الباحث القرآني
قوله: ﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ﴾ إلى قوله ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً﴾.
والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين آمنوا بهذا القرآن أو لا تؤمنوا فإن إيمانكم لا يزيد في خزائن رحمة ربي. وفي الكلام تهدد ووعيد، والمعنى: فإن تكفروا، فإن الذين أوتوا العلم بالله من قبله، أي: من قبل القرآن، يعني به مؤمني أهل الكتاب، إذا يتلى عليهم هذا القرآن، يخرون، تعظيماً له، للأذقان سجداً. قال مجاهد: هم ناس من أهل الكتاب حين سمعوا ما أنزل على محمد ﷺ قالوا: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً﴾.
وقال ابن زيد ﴿مِن قَبْلِهِ﴾ من قبل النبي ﷺ.
وقال ابن جريج: و ﴿إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ﴾ يعني: كتابهم.
وقيل: عني بقوله: ﴿ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ﴾ محمداً ﷺ. وقيل: هم قوم من ولد اسماعيل ﷺ تمسكوا بدينهم إلى بعث محمد ﷺ منهم زيد بن عمرو بن نفيل. وورقة ابن نوفل.
* * *
وقوله: ﴿يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ﴾.
قال ابن عباس: للوجوه، وكذلك قال قتادة. وقال الحسن "للأذقان" للجبين.
* * *
ثم قال: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾.
أي: ويخر هؤلاء الذين أوتوا العلم، من مؤمنين أهل الكتاب من قبل نزول القرآن، إذا يتلى عليهم القرآن لأذقانهم يبكون. ويزيدهم وعظ القرآن خشوعاً لله [عز وجل].
وهذه مثل قوله في مريم: ﴿إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً﴾ [مريم: ٥٨].
* * *
وقوله: ﴿إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً﴾.
أي: ما كان وعد ربنا من ثواب وعذاب إلا مفعولاً. وقيل: معناه: إن كان وعد ربنا أن يبعث محمداً ﷺ لمفعولاً.
* * *
ثم قال: ﴿قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ﴾.
معنى الآية: أن النبي ﷺ كان يدعو ربه فيقول: مرة يا الله، ومرة: يا رحمن. فظن الجاهلون من المشركين أنه يدعو الهين. فأنزل الله عز وجل هذه الآية احتجاجاً عليهم.
قال ابن عباس: سمع المشركون النبي ﷺ يدعو في سجوده يا رحمن يا رحيم: فقالوا: [إن] هذا يزعم أنه يدعو واحداً وهو يدعو مثنى مثنى. فأنزل الله [عز وجل] الآية: ﴿قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ﴾.
وروي: أن أبا جهل سمع النبي ﷺ وهو ساجد يقول في دعائه يا الله يا رحمن فقال: يا معشر قريش، محمد ينهانا أن نعبد إلهين وهو يعبد إلهاً آخر يقال له الرحمن، فأنزل الله [عز وجل] الآية.
* * *
وقوله: ﴿أَيّاً مَّا تَدْعُواْ﴾.
ما صلة، و (ايا) منصوب بتدعوا. وتدعوا جزم بالشرط وقيل ["ما"] بمعنى أي كررت لاختلاف [اللفظ كما تقول ما إن رأيتكما الليلة. فإن بمعنى ما كررت لاختلاف]. اللفظين.
وقال الأخفش ﴿أَيّاً مَّا تَدْعُواْ﴾ معناه: أي الدعاءين تدعوا كأنه يجعل ما اسماً.
وقال أبو إسحاق: المعنى: أي الأسماء تدعو إن دعوت الله أو الرحمن فكله اسم لله لأن له الأسماء الحسنى.
ويلزم في هذين القولين ألا تنون "أي": وأن تكون مضافة إلى "ما". وفي إجماع المصاحف والقراء على تنوين "أي": ما يدل على صحة كون "ما" زائدة للتأكيد وكونها بمعنى "أي" أعيد للتأكيد وحسن ذلك لاختلاف اللفظ.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ﴾.
قالت عائشة رضي الله عنها، وابن عباس، ومجاهد، وابن جبير وعروة بن الزبير: نزلت في الدعاء. فالصلاة هنا الدعاء على قولهم.
وقال الضحاك: هي منسوخة بقوله: ﴿وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾ [الأعراف: ٢٠٥]. الآية، وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً: أن "الصلاة" هنا: القراءة في الصلاة، قال: كان النبي ﷺ إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون، سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به. فقال الله [عز وجل] لنبيه ﷺ ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ﴾ فيسمع المشركون ﴿وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا﴾ حتى لا يسمعك أصحابك ﴿وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً﴾ أي: اطلب بين الإعلان والتخافت طريقاً.
قال الضحاك: هذا كان بمكة.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: نزلت هذه الآية في التشهد. وكذلك قال ابن سيرين، قال: كانت العرب ترفع أصواتها بالتشهد، فنزلت هذه الآية في ذلك.
وقال عكرمة والحسن: كان النبي ﷺ يصلي بمكة جهاراً [فأمر] بإخفائها.
وقال قتادة: معناه ولا تحسن صلاتك مرائياً في العلانية، ولا تخافت [بها] تسيئها في السريرة.
وعن ابن عباس أنه قال: لا تصل مراءاة للناس، ولا تدعها مخافة الناس.
واختار الطبري قول من قال: أنه الدعاء [لأنه] أتى عقيب قوله: ﴿[قُلِ] ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ﴾، فهي محكمة، لأن رفع الصوت بالدعاء مكروه، وهو قول أبي هريرة وأبي موسى الأشعري وعائشة رضي الله عنهم.
وقد روي عن النبي ﷺ: النهي عن رفع الصوت بالدعاء فقال: "إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً بصيراً
والمخافتة الإخفاء.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ﴾.
[أي]: لم يحالف أحداً ولا يبتغي نصر أحد، قاله مجاهد.
قال قتادة: بلغنا أن النبي عليه السلام كان يعلم أهله الصغير والكبير ﴿وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ إلى آخر السورة.
وقال ابن عباس: التوراة كلها في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ثم تلى
﴿لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ﴾ [الإسراء: ٢٢].
وهذه الآية: رد وإنكار على أصحاب الأديان: فقوله: ﴿لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً﴾. رد على اليهود والنصارى، وبعض كفار العرب. لأنهم قالوا: المسيح ابن الله، وقالوا عزير ابن الله، وقالت العرب: الملائكة بنات الله [سبحانه وتعالى علواً كبيراً] وقوله: ﴿وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ﴾ رد على العرب لأنهم قالوا في تلبيتهم: إلا شريكاً هو لك تملكه. وما ملك، وجعلوا لله شركاء الجن وغيرهم وقوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ﴾ رد على الصابئين والمجوس لأنهم قالوا: لولا أولياء الله لذل وقوله: ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً﴾ أي: كبرّة أنت يا محمد عما يقولون تكبيراً. أي: عظمه ونزهه عن قول الكفار فيه.
وَرُوِيَ: أن رجلاً أتى النبي ﷺ فشكا إليه كثرة الدين وكثرة الهم فقال له النبي ﷺ: "اقرأ آخر [سورة] بني إسرائيل ﴿قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ﴾ ثم قال: قل توكلت على [الله، توكلت على] الحي الذي لا يموت ثلاث مرات"
{"ayahs_start":107,"ayahs":["قُلۡ ءَامِنُوا۟ بِهِۦۤ أَوۡ لَا تُؤۡمِنُوۤا۟ۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهِۦۤ إِذَا یُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡ یَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ سُجَّدࣰا","وَیَقُولُونَ سُبۡحَـٰنَ رَبِّنَاۤ إِن كَانَ وَعۡدُ رَبِّنَا لَمَفۡعُولࣰا","وَیَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ یَبۡكُونَ وَیَزِیدُهُمۡ خُشُوعࣰا ۩","قُلِ ٱدۡعُوا۟ ٱللَّهَ أَوِ ٱدۡعُوا۟ ٱلرَّحۡمَـٰنَۖ أَیࣰّا مَّا تَدۡعُوا۟ فَلَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَیۡنَ ذَ ٰلِكَ سَبِیلࣰا","وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی لَمۡ یَتَّخِذۡ وَلَدࣰا وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ شَرِیكࣱ فِی ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ یَكُن لَّهُۥ وَلِیࣱّ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِیرَۢا"],"ayah":"وَیَخِرُّونَ لِلۡأَذۡقَانِ یَبۡكُونَ وَیَزِیدُهُمۡ خُشُوعࣰا ۩"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق