الباحث القرآني
(p-٣١٢٩)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٣٣ ] ﴿هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ .
﴿هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى﴾ أيِ: القُرْآنِ الَّذِي هو هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، ﴿ودِينِ الحَقِّ﴾ أيِ: التَّوْحِيدِ الثّابِتِ الَّذِي لا يَزُولُ ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾ أيِ: الدِّينَ الحَقَّ ﴿عَلى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أيْ: عَلى سائِرِ الأدْيانِ ﴿ولَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ أيْ: أنْ يَكُونَ ذَلِكَ.
وجَوابُ (لَوْ) فِيهِما مَحْذُوفٌ، لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ، وجُمْلَةُ: ﴿هُوَ الَّذِي﴾ إلَخْ بَيانٌ وتَقْرِيرٌ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ قَبْلَها، لِأنَّ المُرادَ مِن إتْمامِ نُورِهِ إظْهارُهُ ولِكَوْنِهِ بِحَسَبِ المَآلِ بِمَعْناهُ، ذَيَّلَهُ بِما ذَيَّلَهُ بِهِ بِعَيْنِهِ، لَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنِ الكافِرِينَ بِالمُشْرِكِينَ تَفادِيًا عَنْ صُورَةِ التَّكْرارِ - كَذا في (" العِنايَةِ ") - .
وفِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: ««إنَّ اللَّهَ زَوى لِيَ الأرْضَ، مَشارِقَها ومَغارِبَها، وسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي ما زَوى لِي مِنها»» .
ورَوى الإمامُ أحْمَدُ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ قَبِيصَةَ أوْ قَبِيصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: «صَلّى هَذا الحَيُّ مِن مُحارِبٍ الصُّبْحَ، فَلَمّا صَلَّوْا قالَ شابٌّ مِنهم: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّهُ سَتَفْتَحُ لَكم مَشارِقُ الأرْضِ ومَغارِبُها، وإنَّ عُمّالَها في النّارِ، إلّا مَنِ اتَّقى اللَّهَ وأدّى الأمانَةَ»» .
(p-٣١٣٠)وأُخْرِجَ أيْضًا عَنْ تَمِيمٍ الدّارِيِّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ««لَيَبْلُغَنَّ هَذا الأمْرُ ما بَلَغَ اللَّيْلُ والنَّهارُ، ولا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ ولا وبَرٍ إلّا أدْخَلَهُ هَذا الدِّينَ يُعِزُّ عَزِيزًا، ويُذِلُّ ذَلِيلًا، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإسْلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الكُفْرَ»» .
وكانَ تَمِيمٌ الدّارِيُّ يَقُولُ: قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ في أهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أصابَ مَن أسْلَمَ مِنهُمُ الخَيْرُ والشَّرَفُ والعِزُّ، ولَقَدْ أصابَ مَن كانَ كافِرًا مِنهُمُ الذُّلُّ والصَّغارُ والجِزْيَةُ.
وأُخْرِجَ أيْضًا عَنِ المِقْدادِ بْنِ الأسْوَدِ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ««لا يَبْقى عَلى وجْهِ الأرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ ولا وبَرٍ إلّا دَخَلَتْهُ كَلِمَةُ الإسْلامِ، يُعِزُّ عَزِيزًا، ويُذِلُّ ذَلِيلًا، إمّا يُعِزُّهُمُ اللَّهُ فَيَجْعَلُهم مِن أهْلِها، وإمّا يُذِلُّهم فَيَدِينُونَ لَها»» .
وأُخْرِجَ أيْضًا عَنْ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ قالَ: «دَخَلْتُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: «يا عَدِيُّ ! أسْلِمْ تَسْلَمْ» . فَقُلْتُ: إنِّي مِن أهْلِ دِينٍ. قالَ: «أنا أعْلَمُ بِدِينِكَ مِنكَ» . فَقُلْتُ: أنْتَ أعْلَمُ بِدِينِي مِنِّي ؟ قالَ: «نَعَمْ ألَسْتَ مَنِ الرَّكُوسِيَّةِ، وأنْتَ تَأْكُلُ مِرْباعَ قَوْمِكَ ؟» قُلْتُ: بَلى ! قالَ: «فَإنَّ هَذا لا يَحِلُّ لَكَ في دِينِكَ» . قالَ فَلَمْ يَعُدْ أنْ قالَها، فَتَواضَعْتُ لَها. قالَ: «أما إنِّي أعْلَمُ ما الَّذِي يَمْنَعُكَ عَنِ الإسْلامِ، تَقُولُ: إنَّما اتَّبَعَهُ ضَعَفَةُ النّاسِ، ومَن لا قُوَّةَ لَهُ، وقَدْ رَمَتْهُمُ العَرَبُ، أتَعْرِفُ الحِيرَةَ ؟» قُلْتُ: لَمْ أرَها، وقَدْ سَمِعْتُ بِها. قالَ: «فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ! (p-٣١٣١)لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذا الأمْرَ، حَتّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الحِيرَةِ، حَتّى تَطُوفَ بِالبَيْتِ مِن غَيْرِ جِوارِ أحَدٍ، ولَتُفْتَحُنَّ كُنُوزُ كِسْرى بْنِ هُرْمُزَ»، قُلْتُ: كِسْرى بْنُ هُرْمُزَ ؟ قالَ: «نَعَمْ ! كِسْرى بْنُ هُرْمُزَ، ولَيُبْذَلَنَّ المالَ حَتّى لا يَقْبَلَهُ أحَدٌ» .
قالَ عَدِيُّ بْنُ حاتِمٍ: فَهَذِهِ الظَّعِينَةُ تَخْرُجُ مِنَ الحِيرَةِ، فَتَطُوفُ بِالبَيْتِ مِن غَيْرِ جِوارِ أحَدٍ ولَقَدْ كُنْتُ فِيمَن فَتَحَ كُنُوزَ كِسْرى بْنِ هُرْمُزَ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ! لَتَكُونَنَّ الثّالِثَةُ، لِأنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ قالَها».
ورَوى مُسْلِمٌ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ««لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ والنَّهارُ حَتّى تُعْبَدَ اللّاتُ والعُزّى»، فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ! إنْ كُنْتُ لَأظُنُّ حِينَ أنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى ودِينِ الحَقِّ﴾ الآيَةَ، إنَّ ذَلِكَ تامٌّ ! قالَ: «إنَّهُ سَيَكُونُ مِن ذَلِكَ ما شاءَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَيُتَوَفّى كُلُّ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِن إيمانٍ فَيَبْقى مَن لا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إلى دِينِ آبائِهِمْ»» .
قالَ في (" اللُّبابِ "): مَعْنى الآيَةِ لَيَظْهَرَنَّ دِينُ الإسْلامِ عَلى الأدْيانِ كُلِّها، وهو ألّا يُعْبَدَ اللَّهُ إلّا بِهِ.
وكَذا رُوِيَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: هَذا وعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى بِأنَّهُ يَجْعَلُ الإسْلامَ عالِيًا عَلى جَمِيعِ الأدْيانِ، وتَمامُ هَذا إنَّما يَحْصُلُ عِنْدَ خُرُوجِ عِيسى.
وكَذَلِكَ قالَ الضَّحّاكُ والسُّدِّيُّ: لا يَبْقى أحَدٌ إلّا دَخَلَ في الإسْلامِ.
وقالَ الشّافِعِيُّ: قَدْ أظْهَرَ اللَّهُ دِينَ رَسُولِهِ ﷺ عَلى الأدْيانِ كُلِّها، بِأنْ أبانَ لِكُلِّ مَن سَمِعَهُ أنَّهُ الحَقُّ وما خَلْفَهُ مِنَ الأدْيانِ باطِلٌ، وأظْهَرَهُ عَلى الشِّرْكِ دِينِ أهْلِ الكِتابِ، ودِينِ الأُمِّيِّينَ، فَقَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الأُمِّيِّينَ حَتّى دانُوا بِالإسْلامِ، وأعْطى بَعْضُهُمُ الجِزْيَةَ صاغِرِينَ، وجَرى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ.
قالَ: فَهَذا هو ظُهُورُهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ. انْتَهى.
(p-٣١٣٢)قُلْتُ: ما ذَكَرَهُ الشّافِعِيُّ هو مِن ظُهُورِهِ، والأدَقُّ ما تَقَدَّمَ، مِن أنَّهُ سَوْفَ يَعْتَنِقُهُ كُلُّ فِرْقَةٍ، فَإنَّ ما تَذْهَبُ إلَيْهِ طَوائِفُ الإصْلاحِ مِنَ المِلَلِ الأُخْرى لا يَبْعُدُ الآنَ عَنِ الإسْلامِ إلّا قَلِيلًا.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى حالَ الأحْبارِ والرُّهْبانِ في إغْوائِهِمْ لِأراذِلِهِمْ، إثْرَ بَيانِ سُوءِ حالِ الأتْباعِ في اتِّخاذِهِمْ لَهم أرْبابًا يُطِيعُونَهم في الأوامِرِ والنَّواهِي، واتِّباعِهِمْ لَهم فِيما يَأْتُونَ وما يَذَرُونَ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق