الباحث القرآني
قوله: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ﴾ إلى قوله: ﴿مُصْبِحِينَ﴾.
معناه: قال إبراهيم للملائكة: فما شأنكم وما أمركم أيها المرسلون؟ قالوا له ﴿إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾. أي: مكتسبين المعاصي والكفر بالله. ثم استثنى منهم آل لوط فقال: ﴿إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ﴾ أي: من العذاب.
ثم استثنى من آل لوط امرأته فقال: ﴿إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ﴾ فصارت المرأة مع المعذبين.
ومعنى: ﴿قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَابِرِينَ﴾ أي: قدرنا علمنا فيها أن تكون مع الباقين في العذاب. وقيل: معناه: كتبنا ذلك وأخبرنا به. وقيل: معناه: قضينا ذلك.
و "آل لوط" هنا أتباعه على دينه. و "الغابرين" الباقين في العذاب.
* * *
ثم قال تعالى ﴿فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ﴾.
أي: فلما أتى رسل الله إلى لوط، أنكرهم لوط ولم يعرفهم. وقال لهم ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ﴾ أي: لا نعرفكم. قالت له الرسل: بل نحن رسل الله جئناك بما قومك فيه يشكون أنه نازل بهم من عذاب الله على كفرهم ﴿وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ﴾ أي: جئناك [بـ] - الحق من عند الله وهو العذاب ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ فيما أخبرناك به من الله بهلاك قومك. ثم قالوا له: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ﴾ أي: في بقية من الليل واتبع يا لوط أدبار أهلك الذين تسرى بهم، أي: كن من ورائهم ﴿وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ﴾ أي: حيث يأمركم الله. قال الزجاج: أمر بترك الالتفات لئلا يرى عظيم ما نزل قومه. وقيل: نهي عن الالتفات إلى ما في المنازل من الرجال لئلا يقع الشغل به عن المضي.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ﴾.
أي: أوحينا إلى لوط ذلك الأمر. ثم فسر ما هو الذي أوحى إليه فقال: "إن دابر هؤلاء مقطوع" فهذا الذي أعلمه الله وأوحى به إليه. ومعنى: "دابر هؤلاء مقطوع" آخرهم يستأصل صباحاً.
* * *
قوله: ﴿وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ إلى قوله: ﴿[لآيَةً] لِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
المعنى: وجاء أهل المدينة، [مدينة] سدوم، وهم قوم لوط، يستبشرون لما سمعوا أن ضيفاً قد نزل عند لوط طمعاً في ركوبهم الفاحشة، قاله قتادة.
والضيف يقع للواحد والجمع والاثنين بلفظ واحد لأنه مصدر في الأصل.
قال لهم لوط ﴿إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ﴾ فيهم ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ﴾ فيهم ﴿وَلاَ تُخْزُونِ﴾ أي: ولا تذلون ولا تهينون فيهم بالتعرض إليهم بالمكروه. قالوا له ﴿أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ﴾ أي: [عن] ضيافة أحد من العالمين.
وقيل المعنى: ألم ننهك أن تجير أحداً علينا وتمنعنا منهم.
قال لهم لوط ﷺ ﴿هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾. قال قتادة: أمرهم لوط أن يتزوجوا النساء.
* * *
ومعنى ﴿إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾، [أي: فاعلين] ما أمركم الله به.
وقيل: [المعنى]: إن كنتم مريدين بهذا الشأن فعليكم التزويج ببناتي. وكل نبي أزواجه أمهات أمته، وأولاد أمته أولاده. فعلى ذلك قال لوط ﴿هَؤُلآءِ بَنَاتِي﴾ وعلى ذلك قرءوا "أزواجه أمهاتهم وهو أب لهم".
* * *
ثم قال تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾.
فرفع لعمر على الابتداء والخبر محذوف، كأنه قال لعمرك قسمي، أو ما أقسم به. وحسن الحذف لأن باب القسم باب حذف.
والمعنى: أي وحياتك يا محمد أن كفار قومك من قريش ﴿لَفِي سَكْرَتِهِمْ﴾ أي: ضلالتهم ﴿يَعْمَهُونَ﴾ أي: يترددون.
وقال ابن عباس: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد [ﷺ]، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره.
وعمرك أصله ضم العين لأنه من العمر والتعمير ومنه قول الرجل لعمري إنما أقسم بمدة حياته. ولكن كثر استعمالهم له في القسم ففتحوا العين، ولا يفتح إلا في القسم خاصة. فإنما أقسم الله جلّ ذكره [بعمر] النبي ﷺ كأنه قال: وبقائك في الدنيا يا محمد.
قال أبو الجوزاء: ما أقسم الله بحياة أحد غير محمد ﷺ، لأنه أكرم البشر عنده.
وقيل: معناه وعيشك يا محمد أن قريشاً لفي سكرتهم [يتمادون].
وقال مجاهد: "يعمهون" يترددون.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ﴾.
أي: أخذتهم الصاعقة عند شروق الشمس. يقال: أشرق القوم إذا صادفوا شروق الشمس، وأصبحوا إذا صادفوا الصبح.
وشرقت الشمس إذا طلعت، وأشرقت إذا ضاءت وصفت. وقيل: شرقت وأشرقت بمعنى. والأول أحسن وأكثر.
ومعنى "مشرقين" مصادفين شروق الشمس وهو طلوعها.
ثم قال: [تعالى ذكره]: ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ أي: جعلنا عالي أرضهم سافلها ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ﴾ أي: من طين. وقد تقدم ذكر سجيل في هود بابين من هذا. ويروى أن سجيلاً [اسم] لسماء الدنيا.
قوله ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾.
أي: في هذا العذاب لعلامات ودلائل على قدرة الله وتوحيده ووجوب طاعته واتباع رسله وكتبه للمتفرسين المعتبرين. قال مجاهد: "للمتوسمين" المتفرسين. وقال قتادة للمعتبرين. وقال ابن عباس: للناظرين، وهو قول الضحاك. وقال ابن زيد: للمتفكرين والمعتبرين الذين يتوسمون الأشياء ويتفكرون فيها ويعتبرون.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله. ثم قرأ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾
وعن النبي ﷺ أنه قال: "إن [لله] عباداً يعرفون الناس بالتوسم
وحقيقة التوسم: النظر بالتثبت حتى يعرف الحقيقة. فهذا كله متقارب في المعنى. وهذه الآية تنبيه لقريش لأن يتعظوا ويزدجروا بما نزل بقوم لوط وغيرهم.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ﴾.
أي: وإن سدوم المنقلبة بقوم لوط لبطريق واضح يراها المجتاز بها، لا يخفى مكانها. وقيل: المعنى وإن الآيات ﴿لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ﴾.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
أي إن في صنيعنا بقوم لوط لعلامة و[دلالة] لمن آمن بالله على انتقامه من أهل الكفر. وقيل: الهاء تعود على الحجارة.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: "أن الحجارة لموقفة في السماء منذ ألفي عام لظالمي أمتي إذا عملوا بأعمال قوم لوط
وعنه ﷺ أنه قال: "سيكون خسف وقذف من السماء وذلك إذا عملوا بأعمال قوم لوط" ثم تلا النبي ﷺ الآية [إلى ﴿مُّقِيمٍ﴾]
{"ayahs_start":57,"ayahs":["قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَیُّهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ","قَالُوۤا۟ إِنَّاۤ أُرۡسِلۡنَاۤ إِلَىٰ قَوۡمࣲ مُّجۡرِمِینَ","إِلَّاۤ ءَالَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمۡ أَجۡمَعِینَ","إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ قَدَّرۡنَاۤ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلۡغَـٰبِرِینَ","فَلَمَّا جَاۤءَ ءَالَ لُوطٍ ٱلۡمُرۡسَلُونَ","قَالَ إِنَّكُمۡ قَوۡمࣱ مُّنكَرُونَ","قَالُوا۟ بَلۡ جِئۡنَـٰكَ بِمَا كَانُوا۟ فِیهِ یَمۡتَرُونَ","وَأَتَیۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ وَإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ","فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعࣲ مِّنَ ٱلَّیۡلِ وَٱتَّبِعۡ أَدۡبَـٰرَهُمۡ وَلَا یَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدࣱ وَٱمۡضُوا۟ حَیۡثُ تُؤۡمَرُونَ","وَقَضَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ ذَ ٰلِكَ ٱلۡأَمۡرَ أَنَّ دَابِرَ هَـٰۤؤُلَاۤءِ مَقۡطُوعࣱ مُّصۡبِحِینَ","وَجَاۤءَ أَهۡلُ ٱلۡمَدِینَةِ یَسۡتَبۡشِرُونَ","قَالَ إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ ضَیۡفِی فَلَا تَفۡضَحُونِ","وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ","قَالُوۤا۟ أَوَلَمۡ نَنۡهَكَ عَنِ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","قَالَ هَـٰۤؤُلَاۤءِ بَنَاتِیۤ إِن كُنتُمۡ فَـٰعِلِینَ","لَعَمۡرُكَ إِنَّهُمۡ لَفِی سَكۡرَتِهِمۡ یَعۡمَهُونَ","فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّیۡحَةُ مُشۡرِقِینَ","فَجَعَلۡنَا عَـٰلِیَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهِمۡ حِجَارَةࣰ مِّن سِجِّیلٍ","إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّلۡمُتَوَسِّمِینَ","وَإِنَّهَا لَبِسَبِیلࣲ مُّقِیمٍ","إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَیُّهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق