الباحث القرآني
(p-٦٢١٥)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١٥ - ١٩ ] ﴿كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنّاصِيَةِ﴾ ﴿ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ﴾ [العلق: ١٦] ﴿فَلْيَدْعُ نادِيَهُ﴾ [العلق: ١٧] ﴿سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ﴾ [العلق: ١٨] ﴿كَلا لا تُطِعْهُ واسْجُدْ واقْتَرِبْ﴾ [العلق: ١٩]
﴿كَلا﴾ رَدْعٌ عَنِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلاةِ ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ أيْ: عَنْ هَذا الطُّغْيانِ، وعَنِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلاةِ، وعَنِ التَّكْذِيبِ والتَّوَلِّي ﴿لَنَسْفَعًا بِالنّاصِيَةِ﴾ أيْ: لِنَأْخُذَنَّ بِناصِيَتِهِ، ولَنَسْحَبَنَّهُ بِها إلى النّارِ. والسَّفْعُ: القَبْضُ عَلى الشَّيْءِ وجَذْبُهُ بِشِدَّةٍ. والأخْذُ بِالنّاصِيَةِ هُنا مَثَلٌ في القَهْرِ والإذْلالِ والتَّعْذِيبِ والنَّكالِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ﴾ [العلق: ١٦] بَدَلٌ مِنَ (النّاصِيَةِ)، ولَمْ يَقْتَصِرْ عَلى إحْدى الجُمْلَتَيْنِ، لِأنَّ ذِكْرَ الأُولى لِلتَّنْصِيصِ عَلى أنَّها ناصِيَةُ النّاهِي والثّانِيَةُ لِتُوصَفَ بِما يَدُلُّ عَلى عِلَّةِ السَّفْعِ وشُمُولِهِ لِكُلِّ مَن وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ. ووَصْفُها بِالكَذِبِ والخَطَأِ، وهُما لِصاحِبِها، عَلى الإسْنادِ المَجازِيِّ، لِلْمُبالَغَةِ لِأنَّها تَدُلُّ عَلى وصْفِهِ بِالكَذِبِ بِطَرِيقِ الأوْلى، ولِأنَّهُ لِشِدَّةِ كَذِبِهِ كانَ كُلُّ جُزْءٍ مِن أجْزائِهِ يَكْذِبُ. وكَذا حالُ الخَطَأِ، وهو كَقَوْلِهِ: ﴿وتَصِفُ ألْسِنَتُهُمُ الكَذِبَ﴾ [النحل: ٦٢] و: (وجْهُها يَصِفُ الجَمالَ)، والتَّجَوُّزُ بِإسْنادِ ما لِلْكُلِّ إلى الجُزْءِ، كَما يُسْنَدُ إلى الجُزْئِيِّ في قَوْلِهِ: (بَنُو فُلانٍ قَتَلُوا قَتِيلًا)، والقاتِلُ أحَدُهم.
لَطِيفَةٌ:
قالَ في (البَحْرِ): كُتِبَتْ نُونُ "لَنَسْفَعًا" بِالألِفِ بِاعْتِبارِ المُوَقَّفِ عَلَيْها بِإبْدالِها ألِفًا. وقالَ السَّمِينُ: الوَقْفُ عَلى هَذِهِ النُّونِ بِالألِفِ تَشْبِيهًا لَها بِالتَّنْوِينِ، وتُكْتَبُ هُنا ألِفًا اتِّباعًا لِلْوَقْفِ (p-٦٢١٦)لِأنَّ قاعِدَةَ الرَّسْمِ مَبْنِيَّةٌ عَلى حالِ الوَقْفِ والِابْتِداءِ.
﴿فَلْيَدْعُ نادِيَهُ﴾ [العلق: ١٧] أيْ: أهْلَ مَجْلِسِهِ، لِيَمْنَعَ المُصَلِّينَ ويُؤْذِيَ أهْلَ الحَقِّ الصّادِقِينَ، اتِّكالًا عَلى قُوَّتِهِمْ وغَفْلَةً عَنْ قَهْرِ الحَقِّ وسُخْطِهِ. والجُمْلَةُ إمّا بِتَقْدِيرِ مُضافٍ، أوْ عَلى الإسْنادِ المَجازِيِّ مِن إطْلاقِ اسْمِ المَحَلِّ عَلى مَن حَلَّ فِيهِ. والنّادِي المَجْلِسُ الَّذِي يَنْتَدِي فِيهِ القَوْمُ، أيْ: يَجْتَمِعُونَ.
﴿سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ﴾ [العلق: ١٨] أيْ: زَبانِيَةَ العَذابِ مِن جُنُودِهِ تَعالى فَيُهْلِكُونَهُ في الدُّنْيا، أوْ يَرِدُونَهُ في النّارِ في الآخِرَةِ وهو صاغِرٌ. ولَمْ يُرْسَمْ "سَنَدْعُ" بِالواوِ في المَصاحِفِ بِاتِّباعِ الرَّسْمِ لِلَّفْظِ، أوْ لِمُشاكَلَةِ قَوْلِهِ "فَلْيَدْعُ" وقِيلَ: إنَّهُ مَجْزُومٌ في جَوابِ الأمْرِ، وفِيهِ نَظَرٌ.
