الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٦ - ١١ ] ﴿ألَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوى﴾ ﴿ووَجَدَكَ ضالا فَهَدى﴾ [الضحى: ٧] ﴿ووَجَدَكَ عائِلا فَأغْنى﴾ [الضحى: ٨] ﴿فَأمّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ﴾ [الضحى: ٩] ﴿وأمّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾ [الضحى: ١٠] ﴿وأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١]
﴿ألَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوى﴾ قالَ أبُو السُّعُودِ: تَعْدِيدٌ لِما أفاضَ عَلَيْهِ مِن أوَّلِ أمْرِهِ إلى ذَلِكَ الوَقْتِ مِن فُنُونِ النَّعْماءِ العِظامِ، لِيَسْتَشْهِدَ بِالحاضِرِ المَوْجُودِ عَلى المُتَرَقِّبِ المَوْعُودِ فَيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ ويَنْشَرِحَ صَدْرُهُ. والهَمْزَةُ لِإنْكارِ النَّفْيِ وتَقْرِيرِ المَنفِيِّ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ، كَأنَّهُ قِيلَ: قَدْ وجَدَكَ إلَخْ. والوُجُودُ بِمَعْنى العِلْمِ.
رُوِيَ ««أنَّ أباهُ ماتَ وهو جَنِينٌ قَدْ أتَتْ عَلَيْهِ سِتَّةُ أشْهُرٍ، وماتَتْ أُمُّهُ وهو ابْنُ ثَمانِ سِنِينَ، فَكَفَلَهُ عَمُّهُ أبُو طالِبٍ وعَطَّفَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأحْسَنَ تَرْبِيَتَهُ»» وذَلِكَ إيواؤُهُ، ﴿ووَجَدَكَ ضالا فَهَدى﴾ [الضحى: ٧] أيْ: غافِلًا عَمّا أوْحاهُ إلَيْكَ مِنَ الهُدى والفُرْقانِ، فَهَداكَ إلَيْهِ وجَعَلَكَ إمامًا لَهُ، كَما في آيَةِ، ﴿ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ﴾ [الشورى: ٥٢]
قالَ الشِّهابُ: فالضَّلالُ مُسْتَعارٌ مِن: (ضَلَّ في طَرِيقِهِ)، إذا سَلَكَ طَرِيقًا غَيْرَ مُوَصِّلَةٍ لِمَقْصِدِهِ لِعَدَمِ ما يُوَصِّلُهُ لِلْعُلُومِ النّافِعَةِ، مِن طَرِيقِ الِاكْتِسابِ.
﴿ووَجَدَكَ عائِلا﴾ [الضحى: ٨] أيْ: فَقِيرًا ﴿فَأغْنى﴾ [الضحى: ٨] أيْ: فَأغْناكَ بِمالِ خَدِيجَةَ الَّذِي وهَبَتْهُ إيّاهُ. أوْ بِما حَصَلَ لَكَ مِن رِبْحِ التِّجارَةِ.
﴿فَأمّا (p-٦١٨٥)اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ﴾ [الضحى: ٩] فَلا تَغْلِبْهُ عَلى مالِهِ فَتَذْهَبَ بِحَقِّهِ، اسْتِعْطافًا مِنكَ لَهُ.
﴿وأمّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾ [الضحى: ١٠] قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أيْ: وأمّا مَن سَألَكَ مِن ذِي حاجَةٍ فَلا تَنْهَرْهُ، ولَكِنْ أطْعِمْهُ واقْضِ لَهُ حاجَتَهُ، أيْ: لِأنَّ لِلسّائِلِ حَقًّا، كَما قالَ تَعالى: ﴿والَّذِينَ في أمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾ [المعارج: ٢٤] ﴿لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ﴾ [المعارج: ٢٥]
وقَدْ ذَهَبَ الحَسَنُ -فِيما نَقَلَهُ الرّازِيُّ- إلى أنَّ المُرادَ مِنَ السّائِلِ مَن يَسْألُ العِلْمَ، فَيَكُونُ في مُقابَلَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ووَجَدَكَ ضالا فَهَدى﴾ [الضحى: ٧] وهَكَذا قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أيْ: وكَما كُنْتَ ضالًّا فَهَداكَ اللَّهُ، فَلا تَنْهَرِ السّائِلَ في العِلْمِ المُسْتَرْشِدِ. قالَ الإمامُ: ويُؤَيِّدُ هَذا المَعْنى ما ورَدَ في أحْوالِ الَّذِينَ كانُوا يَسْألُونَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بَيانَ ما يُشْتَبَهُ عَلَيْهِمْ، فَمِنهم أهْلُ الكِتابِ المُمارُونَ، ومِنهُمُ الأعْرابُ الجُفاةُ. ومِنهم مَن كانَ يَسْألُ عَمّا لا يُسْألُ عَنْهُ الأنْبِياءُ، فَلا غَرْوَ أنْ يَأْمُرَهُ اللَّهُ بِالرِّفْقِ بِهِمْ، ويَنْهاهُ عَنْ نَهْرِهِمْ، كَما عاتَبَهُ عَلى التَّوَلِّي عَنِ الأعْمى السّائِلِ، في سُورَةِ عَبَسَ. انْتَهى.
﴿وأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١] أيْ: بِشُكْرِها وإظْهارِ آثارِها فَيَرْغَبُ فِيما لَدَيْهِ مِنها، ويَحْرِصُ عَلى أنْ تَصْدُرَ المَحاوِيجُ عَنْها. وهَذا هو سِرُّ الأمْرِ بِالتَّحَدُّثِ بِها. وفي الآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلى أدَبٍ عَظِيمٍ وهو التَّصَدِّي لِلتَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ وإشْهارِها، حِرْصًا عَلى التَّفَضُّلِ والجُودِ والتَّخَلُّقِ بِالكَرَمِ، وفِرارًا مِن رَذِيلَةِ الشُّحِّ الَّذِي رائِدُهُ كَتْمُ النِّعْمَةِ والتَمَسْكُنُ والشَّكْوى.
قالَ الإمامُ: مِن عادَةِ البُخَلاءِ أنْ يَكْتُمُوا مالَهُمْ، لِتَقُومَ لَهُمُ الحُجَّةُ في قَبْضِ أيْدِيهِمْ عَنِ البَذْلِ، فَلا تَجِدُهم إلّا شاكِينَ مِنَ القِلِّ. أمّا الكُرَماءُ فَلا يَزالُونَ يُظْهِرُونَ بِالبَذْلِ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ويَجْهَرُونَ بِالحَمْدِ لِما أفاضَ عَلَيْهِمْ مِن رِزْقِهِ. فَلِهَذا صَحَّ أنْ يُجْعَلَ التَّحْدِيثُ بِالنِّعْمَةِ كِنايَةً عَنِ البَذْلِ وإطْعامِ الفُقَراءِ وإعانَةِ المُحْتاجِينَ. فَهَذا مِن قَوْلِهِ: ﴿وأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: ١١] أيْ: إنَّكَ (p-٦١٨٦)لَمّا عَرَفْتَ بِنَفْسِكَ ما يَكُونُ فِيهِ الفَقِيرُ، فَأوْسِعْ في البَذْلِ عَلى الفُقَراءِ. ولَيْسَ القَصْدُ هو مُجَرَّدَ ذِكْرِ الثَّرْوَةِ، فَإنَّ هَذا مِنَ الفَجْفَجَةِ الَّتِي يَتَنَزَّهُ عَنْها النَّبِيُّ ﷺ، ولَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ في امْتِثالِ هَذا الأمْرِ أنَّهُ كانَ يَذْكُرُ ما عِنْدَهُ مِن نُقُودٍ وعُرُوضٍ، ولَكِنَّ الَّذِي عُرِفَ مِنهُ «أنَّهُ كانَ «يُنْفِقُ ما عِنْدَهُ ويَبِيتُ طاوِيًا»» وقَدْ يُقالُ أنَّ المُرادَ مِنَ النِّعْمَةِ النُّبُوَّةُ، ولَكِنَّ سِياقَ الآياتِ يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مُقابِلَةٌ لِقَوْلِهِ: ﴿ووَجَدَكَ عائِلا﴾ [الضحى: ٨] فَتَكُونُ النِّعْمَةُ بِمَعْنى الغِنى، ولَوْ كانَتْ بِمَعْنى النُّبُوَّةِ، لَكانَتْ مُقابِلَةً لِقَوْلِهِ: ﴿ووَجَدَكَ ضالا﴾ [الضحى: ٧] وقَدْ عَلِمْتَ الحَقَّ في مُقابِلِهِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":6,"ayahs":["أَلَمۡ یَجِدۡكَ یَتِیمࣰا فَـَٔاوَىٰ","وَوَجَدَكَ ضَاۤلࣰّا فَهَدَىٰ","وَوَجَدَكَ عَاۤىِٕلࣰا فَأَغۡنَىٰ","فَأَمَّا ٱلۡیَتِیمَ فَلَا تَقۡهَرۡ","وَأَمَّا ٱلسَّاۤىِٕلَ فَلَا تَنۡهَرۡ","وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ"],"ayah":"وَأَمَّا ٱلسَّاۤىِٕلَ فَلَا تَنۡهَرۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











