قوله تعالى: ﴿ٱلْقَارِعَةُ * مَا ٱلْقَارِعَةُ﴾ إلى آخرها.
القارعة هي الساعة تقرع قلوب الناس من هولها وعظيم ما ينزل بهم من البلاء عندها، وذلك صبيحة ليلةٍ لا ليل بعدها. قال ابن عباس: القارعة: ""من أسماء يوم القيامة، عظمه الله وحذره عباده".
* * *
وقوله: ﴿مَا ٱلْقَارِعَةُ﴾، "ما" استفهام فيه معنى التعظيم والتعجب من هولها، يعجب سبحانه عباده من عظم [هولها]. والمعنى: أي شيء القارعة يا محمد؟! ما أعظمها وأفظعها وأهولها.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ﴾.
أي وما أشعرك يا محمد أي شيء القارعة؟! ثم بينها تعالى فقال: ﴿يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ﴾.
فالعامل في "يوم" "القارعة"، أي القارعة يومَ يكون (الناس) على هذا الحال. و "القارعة" رفع بالابتداء، "وما" ابتداء ثان.
والقارعة خبر "ما"، والجملة خبر عن "القارعة" الأولى.
* * *
وقوله: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ﴾ "ما" ابتداء أيضاً، و "أدراك" فعل ماضي وضمير مفعول، "ما القارعة" ابتداء وخبر في موضع نصب مفعولاً ثانياً "لأدراك"، والجملة خبر "ما" الأولى.
والفَراش: (هو) ما تساقط في النار وفي السراج، ليس [بذباب] ولا بعوض.
وقال الفراء: هو غوغاء الجراد يركب بعضه بعضاً، [فكذلك] يوم القيامة يجول بعضهم في بعض.
والمبثوث: المنتشر المتفرق.
(وقيل): إنما شبههم بالفراش، لأن الفراش إذا ثار لم يأخذ جهة واحدة، بل يدخل بعضه في بعض، فشبه الناس - إذا بعثوا وفزعوا واختلف مقاصدهم من الحيرة - بالفراش، فإذا سمعوا الدّاعي استقاموا نحوه، فهم في تلك الحال مشبهون بالجراد. التي تقصد إلى ناحية في طيرانها، وهو قوله: ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾ [القمر: ٧]، فهما صفتان للخلق يوم القيامة في موطنيْن: إحداهما عند. البعث، والأخرى. عند سماع النداء.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ﴾.
أي: كالصوف المنفوش.
وفي حرف عبد الله: "كالصوف"، وبه قرأ ابن جبير. والعهن: جمع عهنة، كصوفة وصوف. وهو عند أهل اللغة: المصبوغ من الصوف.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾.
أي: فأما من [ثقل] وزنه وزن حسناته.
قال مجاهد : ليس ثَمَّ ميزان، وإنما هو (مَثَل) ضُرِبَ. وأكثر الناس على أنّ ثَمَّ ميزاناً توزن به (أعمال) العباد كيف شاء الله وعلى ما شاء. [نقول] كما قال، ونوجب ما أَوْجَب، ونؤمن بما في كتاب الله، ولا نتقدم بين يدي الله، ولا نعترض، ولا نكيِّف ما لا علم (عندنا) منه، ولا نحدّه.
* * *
ثم قال: ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾.
أي: في عيش قد رضيه في الجنة. وتقديره في العربية: فهو في عيشة ذات رضىً، على النسب.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾.
أي: وزن حسناته.
* * *
﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾.
أي: مأواه ومسكنه الهاوية، وهي جهنم. قيل لها الهاوية، لأنه يهوي فيها على رأسه.
قال قتادة: ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾: هي النار، وهي كلمة عربية، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد قالوا: هوت أمه.
ويروى أن الهاوية اسم للباب الأسفل من النار نعوذ بالله (منها - وهي) الدرك الأسفل، وأبوابُ جهنم سبعة، بعضها فوق بعض، أولها جهنم، والثاني: لظى، والثالث: الحطمة، والرابع: السعير، والخامس: الجحيم، والسادسُ: سقر، والسابع الهاوية. أعاذنا الله منها.
وروي أن المؤمن إذا مات ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين فيقولون: (روحوا أخاكم، فإنه كان في غم الدنيا، ويسألونه: ما فعل فلان؟ فيقول: مات، أو ما جاءكم؟ فيقولون): ذهبوا به إلى أمه الهاوية".
وإنما جعلت النار أمه، لأنها صارت مأواه كما تؤوي المرأة (ابنها، فصارت) لهم كالأم، إذ لا مأوى لهم غيرها.
وقال الخفش (سعيد): ﴿فَأُمُّهُ﴾: مستَقَرُّهُ. وقيل: أمه: أصله. وهاوية: بمعنى هالك، وأم الشيء: أصله [ومعظمه].
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ﴾.
أي: وأي شيء أشعرك يا محمد ما الهاوية؟!، ثم بيَّن فقال: ﴿نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ أي: هي نار حامية.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["ٱلۡقَارِعَةُ","مَا ٱلۡقَارِعَةُ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ","یَوۡمَ یَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ","وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ","فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ","فَهُوَ فِی عِیشَةࣲ رَّاضِیَةࣲ","وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ","فَأُمُّهُۥ هَاوِیَةࣱ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا هِیَهۡ","نَارٌ حَامِیَةُۢ"],"ayah":"ٱلۡقَارِعَةُ"}