الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٥ - ١١ ] ﴿فَأمّا مَن أعْطى واتَّقى﴾ ﴿وصَدَّقَ بِالحُسْنى﴾ [الليل: ٦] ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى﴾ [الليل: ٧] ﴿وأمّا مَن بَخِلَ واسْتَغْنى﴾ [الليل: ٨] ﴿وكَذَّبَ بِالحُسْنى﴾ [الليل: ٩] ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى﴾ [الليل: ١٠] ﴿وما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إذا تَرَدّى﴾ [الليل: ١١]
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأمّا مَن أعْطى واتَّقى﴾ تَفْصِيلٌ لِتِلْكَ المَساعِي الشَّتّى، وتَبْيِينٌ لِمَآلِها ما تَقَدَّمَ.
(p-٦١٧٦)قالَ الرّازِيُّ: وفي "أعْطى" وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ المُرادُ إنْفاقَ المالِ في جَمِيعِ وُجُوهِ الخَيْرِ مِن عِتْقِ الرِّقابِ، وفَكِّ الأسارى وتَقْوِيَةِ المُسْلِمِينَ عَلى عَدُوِّهِمْ، كَما كانَ يَفْعَلُهُ أبُو بَكْرٍ، سَواءٌ كانَ ذَلِكَ واجِبًا أوْ نَفْلًا وإطْلاقُ هَذا كالإطْلاقِ في قَوْلِهِ: ﴿ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] فَإنَّ المُرادَ مِنهُ كُلُّ ما كانَ إنْفاقًا في سَبِيلِ اللَّهِ، سَواءٌ كانَ واجِبًا أوْ نَفْلًا. وقَدْ مَدَحَ اللَّهُ قَوْمًا فَقالَ: ﴿ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِينًا ويَتِيمًا وأسِيرًا﴾ [الإنسان: ٨] وقالَ في آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ ﴿وسَيُجَنَّبُها الأتْقى﴾ [الليل: ١٧] ﴿الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكّى﴾ [الليل: ١٨] الآيَةَ.
وثانِيهِما: أنَّ قَوْلَهُ: "أعْطى" يَتَناوَلُ إعْطاءَ حُقُوقِ المالِ، وإعْطاءَ حُقُوقِ النَّفْسِ في طاعَةِ اللَّهِ تَعالى. يُقالُ: فُلانٌ أعْطى الطّاعَةَ وأعْطى السِّعَةَ. انْتَهى.
إلّا أنَّ الأوَّلَ هو المُناسِبُ لِلْإعْطاءِ؛ لِأنَّ المَعْرُوفَ فِيهِ تَعَلُّقُهُ بِالمالِ خُصُوصًا وقَدْ وقَعَ في مُقابَلَةِ ذِكْرِ البُخْلِ والمالِ ﴿واتَّقى﴾ أيْ: رَبَّهُ فاجْتَنَبَ مَحارِمَهُ.
﴿وصَدَّقَ بِالحُسْنى﴾ [الليل: ٦] أيْ: بِالمَثُوبَةِ الحُسْنى. قالَ قَتادَةُ: أيْ: صَدَّقَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الحَسَنِ. وهو بِمَعْنى قَوْلِ مُجاهِدٍ: إنَّها الجَنَّةُ كَما قالَ تَعالى: ﴿ومَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَـزِدْ لَهُ فِيها حُسْنًا﴾ [الشورى: ٢٣] فَسَمّى مُضاعَفَةَ الأجْرِ حُسْنى. وقالَ القاشانِيُّ: أيْ: صَدَّقَ بِالفَضِيلَةِ الحُسْنى الَّتِي هي مَرْتَبَةُ الكَمالِ بِالإيمانِ العِلْمِيِّ، إذْ لَوْ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِ كَمالٍ كامِلٍ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّرَقِّي.
﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى﴾ [الليل: ٧] أيْ: فَسَنُهَيِّئُهُ ونُوَفِّقُهُ لِلطَّرِيقَةِ اليُسْرى، الَّتِي هي السُّلُوكُ في طَرِيقِ الحَقِّ، لِقُوَّةِ يَقِينِهِ.
قالَ الشِّهابُ: ولَمّا كانَتْ مُؤَدِّيَةً إلى اليُسْرِ، وهو الأمْرُ السَّهْلُ الَّذِي يَسْتَرِيحُ بِهِ النّاسُ وُصِفَتْ بِأنَّها يُسْرى، عَلى أنَّهُ اسْتِعارَةٌ مُصَرِّحَةٌ أوْ مَجازٌ مُرْسَلٌ أوْ تَجَوُّزٌ في الإسْنادِ.
﴿وأمّا مَن بَخِلَ﴾ [الليل: ٨] أيْ: بِالنَّفَقَةِ في سَبِيلِ اللَّهِ، ومَنعِ ما وهَبَ اللَّهُ لَهُ مِن فَضْلِهِ مِن صَرْفِهِ في الوُجُوهِ الَّتِي أمَرَ اللَّهُ بِصَرْفِهِ فِيها ﴿واسْتَغْنى﴾ [الليل: ٨] أيْ: عَنْ رَبِّهِ فَلَمْ يَرْغَبْ إلَيْهِ بِالعَمَلِ لَهُ (p-٦١٧٧)بِطاعَتِهِ بِالزِّيادَةِ فِيما خَوَّلَهُ، أوِ اسْتَغْنى بِمالِهِ عَنْ كَسْبِ الفَضِيلَةِ، وعَمِهَ بِهِ عَنِ الحَقِّ.
﴿وكَذَّبَ بِالحُسْنى﴾ [الليل: ٩] أيْ: بِوُجُودِ المَثُوبَةِ لِلْحُسْنى لِمَن آمَنَ بِالحَقِّ، لِاسْتِغْنائِهِ بِالحَياةِ الدُّنْيا واحْتِجابِهِ بِها عَنْ عالَمِ الآخِرَةِ.
﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى﴾ [الليل: ١٠] أيْ: لِلطَّرِيقَةِ العُسْرى المُؤَدِّيَةِ إلى الشَّقاءِ الأبَدِيِّ.
قالَ الإمامُ: الخُطَّةُ العُسْرى هي الخُطَّةُ الَّتِي يَحُطُّ فِيها الإنْسانُ مِن نَفْسِهِ، ويَغُضُّ مِن حَقِّها ويَنْزِلُ بِها إلى حَضِيضِ البَهِيمِيَّةِ، ويَغْمِسُها في أوْحالِ الخَطِيئَةِ. وهي أعْسَرُ الخُطَّتَيْنِ عَلى الإنْسانِ، لِأنَّهُ لا يَجِدُ مُعِينًا عَلَيْها، لا مِن فِطْرَتِهِ ولا مِنَ النّاسِ.
﴿وما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إذا تَرَدّى﴾ [الليل: ١١] أيْ: وما يُفِيدُهُ مالُهُ الَّذِي تَعِبَ في تَحْصِيلِهِ، وأفْنى عُمْرَهُ في حِفْظِهِ وبَطِرَ الحَقَّ لِأجْلِهِ، إذا هَلَكَ، مِن قَوْلِهِمْ: (تَرَدّى مِنَ الجَبَلِ وفي الهُوَّةِ)، وفي التَّعْبِيرِ بِهِ إشارَةٌ إلى أنَّهُ بِما قَدَّمَهُ مِن أعْمالِهِ الخَبِيثَةِ، هو المُهْلِكُ والمُوقِعُ لِنَفْسِهِ. وهو الحافِرُ عَلى حَتْفِهِ بِظِلْفِهِ. و"ما" نافِيَةٌ أوِ اسْتِفْهامِيَّةٌ في مَعْنى الإنْكارِ. وقَوْلُهُ:
{"ayahs_start":5,"ayahs":["فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ","وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ","فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡیُسۡرَىٰ","وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ","وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ","فَسَنُیَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ","وَمَا یُغۡنِی عَنۡهُ مَالُهُۥۤ إِذَا تَرَدَّىٰۤ"],"ayah":"وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق