الباحث القرآني
قوله: ﴿رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ - إلى قوله - ﴿يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ﴾. معنى الآية: إنه دعاء من إبراهيم ﷺ بمكة، وذلك حين أسكن اسماعيل، وأمه هاجر مكة.
قال ابن عباس: إن أول من سعى بين الصفا والمروة لأم اسماعيل (وإن) أول ما أحدث النساء جر الذيول، لمن أم اسماعيل، وذلك أنها لما فرت من سارة أرْخَتْ من ذيلها لتعفي أثرها، فجاء بها إبراهيم، ومعها إسماعيل حتى انتهى بها إلى موضع البيت، فوضعها، ثم رجع. فأتبعته، فقالت: إلى (أي) شيء تكلنا؟ (إلى أي طعام تكلنا)، إلى أي شراب تكلنا؟.
فجعل إبراهيم لا يرد عليها عيناً، فقالت: (آلله) أمرك بهذا؟ قال نعم. قالت: إذن لا يضيعنا. فرجعت ومضى حتى إذا استوى على ثنية كداء. أقبل على الوادي، فدعا، فقال: ﴿رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ - الآية - قال: وكان مع هاجر شن، فيه ماء. فنفد الماء فعطشت، فانقطع اللبن. فعطش الصبي، فنظرت أي: الجبال أدنى من الأرض، فصعدت الصفا، فتسمعت هل تسمع صوتاً أو ترى أنيساً. فلم تسمع شيئاً، فانحدرت. فلما أتت إلى الوادي سعت وما تريد السعي، كالإنسان المجهود الذي يسعى وما يريد السعي. فنظرت أي الجبال أدنى من الأرض، فصعدت المروة، فتسمعت هل تسمع صوتاً، أو ترى أنيساً فسمعت صوتاً كالإنسان الذي يكذب سمعه حتى استيقنت، فقالت: قد أسمعتني صوتك، فأغثني، فقد هلكت وهلك من معي. فجاء الملك بها، حتى انتهى (بها) إلى زمزم. فضرب بقدمه ففارت، فجعلت هاجر تفرغ من شنها. فقال رسول الله ﷺ: رحم الله أم إسماعيل! لولا أنها عجلت لكانت زمزم عيناً معيناً. وقال الملك لها: لا تخافي الظمأ على أهل هذا البلد، فإنما (هي) عين لشرب ضيفان الله. وقال لها: إن أبا هذا الغلام سيجيء، فيبنيان لله (جل وعز) بيتاً، وذا موضعه، ثم ذهب، وبقيت هاجر، فأتت رفقة من جرهم تريد الشام، فرأوا الطير على الجبل، فقالوا: إن هذا الطير لعائف على ماء، فهل علمتم بهذا الوادي من ماء؟ فقالوا: لا. ثم أشرفوا فإذا هم بهاجر وابنها، فأتوها، فطلبوا أن ينزلوا عندها، فأذنت لهم، فسكنوا عندها. ثم أتتها المنية فماتت، رحمة الله عليها، فتزوج اسماعيل امرأة من جُرْهم، ثم كان من قصة إبراهيم في إتيانه إلى (بناء) البيت ما ذكر الله (عز وجل).
وقد تقدم منه ذكر (كثير) في البقرة. ومعنى: ﴿بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ﴾: أي: المحرم من استحلال حرمات الله (تعالى) فيه، والاستخفاف بحقه.
* * *
وقوله: ﴿فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ﴾: أي: اجعل قلوب بعض خلقك تنزع إليهم، فلذلك قلوب الناس إلى الآن تنزع إلى الحج، ولا تقدر على التخلف.
وقد قال ابن جبير: لو قال: فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم، لحجت اليهود والنصارى، والمجوس، ولكنه قال: ﴿أَفْئِدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ﴾ فحج المسلمون.
قال مجاهد (رحمه الله): لو قال أفئدة الناس، لازدحمت عليه فارس، والروم، ولكنه قال: من الناس.
والأفئدة جمع فؤاد، وهو القلب، وسمي القلب فؤاداً لتفاؤده:
أي: لتوقده، والتفاؤد: التوقد، والمقتاد: موضع وقود النار.
قال عكرمة، وطاووس، وعطاء: قلوبهم تهوى إلى البيت حتى يأتونه: (أي) يحجون، وهو قول ابن عباس.
وعن ابن عباس أن معنى: ﴿تَهْوِىۤ إِلَيْهِمْ﴾: أي: تهوى السكنى عندهم.
وهذا المعنى إنما يكون على قراءة من قرأه بفتح الواو، وهي قراءة مروية عن مجاهد.
ولما دعا إبراهيم بأن يرزقهم من الثمرات نقل الله (عز وجل)، الطائف من فلسطين إلى موضعها الآن، ففيها من من كل الثمرات.
روي أن إبراهيم ﷺ لما دعا بهذا بعث الله جل ذكره، جبريل عليه السلام، فاقتلع الثمار من الشام من موضع يقال له الأردن، وهو نهر، ثم أقبل بالثمار حتى طاف بها حول البيت أسبوعاً، ثم أنزلها جبال تهامة وهي الطائف. ولذلك سميت الطائف.
﴿لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾: أي: يشكرون نعمك.
ثم حكى الله (عز وجل)، عنه أنه قال: ﴿رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ﴾: أي: تعلم ما نخفي في قلوبنا عند مسألتنا إياك ما نسألك، وفي غير ذلك من أحوالنا.
﴿وَمَا نُعْلِنُ﴾ من دعائنا، فنجهر به. وغير ذلك من أحوالنا.
﴿وَمَا يَخْفَىٰ﴾ عليك يا رب (من) شيء في الأرض، ولا في السماء.
ثم قال جل ذكره ﴿ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي﴾ - الآية -
قال ابن جبير: بشر إبراهيم بإسحاق بعد تسع عشرة ومائة (سنة).
(وقوله): ﴿رَبِّ ٱجْعَلْنِي مُقِيمَ ٱلصَّلاَةِ﴾: أي: مؤدياً ما ألزمتني من فرائضك، ﴿وَمِن ذُرِّيَتِي﴾: أي: واجعل أيضاً من ذريتي مقيم الصلاة.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ﴾: الدعاء هنا العبادة. والمعنى: "وتقبل عملي الذي أعمله لك، وعبادتي إياك، وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠].
فالمعنى: اعبدوني أستجب لكم، ودل على ذلك قوله: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ [غافر: ٦٠].
﴿رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾: استغفر إبراهيم لأبيه من أجل ﴿مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [التوبة: ١١٤]: أي: مات على كفره.
وقيل: عنى بوالديه: آدم وحواء (عليهما السلام).
وقرأ يحيى بن يعمر، والنخعي: ﴿ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ يعني: إسماعيل، وإسحاق.
وقرأ ابن جبير: "ولوالدي" يعني أباه وجده.
{"ayahs_start":37,"ayahs":["رَّبَّنَاۤ إِنِّیۤ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّیَّتِی بِوَادٍ غَیۡرِ ذِی زَرۡعٍ عِندَ بَیۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِیُقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِیۤ إِلَیۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَ ٰتِ لَعَلَّهُمۡ یَشۡكُرُونَ","رَبَّنَاۤ إِنَّكَ تَعۡلَمُ مَا نُخۡفِی وَمَا نُعۡلِنُۗ وَمَا یَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَیۡءࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ","ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی وَهَبَ لِی عَلَى ٱلۡكِبَرِ إِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَۚ إِنَّ رَبِّی لَسَمِیعُ ٱلدُّعَاۤءِ","رَبِّ ٱجۡعَلۡنِی مُقِیمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّیَّتِیۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلۡ دُعَاۤءِ","رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لِی وَلِوَ ٰلِدَیَّ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ یَوۡمَ یَقُومُ ٱلۡحِسَابُ"],"ayah":"رَبَّنَاۤ إِنَّكَ تَعۡلَمُ مَا نُخۡفِی وَمَا نُعۡلِنُۗ وَمَا یَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَیۡءࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق