الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٦ ] ﴿وإنْ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأنَّهم قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ .
﴿وإنْ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأنَّهم قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ أيْ: وإنِ اسْتَجارَكَ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ أُمِرْتَ بِقِتالِهِمْ، أيِ: اسْتَأْمَنَكَ بَعْدَ انْقِضاءِ أشْهُرِ العَهْدِ، فَأجِبْهُ إلى طَلِبَتِهِ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ، أيِ: القُرْآنَ الَّذِي تَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ، ويَتَدَبَّرَهُ، ويَطَّلِعَ عَلى حَقِيقَةِ الأمْرِ، وتَقُومَ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ بِهِ، فَإنْ أسْلَمَ ثَبَتَ لَهُ ما لِلْمُسْلِمِينَ، وإنْ أبى فَإنَّهُ يُرَدُّ إلى مَأْمَنِهِ ودارِهِ الَّتِي يَأْمَنُ فِيها، ثُمَّ قاتِلْهُ إنْ شِئْتَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ﴾ يَعْنِي الأمْرَ بِالإجارَةِ وإبْلاغَ المَأْمَنِ، بِسَبَبِ أنَّهم قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ، أيْ: جَهَلَةٌ، فَلا بُدَّ مِن إعْطائِهِمُ الأمانَ حَتّى يَسْمَعُوا ويَفْهَمُوا الحَقَّ، ولا يَبْقى لَهم مَعْذِرَةٌ.
تَنْبِيهاتٌ:
الأوَّلُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ المُسْتَأْمَنَ لا يُؤْذى، وأنَّهُ يُمَكَّنُ مِنَ العَوْدِ مِن غَيْرِ غَدْرٍ بِهِ ولا خِيانَةٍ، ولِذا ورَدَ في التَّرْهِيبِ مِن عَدَمِ الوَفاءِ بِالعَهْدِ والغَدْرِ ما يَزْجُرُ أشَدَّ الزَّجْرِ.
(p-٣٠٧٨)فَرَوى البُخارِيُّ في (" تارِيخِهِ ") والنَّسائِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: ««مَن أمَّنَ رَجُلًا عَلى دَمِهِ فَقَتَلَهُ، فَأنا بَرِيءٌ مِنَ القاتِلِ وإنْ كانَ المَقْتُولُ كافِرًا»» .
ورَوى أحْمَدُ والشَّيْخانِ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يُعْرَفُ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ»» .
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: مَن قَدِمَ مِن دارِ الحَرْبِ إلى دارِ الإسْلامِ، في أداءِ رِسالَةٍ أوْ تِجارَةٍ، أوْ طَلَبِ صُلْحٍ أوْ مُهادَنَةٍ، أوْ حَمْلِ جِزْيَةٍ، أوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأسْبابِ، وطَلَبَ مِنَ الإمامِ أوْ نائِبِهِ أمانًا أُعْطِيَ، ما دامَ مُتَرَدِّدًا في دارِ الإسْلامِ، إلى أنْ يَرْجِعَ إلى مَأْمَنِهِ ووَطَنِهِ.
قالَ الحاكِمُ: وإنَّما يُجارُ ويُؤَمَّنُ إذا لَمْ يُعْلَمْ أنَّهُ يَطْلُبُ الخِداعَ والمَكْرَ، لِأنَّهُ تَعالى عَلَّلَ لُزُومَ الإجارَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾
الثّانِي: قالَ الحاكِمُ: تَدُلُّ الآيَةُ عَلى أنَّهُ يَجُوزُ لِلْكافِرِ دُخُولُ المَسْجِدِ لِسَماعِ كَلامِ اللَّهِ.
الثّالِثُ: اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الآيَةِ مَن ذَهَبَ إلى كَلامِ اللَّهِ بِحَرْفٍ وصَوْتٍ قَدِيمَيْنِ، وهُمُ الحَنابِلَةُ، ومَن وافَقَهم كالعَضُدِ.
قالُوا: لِأنَّ مَنطُوقَ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ كَلامَ اللَّهِ يَسْمَعُهُ الكافِرُ والمُؤْمِنُ والزِّنْدِيقُ والصِّدِّيقُ، والَّذِي يَسْمَعُهُ جُمْهُورُ الخَلْقِ لَيْسَ إلّا هَذِهِ الحُرُوفَ والأصْواتَ.
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ كَلامَ اللَّهِ لَيْسَ هَذِهِ الحُرُوفَ والأصْواتَ، والقَوْلُ بِأنَّ كَلامَ اللَّهِ شَيْءٌ مُغايِرٌ لَها باطِلٌ، لِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ما كانَ يُشِيرُ بِقَوْلِهِ كَلامُ اللَّهِ إلّا لَها، وقَدِ اعْتَرَفَ الرّازِيُّ بِقُوَّةِ هَذا، لِإلْزامِ مَن خالَفَ فِيهِ، وقَدْ مَضى لَنا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: ١٦٤] في آخِرِ سُورَةِ النِّساءِ، فارْجِعْ إلَيْهِ.
(p-٣٠٧٩)الرّابِعُ: قالَ الرّازِيُّ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ التَّقْلِيدَ غَيْرُ كافٍ في الدِّينِ، وأنَّهُ لا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ، وذَلِكَ لِأنَّهُ لَوْ كانَ التَّقْلِيدُ كافِيًا، لَوَجَبَ أنْ لا يُمْهَلَ هَذا الكافِرُ، بَلْ يُقالُ لَهُ: إمّا أنْ تُؤْمِنَ، وإمّا أنْ نَقْتُلَكَ، فَلَمّا لَمْ يَقُلْ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ أُمْهِلَ وأُزِيلَ الخَوْفُ عَنْهُ، ووَجَبَ تَبْلِيغُهُ مَأْمَنَهُ، عُلِمَ أنَّ ذَلِكَ لِأجْلِ عَدَمِ كِفايَةِ التَّقْلِيدِ في الدِّينِ، وأنَّهُ لا بُدَّ مِنَ الحُجَّةِ والدَّلِيلِ، فَلِذا أُمْهِلَ لِيَحْصُلَ لَها النَّظَرُ والِاسْتِدْلالُ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى حِكْمَتَهُ في البَراءَةِ مِنَ المُشْرِكِينَ، ونَظْرَتَهُ إيّاهم أرْبَعَةَ أشْهُرٍ، ثُمَّ بَعْدَها السَّيْفُ المُرْهَفُ بِقَوْلِهِ:
{"ayah":"وَإِنۡ أَحَدࣱ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ یَسۡمَعَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمࣱ لَّا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











