الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٨ - ١٦ ] ﴿ألَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾ ﴿ولِسانًا وشَفَتَيْنِ﴾ [البلد: ٩] ﴿وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: ١٠] ﴿فَلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ﴾ [البلد: ١١] ﴿وما أدْراكَ ما العَقَبَةُ﴾ [البلد: ١٢] ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ [البلد: ١٣] ﴿أوْ إطْعامٌ في يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ [البلد: ١٤] ﴿يَتِيمًا ذا مَقْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٥] ﴿أوْ مِسْكِينًا ذا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٦]
﴿ألَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾ ﴿ولِسانًا وشَفَتَيْنِ﴾ [البلد: ٩] قالَ القاشانِيُّ: أيْ: ألَمْ نُنْعِمْ عَلَيْهِ بِالآلاتِ البَدَنِيَّةِ الَّتِي يَتَمَكَّنُ بِها مِنِ اكْتِسابِ الكَمالِ، لِيَبْصُرَ ما يَعْتَبِرُ بِهِ، ويَسْألُ عَمّا لا يَعْلَمُ، ويَتَكَلَّمُ فِيهِ؟
وقالَ السَّيِّدُ المُرْتَضى: هَذا تَذْكِيرٌ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وما أزاحَ بِهِ عِلَّتَهم في تَكالِيفِهِمْ، وما تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الآلاتِ الَّتِي يَتَوَصَّلُونَ بِها إلى مَنافِعِهِمْ، ويَدْفَعُونَ بِها المَضارَّ عَنْهُمْ؛ لِأنَّ الحاجَةَ إلى أكْثَرِ المَنافِعِ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ ماسَّةٌ، فالحاجَةُ إلى العَيْنَيْنِ لِلرُّؤْيَةِ، واللِّسانِ لِلنُّطْقِ، والشَّفَتَيْنِ لِحَبْسِ الطَّعامِ والشَّرابِ وإمْساكِهِما في الفَمِ، والنُّطْقِ أيْضًا.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: ١٠] أيْ: طَرِيقَيِ الخَيْرِ والشَّرِّ، قالَ الإمامُ: النَّجْدُ مَشْهُورٌ في الطَّرِيقِ المُرْتَفِعَةِ، والمُرادُ بِها طَرِيقَيِ الخَيْرِ والشَّرِّ؛ وإنَّما سَمّاهُما نَجْدَيْنِ، لِيُشِيرَ إلى أنَّ في كُلٍّ مِنهُما وُعُورَةً وصُعُوبَةَ (p-٦١٦٣)مَسْلَكٍ فَلَيْسَ الشَّرُّ بِأهْوَنَ مِنَ الخَيْرِ كَما يُظَنُّ، وإلى أنَّهُما واضِحانِ جَلِيّانِ لا يَخْفى واحِدٌ مِنهُما عَلى سالِكٍ، أيْ: أوْدَعْنا في فِطْرَتِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الخَيْرِ والشَّرِّ، وأقَمْنا لَهُ مِن وِجْدانِهِ وعَقْلِهِ أعْلامًا تَدُلُّهُ عَلَيْهِما، ثُمَّ وهَبْناهُ الِاخْتِيارَ، فَإلَيْهِ أنْ يَخْتارَ أيَّ الطَّرِيقَيْنِ شاءَ. فالَّذِي وهَبَ الإنْسانَ هَذِهِ الآلاتِ، وأوْدَعَ باطِنَهُ تِلْكَ القُوى، لا يُمْكِنُ لِلْإنْسانِ أنْ يَفْلِتَ مِن قُدْرَتِهِ، ولا يَجُوزَ أنْ يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن سَرِيرَتِهِ.
﴿فَلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ﴾ [البلد: ١١] أيْ: فَلَمْ يَشْكُرْ تِلْكَ النِّعَمَ الجَلِيلَةَ بِاقْتِحامِ العَقَبَةِ. و(الِاقْتِحامُ) الدُّخُولُ والمُجاوَزَةُ بِشِدَّةٍ ومَشَقَّةٍ. و(العَقَبَةُ) الطَّرِيقُ الوَعِرَةُ في الجَبَلِ يَصْعُبُ سُلُوكُها. اسْتَعارَها لِما يَأْتِي، لِما فِيهِ مِن مُعاناةِ المَشَقَّةِ ومُجاهَدَةِ النَّفْسِ.
﴿وما أدْراكَ ما العَقَبَةُ﴾ [البلد: ١٢] أيُّ شَيْءٍ أعْلَمَكَ ما اقْتِحامُ العَقَبَةِ؟ وفي الِاسْتِفْهامِ زِيادَةُ تَقْرِيرِها وكَوْنِها عِنْدَ اللَّهِ بِمَكانَةٍ رَفِيعَةٍ.
﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ [البلد: ١٣] أيْ: عِتْقُها، أوِ المُعاوَنَةُ عَلَيْهِ وتَخْلِيصُها مِنَ الرِّقِّ وأسَرَّ العُبُودِيَّةَ، رُجُوعًا بِهِ إلى ما فُطِرَتْ عَلَيْهِ مِنَ الحُرِّيَّةِ.
﴿أوْ إطْعامٌ في يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ [البلد: ١٤] أيْ: مَجاعَةٍ.
﴿يَتِيمًا ذا مَقْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٥] أيْ: قَرابَةٍ. قالَ السَّيِّدُ المُرْتَضى: وهَذا حَضٌّ عَلى تَقْدِيمِ ذَوِي النَّسَبِ والقُرْبى المُحْتاجِينَ، عَلى الأجانِبِ في الإفْضالِ.
قالَ: وقَدْ يُمْكِنُ في "مَقْرَبَةٍ" أنْ يَكُونَ غَيْرَ مَأْخُوذٍ مِنَ القَرابَةِ والقُرْبى، بَلْ مِنَ القُرْبِ الَّذِي هو مِنَ الخاصِرَةِ، فَكَأنَّ المَعْنى أنَّهُ يُطْعِمُ مِن خاصِرَتِهِ لَصِقَتْ مِن شِدَّةِ الجُوعِ والضُّرِّ، وهَذا أشْبَهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ذا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٦] لِأنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُبالَغَةٌ في وصْفِهِ بِالضُّرِّ. ولَيْسَ مِنَ المُبالَغَةِ في الوَصْفِ بِالضُّرِّ أنْ يَكُونَ قَرِيبَ النَّسَبِ. انْتَهى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ مِسْكِينًا ذا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٦] أيْ: فَقْرٍ شَدِيدٍ لا يُوارِيهِ إلّا التُّرابُ. يُقالُ: (تَرِبَ)، كَأنَّهُ لَصِقَ بِالتُّرابِ. ويُقالُ: (فَقْرٌ مُدْقِعٌ)، و: (فَقِيرٌ مُدْقِعٌ)، بِمَعْنى لاصِقٍ بِالدَّقْعاءِ، وهي التُّرابُ.
لَطِيفَةٌ:
ذَهَبَ الأكْثَرُونَ إلى أنَّ (لا) مِن قَوْلِهِ "فَلا" نافِيَةٌ. وإنَّما لَمْ تُكَرَّرْ، مَعَ أنَّ العَرَبَ لا تَكادُ تُفْرِدُها، كَما جاءَ في آيَةِ ﴿فَلا صَدَّقَ ولا صَلّى﴾ [القيامة: ٣١] ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم (p-٦١٦٤)يَحْزَنُونَ﴾ [الأحقاف: ١٣] اسْتِغْناءٌ بِدَلالَةِ بَقِيَّةِ الكَلامِ عَلى تَكْرارِها. لِأنَّ (لا اقْتَحَمَ) لِما فَسَّرَ بِما بَعْدَهُ كانَ في قُوَّةِ: (لا فَّكَ رَقَبَةً ولا أطْعَمَ مِسْكِينًا)، وفي الآيَةِ أجْوِبَةٌ أُخْرى: مِنها أنَّهُ لَمّا عَطَفَ عَلَيْهِ، كانَ وهو مَنفِيٌّ أيْضًا، فَكَأنَّها كُرِّرَتْ. وقِيلَ: (لا) لِلدُّعاءِ. كَقَوْلِهِمْ: (لا نَجا ولا سَلِمَ)، وقِيلَ: مُخَفَّفَةٌ مِن (ألا) الَّتِي لِلتَّحْضِيضِ. وقِيلَ: إنَّها لِلنَّفْيِ فِيما يُسْتَقْبَلُ. وقالَ الإمامُ: أمّا ما قِيلَ مِن أنَّ (لا) إذا دَخَلَتْ عَلى الماضِي وجَبَ تَكْرارُها، ولَمْ تُكَرَّرْ في الآيَةِ، فَذَلِكَ لا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأنَّ الكِتابَ نَفْسَهُ حُجَّةٌ في الفَصاحَةِ. وقَدْ ورَدَ في كَلامِهِمْ عَدَمُ تَكْرارِها. وقَوْلُهُ تَعالى:
{"ayahs_start":8,"ayahs":["أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ عَیۡنَیۡنِ","وَلِسَانࣰا وَشَفَتَیۡنِ","وَهَدَیۡنَـٰهُ ٱلنَّجۡدَیۡنِ","فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡعَقَبَةُ","فَكُّ رَقَبَةٍ","أَوۡ إِطۡعَـٰمࣱ فِی یَوۡمࣲ ذِی مَسۡغَبَةࣲ","یَتِیمࣰا ذَا مَقۡرَبَةٍ","أَوۡ مِسۡكِینࣰا ذَا مَتۡرَبَةࣲ"],"ayah":"أَوۡ إِطۡعَـٰمࣱ فِی یَوۡمࣲ ذِی مَسۡغَبَةࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











