الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١٣ - ١٥ ] ﴿فَقالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وسُقْياها﴾ ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهم بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها﴾ [الشمس: ١٤] ﴿ولا يَخافُ عُقْباها﴾ [الشمس: ١٥]
﴿فَقالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ﴾ يَعْنِي صالِحًا عَلَيْهِ السَّلامُ لِقَوْمِهِ. ﴿ناقَةَ اللَّهِ وسُقْياها﴾ أيِ: احْذَرُوا واتَّقُوا ناقَةَ اللَّهِ الَّتِي جَعَلَها آيَةً بَيِّنَةً وشِرْبَها، الَّذِي اخْتَصَّهُ اللَّهُ بِهِ في يَوْمِها. وكانَ عَلَيْهِ السَّلامُ تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ عَنْ أمْرِ اللَّهِ أنَّ لِلنّاقَةِ شِرْبَ يَوْمٍ ولَهم شِرْبُ يَوْمٍ آخَرَ، غَيْرِ يَوْمِ النّاقَةِ، (p-٦١٧١)كَما بَيَّنَتْهُ آيَةُ الشُّعَراءِ قالَ: ﴿هَذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ ولَكم شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ [الشعراء: ١٥٥] ﴿ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكم عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الشعراء: ١٥٦] أيْ: لا تُؤْذُوا النّاقَةَ ولا تَتَعَدَّوْا عَلَيْها في شِرْبِها ويَوْمِ شِرْبِها ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ [الشمس: ١٤] أيْ: فِيما حَذَّرَهم مِنهُ مِن حُلُولِ العَذابِ إنْ فَعَلُوا ﴿فَعَقَرُوها﴾ [الشمس: ١٤] أيْ: قَتَلُوها.
قالَ في (النِّهايَةِ): أصْلُ العَقْرِ ضَرْبُ قَوائِمِ البَعِيرِ أوِ الشّاةِ بِالسَّيْفِ وهو قائِمٌ. ثُمَّ اتَّسَعَ حَتّى اسْتُعْمِلَ في القَتْلِ والهَلاكِ، وذَلِكَ أنَّهم أجْمَعُوا عَلى مَنعِها الشُّرْبَ ورَضُوا بِقَتْلِها. وعَنْ رِضا جَمِيعِهِمْ قَتْلَها قاتَلَها وعَقَرَها مَن عَقَرَها؛ ولِذَلِكَ نُسِبَ التَّكْذِيبُ والعُقْرُ عَلى جَمِيعِهِمْ ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهم بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها﴾ [الشمس: ١٤] أيْ: أهْلَكَهم وأزْعَجَهم بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ بِهِ وتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ وعَقْرِهِمْ ناقَتَهُ، اسْتِهانَةً بِهِ واسْتِخْفافًا بِما بُعِثَ بِهِ. وقِيلَ: دَمْدَمَ أطْبَقَ عَلَيْهِمُ العَذابَ. وقِيلَ: الدَّمْدَمَةُ حِكايَةُ صَوْتِ الهَدَّةِ ﴿فَسَوّاها﴾ [الشمس: ١٤] أيْ: فَسَوّى الدَّمْدَمَةَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، فَلَمْ يَفْلِتْ مِنهم أحَدٌ.
بِمَعْنى جَعَلَها سَواءً بَيْنَهُمْ، أوِ الضَّمِيرُ لِثَمُودَ، أيْ: جَعَلَها عَلَيْهِمْ سَواءً ﴿ولا يَخافُ عُقْباها﴾ [الشمس: ١٥] أيْ: لا يَخْشى تَبِعَةَ إهْلاكِهِمْ لِأنَّهُ العَزِيزُ الَّذِي لا يُغالَبُ.
قالَ الشِّهابُ: أيْ: لا يَخافُ عاقِبَتَها كَما يَخافُ المُلُوكُ عاقِبَةَ ما تَفْعَلُهُ؛ فَهو اسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ لِإهانَتِهِمْ وأنَّهم أذِلّاءُ عِنْدَ اللَّهِ. فالضَّمِيرُ في "يَخافُ" لِلَّهِ وهو الأظْهَرُ. ويَجُوزُ عَوْدُهُ لِلرَّسُولِ ﷺ أيْ: أنَّهُ لا يَخافُ عاقِبَةَ إنْذارِهِ لَهم وهو عَلى الحَقِيقَةِ، كَما إذا قِيلَ: الضَّمِيرُ لِلْأشْقى، أيْ: أنَّهُ لا يَخافُ عاقِبَةَ فِعْلِهِ الشَّنِيعِ. والواوُ الحالُ أوْ الِاسْتِئْنافُ.
تَنْبِيهٌ:
قالَ ابْنُ القَيِّمِ في (مِفْتاحِ دارِ السَّعادَةِ): المَقْصُودُ أنَّ الآيَةَ أوْجَبَتْ لَهُمُ البَصِيرَةَ فَآثَرُوا الضَّلالَةَ والكُفْرَ عَنْ عِلْمٍ ويَقِينٍ؛ ولِهَذا -واللَّهُ أعْلَمُ- ذَكَرَ قِصَّتَهم مِن بَيْنِ قِصَصِ سائِرِ الأُمَمِ في سُورَةِ ﴿والشَّمْسِ وضُحاها﴾ [الشمس: ١] لِأنَّهُ ذَكَرَ فِيها انْقِسامَ النُّفُوسِ إلى الزَّكِيَّةِ الرّاشِدَةِ المُهْتَدِيَةِ (p-٦١٧٢)وإلى الفاجِرَةِ الضّالَّةِ الغاوِيَةِ. وذَكَرَ فِيها الأصْلَيْنِ: القَدَرَ والشَّرْعَ. فَقالَ: ﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾ [الشمس: ٨] فَهَذا قَدَرُهُ وقَضاؤُهُ ثُمَّ قالَ: ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾ [الشمس: ٩] ﴿وقَدْ خابَ مَن دَسّاها﴾ [الشمس: ١٠] فَهَذا أمْرُهُ ودِينُهُ. وثَمُودُ هَداهم فاسْتَحَبُّوا العَمى عَلى الهُدى. فَذَكَرَ قِصَّتَهم لِيُبَيِّنَ سُوءَ عاقِبَةِ مَن آثَرَ الفُجُورَ عَلى التَّقْوى، والتَّدْسِيَةَ عَلى التَّزْكِيَةِ. واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["فَقَالَ لَهُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقۡیَـٰهَا","فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمۡدَمَ عَلَیۡهِمۡ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمۡ فَسَوَّىٰهَا","وَلَا یَخَافُ عُقۡبَـٰهَا"],"ayah":"فَقَالَ لَهُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقۡیَـٰهَا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