﴿كَلا﴾ [العلق: ١٩] رَدْعٌ لِلنّاهِي بَعْدَ رَدْعٍ، وزَجْرٌ إثْرَ زَجْرٍ ﴿لا تُطِعْهُ﴾ [العلق: ١٩] أيْ: لا تُطِعْ ذاكَ الطّاغِيَ إذا نَهاكَ عَنْ عِبادَةِ رَبِّكَ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيِ: اثْبُتْ عَلى ما أنْتَ عَلَيْهِ مِن عِصْيانِهِ كَقَوْلِهِ ﴿فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ﴾ [القلم: ٨] ﴿واسْجُدْ واقْتَرِبْ﴾ [العلق: ١٩] أيْ: صَلِّ لِرَبِّكَ وتَقَرَّبْ مِنهُ بِالعِبادَةِ وتَحَبَّبْ إلَيْهِ بِالطّاعَةِ. وفي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ««أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ وهو ساجِدٌ. فَأكْثِرُوا مِنَ الدُّعاءِ»» .
تَنْبِيهاتٌ:
الأوَّلُ: قَدَّمْنا أنَّ الآياتِ نَزَلَتْ في أبِي جَهْلٍ، عَلى ما صَحَّ في الأخْبارِ، قالَ الإمامُ: ولا مانِعَ مِن أنْ يَكُونَ في الآياتِ إشارَةٌ إلَيْهِ، ولَكِنَّها عامَّةٌ في كُلِّ وقْتٍ وزَمَنٍ كَما تَرى. والخِطابُ فِيها مُوَجَّهٌ إلى مَن يُخاطَبُ لا إلى شَخْصِ النَّبِيِّ ﷺ. واللَّهُ أعْلَمُ.
الثّانِي: قالَ الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ في (فَتْحِ البارِي): إنَّما شَدَّدَ الأمْرَ -أمْرَ الوَعِيدِ- في حَقِّ أبِي جَهْلٍ ولَمْ يَقَعْ مِثْلُ ذَلِكَ لِعُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ، حَيْثُ طَرَحَ سِلى الجَزُورِ عَلى ظَهْرِهِ ﷺ وهو يُصَلِّي -لِأنَّهُما وإنِ اشْتَرَكا في مُطْلَقِ الأذِيَّةِ حالَ صَلاتِهِ لَكِنْ زادَ أبُو جَهْلٍ بِالتَّهْدِيدِ وبِدَعْوَةِ أهْلِ طاعَتِهِ، وبِوَطْءِ العُنُقِ الشَّرِيفِ. وفي ذَلِكَ مِنَ المُبالَغَةِ ما اقْتَضى تَعْجِيلَ (p-٦٢١٧)العُقُوبَةِ لَهُ، لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ. وقَدْ عُوقِبَ عَقِبَهُ بِدُعائِهِ ﷺ وعَلى مَن شارَكَهُ في فِعْلِهِ، فَقُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، كَأبِي جَهْلٍ.
الثّالِثُ: قالَ الإمامُ: ذِكْرُ الصَّلاةِ في الصُّورَةِ لا يَدُلُّ عَلى أنَّ بَقِيَّتَها نَزَلَ بَعْدَ فَرْضِ الصَّلاةِ، فَقَدْ كانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ وأصْحابِهِ صَلاةٌ قَبْلَ أنْ تُفْرَضَ الصَّلَواتُ الخَمْسُ المَعْرُوفَةُ.
الرّابِعُ: قالَ في (اللُّبابِ): سَجْدَةُ هَذِهِ السُّورَةِ مِن عَزائِمِ سُجُودِ التِّلاوَةِ عِنْدَ الشّافِعِيِّ. فَيُسَنُّ لِلْقارِئِ والمُسْتَمِعِ أنْ يَسْجُدَ عِنْدَ قِراءَتِها. يَدُلُّ عَلَيْهِ ما رُوِيَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: ««سَجَدْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: ١] و﴿إذا السَّماءُ انْشَقَّتْ﴾ [الإنشقاق: ١]»» أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ.
{"ayahs_start":15,"ayahs":["كَلَّا لَىِٕن لَّمۡ یَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِیَةِ","نَاصِیَةࣲ كَـٰذِبَةٍ خَاطِئَةࣲ","فَلۡیَدۡعُ نَادِیَهُۥ","سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِیَةَ","كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡ وَٱقۡتَرِب ۩"],"ayah":"كَلَّا لَىِٕن لَّمۡ یَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِیَةِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق