قوله: ﴿وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ﴾ إلى قوله: ﴿أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ﴾.
المعنى وما خلقنا الخلائق كلها إلا بالحق ﴿وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ﴾ أي: أن القيامة لجائية، فارض بها يا محمد لمشركي قومك الذين كذبوا ما جئتهم به. ثم قال: ﴿فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ﴾ أي: فأعرض عنهم إعراضاً جميلاً واعف عنهم عفواً حسناً.
وهذه الآية منسوخة عند جماعة، بالأمر بالقتال وإنما كان هذا قبل أن يؤمر بقتالهم، قاله قتادة والضحاك ومجاهد.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي﴾.
قيل: السبع المثاني السور الطوال وسميت مثاني لأنها تثنى فيها الأمثال والخبر والعبر والحدود والفرائض، قاله: ابن عباس ومجاهد وابن عمر وابن جبير وابن سيرين. [وهي] البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس. وقيل: السابعة الأنفال وبراءة.
وقال علي بن أبي طالب، وابن مسعود رضي الله عنهما: السبع المثاني آيات الحمد، لأنهن سبع آيات. وهو قول: أبي بن كعب.
وروي ذلك عن النبي ﷺ قال: هي أم القرآن. وقاله: أبو هريرة وعلي وعمر وابن مسعود والحسن وقتادة. وسميت مثاني لأنها تثنى في كل ركعة أي: تعاد.
وقيل: المثاني القرآن غيرها. والمعنى سبع آيات من القرآن الذي هو مثاني. أي: تثنى فيه القصص والمواعظ والأخبار دل على ذلك قوله ﴿مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ﴾ [الزمر: ٢٣] فالمعنى: ولقد أعطيناك يا محمد سبع آيات، وهي الحمد، من المثاني أي من القرآن.
وقيل: السبع المثاني ما في القرآن من الأمر والنهي والبشرى والإنذار وضرب الأمثال وإعداد النعم وآتيناك نبأ القرآن العظيم.
وعن ابن عباس أن سورة الحمد هي المثاني، وإنما سميت مثاني لأن الله [جلّ] ذكره استثناها لمحمد ﷺ دون سائر الأنبياء فادخرها له.
وعن ابن عباس: أخرجها لكم وما أخرجها لأحد كان قبلكم.
وقيل: "السبع المثاني": الحمد "والقرآن العظيم" الحواميم.
وقال علي وأبو هريرة: والسبع المثاني، فاتحة الكتاب، قاله قتادة ومجاهد.
وقيل: المعنى وآتيناك سبع آيات وهي الحمد ﴿مِّنَ ٱلْمَثَانِي﴾ من القرآن، فمن للتبعيض.
و [قوله] ﴿وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ﴾ عني به الحمد على قول من رأى السبع المثاني [السبع] الطوال.
وقيل: [هي] القرآن كله.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾.
معناه استعن بما آتاك الله من القرآن عما في أيدي الناس. ومنه حديث النبي ﷺ: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"أي: يستغني به عن المال. وعلى هذا تأول الحديث سفيان بن عيينة، وتأول الآية. وروى: من حفظ القرآن فرأى أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي فقد صغر عظيماً وعظم صغيراً.
فالمعنى: لا تتمنين ما جعلنا من زينة الدنيا متاعاً للأغنياء من قومك المشركين ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾. أي: على ما متعوا به من ذلك. فعجل لهم في الدنيا فإن لك في الآخرة مما هو خير لك من ذلك.
ومعنى: ﴿أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ﴾ أمثالاً منهم، يعني: الأغنياء منهم. والأزواج في اللغة: الأصناف.
* * *
﴿وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
أي: ألن جانبك لمن آمن بل وقربهم من نفسك. والجناحان من ابن آدم جنبناه، والجناحان الناحيتان، ومنه قول الله تعالى ﴿وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ﴾ [طه: ٢٢].
وقيل: معناه: إلى ناحيتك وجنبك.
وقل للمشركين ﴿إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ﴾ أي أنا [النذير] المنذر لكم عذاباً.
* * *
﴿كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ﴾.
أي: مثل العذاب الذي أنزلنا على المقتسمين "المبين" لكم ما جئتكم به من الإنذار والأعذار والوعد والوعيد.
{"ayahs_start":85,"ayahs":["وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَـَٔاتِیَةࣱۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِیلَ","إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡخَلَّـٰقُ ٱلۡعَلِیمُ","وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَـٰكَ سَبۡعࣰا مِّنَ ٱلۡمَثَانِی وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِیمَ","لَا تَمُدَّنَّ عَیۡنَیۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦۤ أَزۡوَ ٰجࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَیۡهِمۡ وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِلۡمُؤۡمِنِینَ","وَقُلۡ إِنِّیۤ أَنَا ٱلنَّذِیرُ ٱلۡمُبِینُ"],"ayah":"وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَـَٔاتِیَةࣱۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِیلَ"}