الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ٩ - ١٢ ] ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾ ﴿وقَدْ خابَ مَن دَسّاها﴾ [الشمس: ١٠] ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها﴾ [الشمس: ١١] ﴿إذِ انْبَعَثَ أشْقاها﴾ [الشمس: ١٢] ﴿قَدْ أفْلَحَ مَن زَكّاها﴾ أيْ: زَكّى نَفْسَهُ وطَهَّرَها مِن رِجْسِ النَّقائِصِ والآثامِ، أوْ نَمّاها بِالعِلْمِ والعَمَلِ والوُصُولِ إلى الكَمالِ وبُلُوغِ الفِطْرَةِ الأُولى: ﴿وقَدْ خابَ مَن دَسّاها﴾ [الشمس: ١٠] أيْ: أخْمَلَها ووَضَعَ مِنها، بِخِذْلانِهِ إيّاها عَنِ الهُدى حَتّى رَكِبَ المَعاصِي وتَرَكَ طاعَةَ اللَّهِ تَعالى. هَذا ما قالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ: وقالَ غَيْرُهُ: أيْ: نَقَصَ تَزْكِيَتَها وأخْفى اسْتِعْدادَها وفِطْرَتَها الَّتِي خُلِقَتْ عَلَيْها بِالجَهالَةِ والفُسُوقِ. وهو مَأْخُوذٌ مِن: (دَسَّ الشَّيْءَ في التُّرابِ)، أيْ: أدْخَلَهُ فِيهِ وأخْفاهُ. وأصْلُ (دَسّى) دَسَّسَ. كَتَقَضّى البازِي. وجُمْلَةُ "قَدْ أفْلَحَ" إلَخْ جَوابُ القَسَمِ وحَذْفُ اللّامِ لِلطُّولِ. (p-٦١٧٠)قالَ القاضِي: وكَأنَّهُ لَمّا أرادَ بِهِ الحَثَّ عَلى تَكْمِيلِ النَّفْسِ والمُبالَغَةِ فِيهِ، أقْسَمَ عَلَيْهِ بِما يَدُلُّهم عَلى العِلْمِ بِوُجُودِ الصّانِعِ ووُجُوبِ ذاتِهِ وكَمالِ صِفاتِهِ الَّذِي هو أقْصى دَرَجاتِ القُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ ويُذَكِّرُهم عَظائِمَ الإلَهِ لِيَحْمِلَهم عَلى الِاسْتِغْراقِ في شُكْرِ نَعْمائِهِ الَّذِي هو مُنْتَهى كَمالاتِ القُوَّةِ العَمَلِيَّةِ. وذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ إلى أنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ كَلامٌ تابِعٌ لِقَوْلِهِ: ﴿فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾ [الشمس: ٨] عَلى سَبِيلِ الِاسْتِطْرادِ. وجَوابُ القَسَمِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: لَيُدَمْدِمَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، أيْ: عَلى أهْلِ مَكَّةَ لِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَما دَمْدَمَ عَلى ثَمُودَ، لِأنَّهم كَذَّبُوا صالِحًا عَلَيْهِ السَّلامُ. وقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها﴾ [الشمس: ١١] أيْ: بِسَبَبِ طُغْيانِها ومُجاوَزَتِها الحَدَّ في الفُجُورِ. فالطَّغْوى مَصْدَرٌ. وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِهِ العَذابُ نَفْسُهُ، عَلى حَذْفِ مُضافٍ أوْ بِدُونِهِ مُبالَغَةً كَما يُوصَفُ بِغَيْرِهِ مِنَ المَصادِرِ، أيْ: كَذَّبَتْ بِما أُوعِدَتْ بِهِ مِن عَذابِها ذِي الطَّغْوى، كَقَوْلِهِ: ﴿فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ﴾ [الحاقة: ٥] فالطَّغْوى عَلى هَذا مِنَ التَّجاوُزِ عَنِ الحَدِّ والزِّيادَةُ في العَذابِ. والباءُ صِلَةُ "كَذَّبَتْ" وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذِ انْبَعَثَ أشْقاها﴾ [الشمس: ١٢] ظَرْفٌ لِـ "كَذَّبَتْ" أوْ (طَغْوى)، أيْ: حِينَ قامَ أشْقى ثَمُودَ لِعَقْرِ ناقَةِ صالِحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ. وكانُوا نُهُوا عَنْ مَسِّها بِسُوءٍ، وأُنْذِرُوا عاقِبَةَ المُخالَفَةِ، كَما قالَ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب