من الألوهية.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا﴾.
أي: أو لم يعلم هؤلاء المشركون بقلوبهم فيعلمون أن السماوات والأرض كان كل واحد منهما لا صدع فيه. لا تمطر السماء ولا تنبت الأرض، ﴿فَفَتَقْنَاهُمَا﴾. أي: فصدعهما الله بالماء والنبات، فأنزل الله من السماء الماء، وأخرج من الأرض النبات. هذا معنى قول عكرمة. قال: "فتقت السماء بالمطر، وفتقت الأرض بالنبات وهو قوله: ﴿وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ * وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ﴾ [الطارق: ١١-١٢] وهو أيضاً قول عطية وابن زيد. وهذا القول اختيار الطبري، لأن بعده: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ أي: من الماء الذي فتقنا السماء به. ووحد رتقاً، لأنه مصدر. يقال: رتق فلان الفتق. إذا سده، فهو يرتقه رتقاً.
وقيل: معنى الآية كانتا ملتصقتين ففصلنا بينهما بالهواء، قاله: الحسن وقتادة.
وقال مجاهد: "كانت السماء مرتتقة طبقة واحدة، ففتقها الله سبع سماوات. وكذا الأرض. وهو قول أبي صالح والسدي.
وعن ابن عباس أن المعنى: "أن السماء والأرض كانتا ملتصقتين بالظلام لأن الليل خلق قبل النهار، ففتقهما الله تعالى بضوء النهار".
وقوله: "إن السماوات" تدل على قول مجاهد.
وقد قيل: إنما قال السماوات يريد به السماء، لأن كل قطعة منها سماء.
وقيل: إنما قال "السماوات" لأن المطر روي أنه ينزل من السماء السابعة. وروي أنه ينزل من الرابعة. وقد قالوا: ثوب أخلاق، فجمعوا لأن كل قطعة منه خلقة، فجمع لأن فيها قطع كثيرة.
وقوله: "كانتا"، ولم يقل "كنَّ"، فإنما كان ذلك لأنهما صنفان، كما قال تعالى: ﴿يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ﴾ [فاطر: ٤١] وقيل: إنما كان ذلك لأن السماوات كانت سماء واحدة، فعبر على الأصل.
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾.
أي: كل شيء له حياة وموت كالإنسان والبهيمة والزرع والشجر، لأن لها موتاً إذا جفت ويبست فحياة جميع ذلك بالماء.
وقيل: هو حياة جميع الحيوان، إنما جيء بالماء الذي بنباته يعيش كل [شيء] حي.
وقيل: عنى بالماء هنا، النطفة خاصة.
{"ayahs_start":24,"ayahs":["أَمِ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ ءَالِهَةࣰۖ قُلۡ هَاتُوا۟ بُرۡهَـٰنَكُمۡۖ هَـٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِیَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِیۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا یَعۡلَمُونَ ٱلۡحَقَّۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ","وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِیۤ إِلَیۡهِ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ","وَقَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَلَدࣰاۗ سُبۡحَـٰنَهُۥۚ بَلۡ عِبَادࣱ مُّكۡرَمُونَ","لَا یَسۡبِقُونَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ وَهُم بِأَمۡرِهِۦ یَعۡمَلُونَ","یَعۡلَمُ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا یَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡیَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ","۞ وَمَن یَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّیۤ إِلَـٰهࣱ مِّن دُونِهِۦ فَذَ ٰلِكَ نَجۡزِیهِ جَهَنَّمَۚ كَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلظَّـٰلِمِینَ","أَوَلَمۡ یَرَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَنَّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقࣰا فَفَتَقۡنَـٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَاۤءِ كُلَّ شَیۡءٍ حَیٍّۚ أَفَلَا یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"وَقَالُوا۟ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَلَدࣰاۗ سُبۡحَـٰنَهُۥۚ بَلۡ عِبَادࣱ مُّكۡرَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق