قوله ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ إلى قوله ﴿ٱلْعَالَمِينَ﴾.
المعنى: إن الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بطاعة الله ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ أي: يرشدهم بإيمانهم إلى الجنة.
وقال قتادة: بلغنا أن النبي عليه السلام، قال: "إن المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة يقول له: من أنت؟ فوالله إني لأراك امرأ صدق. فيقول (له): أنا عملك، فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة. والكافر بضد ذلك في الصورة ينطلق به عمله حتى يدخله النار
وقيل: المعنى يهديهم ربهم لدينه بإيمانهم به. أي: من أجل تصديقهم هَدَاهم.
* * *
قوله: ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ﴾.
أي: في بساتين قد نعّم الله فيها أهل طاعته.
* * *
ومعنى ﴿مِن تَحْتِهِمُ﴾: من دونهم وبين أيديهم، وليس هو أنها تجري (من) تحت ما هم عليه جلوس من أرض ونحوها. وهذا كما تقول: بلد كذا تحت بلد كذا. أي: بجوارها وبين أيديها. لا أنها تحتها: إحداهما فوق الأخرى. ومثل هذا قوله تعالى: ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً﴾ [مريم: ٢٤]. ومعلوم أن السري ليس تحتها، إذ كان السري: الجدول، وإنما معناه: أنه جعله دونها، أي: بين يديها. ومن هذا ما حكى الله (عز وجل) لنا من قول فرعون: ﴿وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ﴾ [الزخرف: ٥١] ومعلوم أن نيل مصر لم يكن تحته يجري، وهو عليه، وإنما كان (يجري) بجواره، وبين يديه ودونه.
ثم قال تعالى إخباراً عن أهل الجنة ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ﴾.
حكى سيبويه: الدعوى بمعنى الدعاء. فالمعنى دعاؤهم في الجنة: سبحانك اللهم.
قال ابن جريج: وإذا مر بهم الطير يشتهونه قالوا: سبحانك اللهم فيأتيهم الملك بما يشتهون فيسلم عليهم، فيردون عليه (السلام) فذلك قوله: ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ﴾. فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم، فذلك قوله تعالى: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ﴾.
والتحية: البقاء. ومنه قوله: "التحيات لله"، والتحية أيضاً: الملك، والتحية هي استقبال الرجل بالمُحَيَّا: وهو الوجه بما يسره من الكلام. وقيل: التحية في هذا بمعنى الحياة، أي: يُحيي بعضهم بعضاً.
إنهم يحيون ولا يموتون، ويسلمون من كل شيء يحذرون. والسلام بمعنى السلامة.
وقيل: ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ﴾ أي: تحيه بعضهم لبعض فيها سلام. أي: "سلمت وأمنت مما ابتلي به أهل النار".
وقيل: المعنى إن الله (عز وجل) يحييهم بالسلام إكراماً منه (لهم).
وقال سفيان: إذا أرادوا الشيء قالوا: سبحانك اللهم، فيأتيهم ما دعو(ا) به: ومعنى ﴿سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ﴾: تنزيهاً لك يا ألله مما أضاف إليك أهل الشرك من الكذب.
(وسئل النبي ﷺ، عن: سبحان الله، فقال: مفسراً تنزيهاً (لله) عن السوء).
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: هي كلمة رضيها الله (عز وجل) لنفسه. فسبحان الله: كلمة ينزه بها (الله عن كل) فعْل مذموم أو متهم.
(أللهم): وقف و (سلام): وقف. ومذهب سيبويه في ﴿أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ﴾ أنها مخففة من الثقيلة، والمعنى: أنه الحمد لله رب العالمين).
وأجاز المبرد أن يعملها - وهي مخففة - عملها مشددة. والرفع أقيس، لأنه قد زال منها شبه الفعل باللفظ لما خففت، ومن أعملها شبهها بالفعل الذي قد حذف منه وأعمل. نحو: "لم يكُ". وقرأ بلال بن أبي بُرْدَةَ: "أنَّ الحمدَ" بالتشديد، ونصب "الحمد".
{"ayahs_start":9,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ یَهۡدِیهِمۡ رَبُّهُم بِإِیمَـٰنِهِمۡۖ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُ فِی جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ","دَعۡوَىٰهُمۡ فِیهَا سُبۡحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِیَّتُهُمۡ فِیهَا سَلَـٰمࣱۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"],"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ یَهۡدِیهِمۡ رَبُّهُم بِإِیمَـٰنِهِمۡۖ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُ فِی جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ"}