الباحث القرآني
(p-٦٢١٣)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٩ - ١٤ ] ﴿أرَأيْتَ الَّذِي يَنْهى﴾ ﴿عَبْدًا إذا صَلّى﴾ [العلق: ١٠] ﴿أرَأيْتَ إنْ كانَ عَلى الهُدى﴾ [العلق: ١١] ﴿أوْ أمَرَ بِالتَّقْوى﴾ [العلق: ١٢] ﴿أرَأيْتَ إنْ كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ [العلق: ١٣] ﴿ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرى﴾ [العلق: ١٤]
﴿أرَأيْتَ الَّذِي يَنْهى﴾ ﴿عَبْدًا إذا صَلّى﴾ [العلق: ١٠] أيْ: يَمْنَعُهُ عَنِ الصَّلاةِ. وعَبَّرَ بِالنَّهْيِ إشارَةً إلى عَدَمِ اقْتِدارِهِ عَلى غَيْرِ ذَلِكَ.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَمْ يَخْتَلِفِ المُفَسِّرُونَ في أنَّ النّاهِيَ أبُو جَهْلٍ والعَبْدُ المُصَلِّي النَّبِيُّ ﷺ. كَما رُوِيَ في الصَّحِيحَيْنِ، ولَفْظُ البُخارِيِّ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: قالَ أبُو جَهْلٍ: لَئِنْ رَأيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الكَعْبَةِ لَأطَأنَّ عَلى عُنُقِهِ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: «لَوْ فَعَلَهُ لَأخَذَتْهُ المَلائِكَةُ»»
وفِي الآيَةِ تَقْبِيحٌ وتَشْنِيعٌ لِحالِ ذاكَ الكافِرِ، وتَعْجِيبٌ مِنها وإيذانٌ بِأنَّها مِنَ الشَّناعَةِ والغَرابَةِ بِحَيْثُ يَجِبُ أنْ يَراها كُلُّ مَن يَتَأتّى مِنهُ الرُّؤْيَةُ ويَقْضِي مِنها العَجَبُ. ولَفْظُ (العَبْدِ) وتَنْكِيرُهُ، لِتَفْخِيمِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، واسْتِعْظامُ النَّهْيِ وتَأْكِيدُ التَّعَجُّبِ مِنهُ. وقِيلَ: إنَّهُ مِن إرْخاءِ العِنانِ في الكَلامِ المُنْصِفِ، إذْ قالَ: "يَنْهى" ولَمْ يَقُلْ: (يُؤْذِي)، و: "عَبْدًا" دُونَ: (نَبِيًّا)، والرُّؤْيَةُ هاهُنا بَصَرِيَّةٌ، وفِيما بَعْدَها قَلْبِيَّةٌ. مَعْناهُ: أخْبَرَنِي. فَإنَّ الرُّؤْيَةَ لَمّا كانَتْ سَبَبًا لِلْإخْبارِ عَنِ المَرْئِيِّ، أجْرى الِاسْتِفْهامَ عَنْها مَجْرى الِاسْتِخْبارِ عَنْ مُتَعَلِّقِها. قالَهُ أبُو السُّعُودِ.
(p-٦٢١٤)وقالَ الإمامُ: كَلِمَةُ (أرَأيْتَ) صارَتْ تُسْتَعْمَلُ في مَعْنى (أخْبَرَنِي)، عَلى أنَّها لا يُقْصَدُ بِها في مِثْلِ هَذِهِ الآيَةِ الِاسْتِخْبارُ الحَقِيقِيُّ، ولَكِنْ يُقْصَدُ بِها إنْكارُ المُسْتَخْبَرِ عَنْها وتَقْبِيحُها. فَكَأنَّهُ يَقُولُ: ما أسْخَفَ عَقْلَ هَذا الَّذِي يَطْغى بِهِ الكِبْرُ فَيَنْهى عَبْدًا مِن عَبِيدِ اللَّهِ عَنْ صَلاتِهِ، خُصُوصًا وهو في حالَةِ أدائِها.
وقَوْلُهُ: ﴿أرَأيْتَ إنْ كانَ عَلى الهُدى﴾ [العلق: ١١] ﴿أوْ أمَرَ بِالتَّقْوى﴾ [العلق: ١٢] أيْ: أرَأيْتَ إنْ كانَ ذَلِكَ النّاهِي عَلى طَرِيقَةٍ سَدِيدَةٍ فِيما يَنْهى عَنْهُ مِن عِبادَةِ اللَّهِ، أوْ كانَ آمِرًا بِالمَعْرُوفِ والتَّقْوى فِيما يَأْمُرُ بِهِ مِن عِبادَةِ الأوْثانِ، كَما يَعْتَقِدُ؟ وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ ما بَعْدَهُ، أيْ: ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرى. وعَلَيْهِ فالضَّمائِرُ كُلُّها لِـ: "الَّذِي يَنْهى" وجُوِّزَ عَوْدُ الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ في "كانَ" لِلْعَبْدِ المُصَلِّي. وكَذا في "أمَرَ" أيْ: أرَأيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْدًا يُصَلِّي؟ والمَنهِيُّ عَلى الهُدى آمَرُ بِالتَّقْوى. والنَّهْيُ مُكَذِّبٌ مُتَوَلٍّ، فَما أعْجَبَ مِن هَذا! وذَهَبَ الإمامُ رَحِمَهُ اللَّهُ، في تَأْوِيلِ الآيَةِ إلى مَعْنًى آخَرَ، وعِبارَتُهُ: أمّا قَوْلُهُ: ﴿أرَأيْتَ إنْ كانَ عَلى الهُدى﴾ [العلق: ١١] ﴿أوْ أمَرَ بِالتَّقْوى﴾ [العلق: ١٢] فَمَعْناهُ أخْبَرَنِي عَنْ حالِهِ إنْ كانَ ذَلِكَ الطّاغِي عَلى الهُدى وعَلى صِراطِ الحَقِّ، أوْ أمَرَ بِالتَّقْوى مَكانُ نَهْيِهِ عَنِ الصَّلاةِ، أفَما كانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ وأفْضَلَ؟
وقَوْلُهُ: ﴿أرَأيْتَ إنْ كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ [العلق: ١٣] أيْ: نَبِّئْنِي عَنْ حالِهِ إنْ كَذَّبَ بِما جاءَ بِهِ النَّبِيُّونَ، وتَوَلّى أيْ: أعْرَضَ عَنِ العَمَلِ الطَّيِّبِ، أفَلا يَخْشى أنْ تَحِلَّ بِهِ قارِعَةٌ ويُصِيبَهُ مِن عَذابِ اللَّهِ ما لا قِبَلَ لَهُ بِاحْتِمالِهِ؟ فَجَوابُ كُلٍّ مِنَ الشَّرْطَيْنِ مَحْذُوفٌ كَما رَأيْتَ في تَفْسِيرِ المَعْنى وهو مِنَ الإيجازِ المَحْمُودِ، بَعْدَ ما دَلَّ عَلى المَحْذُوفِ بِقَوْلِهِ: ﴿ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرى﴾ [العلق: ١٤] أيْ: أجَهِلَ أنَّ اللَّهَ يَطَّلِعُ عَلى أمْرِهِ؟ فَإنْ كانَ تَقِيًّا عَلى الهُدى أحْسَنَ جَزاءَهُ، وإنْ كَذَّبَ وتَوَلّى لَمْ يُفْلِتْ مِن عُقُوبَتِهِ، ثُمَّ إنَّ ما يُطِيلُ بِهِ المُفَسِّرُونَ في المَفْعُولِ الثّانِي لِفِعْلِ "أرَأيْتَ" الأُولى ومَفْعُولَيْها في الثّانِيَةِ والثّالِثَةِ، فَهو مِمّا لا مَعْنى لَهُ؟ لِأنَّ القُرْآنَ قُدْوَةٌ في التَّعْبِيرِ، وقَدِ اسْتَعْمَلَها بِمَفْعُولٍ واحِدٍ وبِلا مَفْعُولٍ أصْلًا بِمَعْنى (أخْبَرَنِي). والجُمْلَةُ المُسْتَخْبَرُ عَنْ مَضْمُونِها، تَسُدُّ مَسَدَّ المَفاعِيلِ. انْتَهى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
{"ayahs_start":9,"ayahs":["أَرَءَیۡتَ ٱلَّذِی یَنۡهَىٰ","عَبۡدًا إِذَا صَلَّىٰۤ","أَرَءَیۡتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلۡهُدَىٰۤ","أَوۡ أَمَرَ بِٱلتَّقۡوَىٰۤ","أَرَءَیۡتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰۤ","أَلَمۡ یَعۡلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ یَرَىٰ"],"ayah":"أَرَءَیۡتَ ٱلَّذِی یَنۡهَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق