الباحث القرآني
قوله (تعالى): ﴿أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً﴾ إلى قوله ﴿وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ﴾: هذا مثل ضربه الله تعالى (جل ذكره) للحق والباطل، والإيمان به والكفر. فالمعنى: مثل الحق في ثباته، (والكفر) في اضمحلاله مثل ماء أنزله الله، ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾: (أي) فاجتمعت الأودية، الماء بقدر ملئها الكبير بكبره، والصغير بصغره.
﴿فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً﴾: أي: "عالياً على الماء".
فهذا أحد مثلي الحق والباطل. فأما النافع فهو الحق، والزبد: الرائب الذي لا ينفع هو الباطل.
وتحقيق معنى هذا المثل: أن الماء المنزل مَثَلٌ للقرآن المنزل.
فالماء يعم نفعه كل أرض طيبة، والقرآن يعم نفعه كل قلب طيب، والأودية مثل للقلوب، لأن الأودية يستكن فيها الماء. كذلك والإيمان والقرآن يستكنان في قلوب المؤمنين. والسيل مثل للأهواء العارضة في القلوب، لأن الهوى يغلب على القلوب، كما يغلب السيل بما حمل من الماء وغيره. والزبد مثل للباطل، وما يستقر من الماء الخالص (مثل لما يستقر في قلب المؤمن من الإيمان، فينتفع بذلك كما تنتفع الأرض بما يستقر من الماء الخالص) فيها. ومثله المثل الثاني: ما يتحصل من جيد الذهب، والفضة، والحديد والنحاس مَثَلٌ لما يستقر في قلب المؤمن من الإيمان.
ثم ضرب مثلاً آخر أيضاً للحق والباطل، فقال: ﴿وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ﴾ إلى آخر المثل: أي: والحق والباطل كمثل فضة، أو ذهب، أو نحاس، يوقد عليه الناس في النار، في طلب حلية يتخذونها، أو متاع. وذلك من النحاس: وهي الأواني التي تتخذ منه، (و) من الرصاص والحديد فيكون له زبداً، مثل زبد السيل، وزبده: خبثه الذي لا ينتفع به، فالذي يُصَفّى من هذه الأشياء هو مثل الحق ينتفع بهما. والخبث مثل الباطل لا ينتفع بهما، ثم بين لنا، في أي (شيء) ضربت هذه الأمثال فقال:
﴿كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ﴾: أي: يضرب مثل الحق والباطل، ثم حذف المضاف. "والحق": الإيمان، و "الباطل": الكفر: وكما أن زيد السيل، وخبث ما يوقد عليه في النار لا ينتفع به، كذلك لا ينتفع الكافر بعمله عند حاجته إليه. وكما ينتفع بالماء، وبما يوقد عليه في النار، كذلك ينتفع المؤمن بإيمانه عند حاجته إليه.
* * *
وقوله: ﴿فَيَذْهَبُ جُفَآءً﴾: أي: يذهب بدفع الريح، وقذف الماء به. فيتعلق في جوانب الوادي، وبالأشجار. وهو من: أَجْفَأتِ القدر: إذا رمت بزبدها، وهو الغشاء: فيقول: إن الباطل، وإن ظهر على الحق في بعض الأشياء وعلا، فإنه يتمحق، ويذهب. وتكون العاقبة للحق. كما أن هذا الزبد، وإن علا (على الماء)، فإنه يذهب ويتمحق، وكذلك الخبث من الحديد، وغيره هو وإن علا فإنه يذهب ويتمحق، ويطرحه الكير، ويبقى من الماء وغيره ما ينتفع به. كذلك يبقى الحق ويثبت: هذا (كله) معنى قول ابن عباس، وتفسيره (رحمة الله عليه) قال: "هو مَثَلٌ ضربه الله للناس عند نزول القرآن، فاحتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها. فأما الشك فلا ينفع معه العمل، وأما اليقين فينتفع به.
(فالزبد): الشك في الله، (والذي يمكث في الأرض): اليقين.
وروي (عنه) أنه قال: هو مثل ضربـ(ـه) الله للعمل الصالح، والعمل السوء: فالصالح كالماء الذي يمكث في الأرض، ينتفع به الناس كذلك ينتفع أصحاب العمل الصالح به في الآخرة، وكذلك ما تحت الخبث من الرصاص، والحديد، والذهب ينتفع به، مثل العمل الصالح.
وأما الزبد منها فلا ينتفع به، كما لا ينتفع أصحاب العمل السوء (بعملهم).
وقرأ رُؤبة: "فيذهب جُفَالاً". يقال: جفأت الريح السحاب: إذا قطعته، وأذهبته.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ﴾ أي: (الحسنى) للذين آمنوا حين دعوا إلى الإيمان الحسنى، وهي الجنة، قاله قتادة.
وقيل: المعنى: جزاء الحسنى ﴿وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ﴾ أي: لم يؤمنوا حين دعوا أن لهم ملك ما في الأرض، ومثله معه ما قبل منهم فداء لهم من العقوبة.
ومعنى: ﴿أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ﴾ "يأخذهم بذنوبهم كلها، فلا يغفر لهم منها شيئاً".
قال شهر بن حوشب: سوء الحساب: ألا يتجاوز لهم عن شيء.
وقال ابن عباس: سوء الحساب، المناقشة بالأعمال.
وقال ابن وهب: عن إبراهيم النخعي أنه قال: سوء الحساب: أن يحاسب بذنبه ثم لا يغفر له.
وروي في الآثار: من نوقش الحساب هلك.
وقيل: سوء الحساب: المناقشة، والتوبيخ (وإحباط) الحسنات بالسيآت. وقيل: سوء الحساب: أشده، وهو لا يغفر لهم شيئاً من ذنوبهم، وهم الكفار ومعنى ﴿وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ﴾: أي: بئس الفراش، والغطاء جهنم لمن هي مأواه.
وعن النبي ﷺ: (من نوقش الحساب هلك) (أو قال): "عذب"
{"ayahs_start":17,"ayahs":["أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَسَالَتۡ أَوۡدِیَةُۢ بِقَدَرِهَا فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّیۡلُ زَبَدࣰا رَّابِیࣰاۖ وَمِمَّا یُوقِدُونَ عَلَیۡهِ فِی ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَاۤءَ حِلۡیَةٍ أَوۡ مَتَـٰعࣲ زَبَدࣱ مِّثۡلُهُۥۚ كَذَ ٰلِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَـٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَیَذۡهَبُ جُفَاۤءࣰۖ وَأَمَّا مَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَیَمۡكُثُ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَ ٰلِكَ یَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ","لِلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِینَ لَمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡا۟ بِهِۦۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ"],"ayah":"لِلَّذِینَ ٱسۡتَجَابُوا۟ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِینَ لَمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡا۟ بِهِۦۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ سُوۤءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق