الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٦ - ٨ ] ﴿كَلا إنَّ الإنْسانَ لَيَطْغى﴾ ﴿أنْ رَآهُ اسْتَغْنى﴾ [العلق: ٧] ﴿إنَّ إلى رَبِّكَ الرُّجْعى﴾ [العلق: ٨]
﴿كَلا إنَّ الإنْسانَ لَيَطْغى﴾ ﴿أنْ رَآهُ اسْتَغْنى﴾ [العلق: ٧] أيْ: حَقًّا أنَّ الإنْسانَ لَيَتَجاوَزُ حَدَّهُ ويَسْتَكْبِرُ عَلى رَبِّهِ، أنْ رَأى نَفْسَهُ اسْتَغْنَتْ. فَـ "كَلّا" بِمَعْنى (حَقًّا) لِعَدَمِ ما يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ الرَّدْعُ ظاهِرًا، لِتَأخُّرِ نُزُولِ هَذا عَمّا قَبْلَهُ -عَلى ما تَقَدَّمَ في المَأْثُورِ- أوْ هو رَدْعٌ لِمَن كَفَرَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ بِطُغْيانِهِ وإنْ لَمْ يَذَّكَّرْ، لِدَلالَةِ الكَلامِ عَلَيْهِ. فَإنَّ مُفْتَتَحَ السُّورَةِ إلى هَذا المَقْطَعِ يَدُلُّ عَلى عَظِيمٍ مُنْتَهٍ تَعالى عَلى الإنْسانِ فَإذا قِيلَ: "كَلّا" يَكُونُ رَدْعًا لِلْإنْسانِ، يُنْعِمُ عَلَيْهِ رَبُّهُ بِتَسْوِيَةِ خَلْقِهِ وتَعْلِيمِهِ ما لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وإنْعامُهُ بِما لا كُفْءَ لَهُ، ثُمَّ يَكْفُرُ بِرَبِّهِ الَّذِي فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ويَطْغى عَلَيْهِ أنْ رَآهُ اسْتَغْنى.
قالَ الكَرْخِيُّ، ومَذْهَبُ أبِي حَيّانَ أنَّ (كَلّا) بِمَعْنى (ألا) الِاسْتِفْتاحِيَّةِ، وصَوَّبَهُ ابْنُ هِشامٍ بِكَسْرِ هَمْزَةِ (إنَّ) بَعْدَها كَما بَعْدَ حَرْفِ التَّنْبِيهِ. وفي (الكَواشِي): يَجُوزُ في (كَلّا) أنْ تَكُونَ تَنْبِيهًا، فَيَقِفُ عَلى ما قَبْلَها. ورَدْعًا، فَيَقِفُ عَلَيْها.
(p-٦٢١٢)تَنْبِيهٌ:
دَلَّتِ الآيَةُ عَلى قاعِدَةٍ عَظِيمَةٍ في بابِ التَّمَوُّلِ المَحْمُودِ، قَرَّرَها الحُكَماءُ المُصْلِحُونَ، وهو أنْ لا يَتَجاوَزَ المالُ قَدْرَ الحاجَةِ بِكَثِيرٍ. قالُوا: لِأنَّ إفْراطَ الثَّرْوَةِ مَهْلَكَةٌ لِلْأخْلاقِ الحَمِيدَةِ في الإنْسانِ، كَما نَطَقَتْ بِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ.
قالَ بَعْضُ الحُكَماءِ: التَّحَوُّلُ لِأجْلِ الحاجاتِ وبِقَدْرِها، مَحْمُودٌ بِثَلاثَةِ شُرُوطٍ، وإلّا كانَ حِرْصُ التَّمَوُّلِ مِن أقْبَحِ الخِصالِ: الشَّرْطُ الأوَّلُ: أنْ يَكُونَ إحْرازُ المالِ بِوَجْهٍ مَشْرُوعٍ حَلالٍ، أيْ: إحْرازُهُ مِن بَذْلِ الطَّبِيعَةِ أوْ بِالمُعارَضَةِ أوْ في مُقابِلِ عَمَلٍ.
والشَّرْطُ الثّانِي: أنْ لا يَكُونَ في التَّمَوُّلِ تَضْيِيقٌ عَلى حاجاتِ الغَيْرِ، كاحْتِكارِ الضَّرُورِيّاتِ، أوْ مُزاحَمَةِ الصُّنّاعِ والعُمّالِ الضُّعَفاءِ، أوِ التَّغَلُّبِ عَلى المُباحاتِ، مِثْلَ امْتِلاكِ الأراضِي الَّتِي جَعَلَها خالِقُها مَمْرَحًا لِكافَّةِ مَخْلُوقاتِهِ. وهي أُمُّهم تُرْضِعُهم لَبَنَ جِهازاتِها وتُغَذِّيهِمْ بِثَمَراتِها وتُؤْوِيهِمْ في حِضْنِ أجْزائِها.
الشَّرْطُ الثّالِثُ: لِجَوازِ التَّمَوُّلِ هو أنْ لا يَتَجاوَزَ المالُ قَدْرَ الحاجَةِ بِكَثِيرٍ، وإلّا فَسَدَتِ الأخْلاقُ. ولِذَلِكَ حَرَّمَتِ الشَّرائِعُ السَّماوِيَّةُ كُلُّها، والحِكْمَةُ السِّياسِيَّةُ والأخْلاقِيَّةُ والعُمْرانِيَّةُ أكْلَ الرِّبا؛ وذَلِكَ لِقَصْدِ حِفْظِ التَّساوِي والتَّقارُبِ بَيْنَ النّاسِ في القُوَّةِ المالِيَّةِ؛ لِأنَّ الرِّبا كَسْبٌ بِدُونِ مُقابِلٍ مادِّيٍّ، فَفِيهِ مَعْنى الغَضَبِ، وبِدُونِ عَمَلٍ، فَفِيهِ الأُلْفَةُ عَلى البِطالَةِ المُفْسِدَةِ لِلْأخْلاقِ، وبِدُونِ تَعَرُّضٍ لِخَسائِرَ طَبِيعِيَّةٍ كالتِّجارَةِ والزِّراعَةِ والأمْلاكِ. دَعْ أنَّ بِالرِّبا تَرْبُو الثَّرَواتُ، فَيَخْتَلُّ التَّساوِي بَيْنَ النّاسِ، كَما تَقَدَّمَ بَيانُهُ في أواخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ إلى رَبِّكَ الرُّجْعى﴾ [العلق: ٨] أيِ: المَرْجِعُ في الآخِرَةِ. قالَ أبُو السُّعُودِ: تَهْدِيدٌ لِلطّاغِي وتَحْذِيرٌ لَهُ مِن عاقِبَةِ الطّاغِينَ. والِالتِفاتُ لِلتَّشْدِيدِ في التَّهْدِيدِ، و"الرُّجْعى" مَصْدَرٌ بِمَعْنى الرُّجُوعِ. وتَقْدِيمُ الظَّرْفِ لِقَصْرِهِ عَلَيْهِ، أيْ: أنَّ إلى مالِكِ أمْرِكَ رُجُوعَ الكُلِّ بِالمَوْتِ والبَعْثِ، لا إلى غَيْرِهِ، اسْتِقْلالًا ولا اشْتِراكًا، فَسَتَرى حِينَئِذٍ عاقِبَةَ طُغْيانِكَ. وقَدْ جُوِّزَ كَوْنُ الخِطابِ لِلرَّسُولِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، والتَّهْدِيدُ والتَّحْذِيرُ بِحالِهِ.
{"ayahs_start":6,"ayahs":["كَلَّاۤ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَیَطۡغَىٰۤ","أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰۤ","إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجۡعَىٰۤ"],"ayah":"كَلَّاۤ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَیَطۡغَىٰۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق