الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٧ - ١٨ ] ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وتَواصَوْا بِالمَرْحَمَةِ﴾ ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ المَيْمَنَةِ﴾ [البلد: ١٨] ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ: بِالحَقِّ الَّذِي جاءَهم. عُطِفَ عَلى المَنفِيِّ بِـ: (لا) وهو "اقْتَحَمَ" أوْ عَلى "فَكُّ". "وتَواصَوْا" أيْ: أوْصى بَعْضُهم بَعْضًا "بِالصَّبْرِ" أيْ: عَلى ما نابَهم في سَبِيلِ الدَّعْوَةِ إلى الحَقِّ ﴿وتَواصَوْا بِالمَرْحَمَةِ﴾ أيْ: بِالرَّحْمَةِ عَلى بَعْضِهِمْ. كَقَوْلِهِ: ﴿رُحَماءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: ٢٩] أوْ بِمُوجِباتِ رَحْمَتِهِ تَعالى مِنَ القِيامِ بِالحَقِّ والصَّدْعِ بِهِ وعَمَلِ الصّالِحاتِ ﴿أُولَئِكَ أصْحابُ المَيْمَنَةِ﴾ [البلد: ١٨] أيِ: اليَمِينِ، أوْ جِهَةِ اليَمِينِ الَّتِي فِيها السُّعَداءُ. تَنْبِيهٌ: قالَ القاشانِيُّ: يُشِيرُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ﴾ [البلد: ١١] الآياتِ، إلى قَهْرِ النَّفْسِ بِتَكَلُّفِ الفَضائِلِ والتِزامِ سُلُوكِ طَرِيقِها واكْتِسابِها، حَتّى يَصِيرَ التَّطَبُّعُ طَبْعًا، ثُمَّ قالَ: فَإنَّ الإطْعامَ، خُصُوصًا وقْتَ شِدَّةِ الِاحْتِياجِ لِلْمُسْتَحِقِّ، الَّذِي هو وُضِعَ في مَوْضِعِهِ، مِن بابِ فَضِيلَةِ العِفَّةِ (p-٦١٦٥)بَلْ أفْضَلُ أنْواعِها، والإيمانُ مِن فَضِيلَةِ الحِكْمَةِ وأشْرَفِ أنْواعِها وأجَلِّها، وهو الإيمانُ العِلْمِيُّ اليَقِينِيُّ، والصَّبْرُ عَلى الشَّدائِدِ مِن أعْظَمِ أنْواعِ الشَّجاعَةِ؛ وأخَّرَهُ عَنِ الإيمانِ لِامْتِناعِ حُصُولِ فَضِيلَةِ الشَّجاعَةِ بِدُونِ اليَقِينِ. و(المَرْحَمَةُ) أيِ: التَّراحُمُ والتَّعاطُفُ مِن أفْضَلِ أنْواعِ العَدالَةِ، فانْظُرْ كَيْفَ عَدَّدَ أجْناسَ الفَضائِلِ الأرْبَعِ الَّتِي يَحْصُلُ بِها كَمالُ النَّفْسِ. بَدَأ بِالعِفَّةِ الَّتِي هي أوْلى الفَضائِلِ، وعَبَّرَ عَنْها بِمُعْظَمِ أنْواعِها. وأخَصِّ خِصالِها الَّذِي هو السَّخاءُ، ثُمَّ أوْرَدَ الإيمانَ الَّذِي هو الأصْلُ والأساسُ. وجاءَ بِلَفْظَةِ "ثُمَّ" لِبُعْدِ مَرْتَبَتِهِ عَنِ الأُولى في الِارْتِفاعِ والعُلُوِّ، وعَبَّرَ عَنِ الحِكْمَةِ بِهِ لِكَوْنِهِ أُمَّ سائِرِ مَراتِبِها وأنْوَعَها. ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ الصَّبْرَ لِامْتِناعِهِ بِدُونِ اليَقِينِ. وأخَّرَ العَدالَةَ الَّتِي هي نِهايَتُها. واسْتَغْنى بِذِكْرِ المَرْحَمَةِ، الَّتِي هي صِفَةُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سائِرِ أنْواعِها، كَما اسْتَغْنى بِذِكْرِ الصَّبْرِ عَنْ سائِرِ أنْواعِ الشَّجاعَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب