الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١١٣ - ١١٤ ] ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى (p-٣٢٨١)مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهم أنَّهم أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ ﴿وما كانَ اسْتِغْفارُ إبْراهِيمَ لأبِيهِ إلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وعَدَها إيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأ مِنهُ إنَّ إبْراهِيمَ لأوّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٤] .
﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ والَّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهم أنَّهم أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ ﴿وما كانَ اسْتِغْفارُ إبْراهِيمَ لأبِيهِ إلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وعَدَها إيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأ مِنهُ إنَّ إبْراهِيمَ لأوّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٤]
لِما بَيَّنَ تَعالى في أوَّلِ السُّورَةِ وما بَعْدَها أنَّ البَراءَةَ مِنَ المُشْرِكِينَ والمُنافِقِينَ واجِبَةٌ، بَيَّنَ سُبْحانَهُ هُنا ما يَزِيدُ ذَلِكَ تَأْكِيدًا، حَيْثُ نَهى عَنِ الِاسْتِغْفارِ لَهم بَعْدَ تَبَيُّنِ شِرْكِهِمْ وكُفْرِهِمْ، لِأنَّ ظُهُورَهُ مُوجِبٌ لِقَطْعِ المُوالاةِ، حَتّى مَعَ الأقْرِباءِ، لِأنَّ قَرابَتَهم وإنْ أفادَتْهُمُ المُناسَبَةُ بِهِمْ والرَّحْمَةُ بِهِمْ، فَلا تُفِيدُهم قَبُولَ نُورِ الِاسْتِغْفارِ ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨] فَطَلَبُ المَغْفِرَةِ لَهم في حُكْمِ المُخالَفَةِ لِوَعْدِ اللَّهِ ووَعِيدِهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعالى أنَّ السَّبَبَ في اسْتِغْفارِ إبْراهِيمَ لِأبِيهِ، أنَّهُ كانَ لِأجْلِ وعْدٍ تَقَدَّمَ مِنهُ لَهُ، بِقَوْلِهِ: ﴿سَأسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ [مريم: ٤٧] وقَوْلِهِ: ﴿لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ [الممتحنة: ٤] وأنَّهُ كانَ قَبْلَ أنْ يَتَحَقَّقَ إصْرارُهُ عَلى الشِّرْكِ ﴿فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾ [التوبة: ١١٤] ذَلِكَ ﴿تَبَرَّأ مِنهُ﴾ [التوبة: ١١٤] أيْ: مِن أبِيهِ بِالكُلِّيَّةِ، فَضْلًا عَنِ الِاسْتِغْفارِ لَهُ.
وبَيَّنَ تَعالى الحامِلَ لِإبْراهِيمَ عَلى الِاسْتِغْفارِ، بِأنَّهُ فَرْطُ تَرَحُّمِهِ وصَبْرِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ إبْراهِيمَ لأوّاهٌ﴾ [التوبة: ١١٤] أيْ: كَثِيرُ التَّأوُّهِ مِن فَرْطِ الرَّحْمَةِ، ورِقَّةِ القَلْبِ ﴿حَلِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٤] أيْ: صَبُورٌ عَلى ما يَعْتَرِضُهُ مِنَ الإيذاءِ، ولِذَلِكَ حَلَمَ عَنْ أبِيهِ، مَعَ تَوَعُّدِهِ لَهُ بِقَوْلِهِ:
﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ﴾ [مريم: ٤٦] واسْتَغْفَرَ لَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿سَلامٌ عَلَيْكَ سَأسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم: ٤٧] وذَلِكَ قَبْلَ التَّبْيِينِ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أنْ يَأْتَسِيَ بِهِ في ذَلِكَ.
وفِي الآيَةِ تَأْكِيدٌ لِوُجُوبِ الِاجْتِنابِ بَعْدَ التَّبْيِينِ، بِأنَّهُ ﷺ تَبَرَّأ مِن أبِيهِ بَعْدَ التَّبْيِينِ، وهو في كَمالِ رِقَّةِ القَلْبِ والحِلْمِ، فَلا بُدَّ أنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أكْثَرَ مِنهُ اجْتِنابًا وتَبَرُّؤًا.
(p-٣٢٨٢)تَنْبِيهاتٌ:
الأوَّلُ: ساقَ المُفَسِّرُونَ هَهُنا رِواياتٌ عَدِيدَةٌ في نُزُولِ الآيَةِ، ولَمّا رَآها بَعْضُهم مُتَنافِيَةً، حاوَلَ الجَمْعَ بَيْنَها بِتَعَدُّدِ النُّزُولِ، ولا تَنافِي، لِما قَدَّمْناهُ مِن أنَّ قَوْلَهم (نَزَلَتْ في كَذا) قَدْ يُرادُ بِهِ أنَّ حُكْمَ الآيَةِ يَشْمَلُ ما وقَعَ مِن كَذا بِمَعْنى أنَّ نُزُولَها يَتَناوَلُهُ. وقَدْ يُرادُ بِهِ أنَّ كَذا كانَ سَبَبًا لِنُزُولِها، وما هُنا مِنَ الأوَّلِ، ونَظائِرُهُ كَثِيرَةٌ في التَّنْزِيلِ، وقَدْ نَبَّهَنا عَلَيْهِ مِرارًا، لا سِيَّما في المُقَدِّمَةِ. فاحْفَظْهُ.
الثّانِي: قالَ عَطاءُ بْنُ أبِي الرَّباحِ: ما كُنْتُ لِأدَعَ الصَّلاةَ عَلى أحَدٍ مِن أهْلِ القِبْلَةِ، ولَوْ كانَتْ حَبَشِيَّةً حُبْلى مِنَ الزِّنى، لِأنِّي لَمْ أسْمَعِ اللَّهَ حَجَبَ الصَّلاةَ إلّا عَنِ المُشْرِكِينَ، ثُمَّ قَرَأ الآيَةَ. وهَذا فِقْهٌ جَيِّدٌ.
الثّالِثُ: قالَ بَعْضُ اليَمانِيِّينَ: اسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى أنَّ مَن تَأوَّهَ في الصَّلاةِ لَمْ تَبْطُلْ. وهَذا يُحْكى عَنْ أبِي جَعْفَرٍ: إذا قالَ: (آهَ) لَمْ تَبْطُلْ صَلاتُهُ، لِأنَّهُ تَعالى مَدَحَ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِذَلِكَ، ومَذْهَبُ الأئِمَّةِ بُطْلانُها، سَواءٌ قالَ: (آهَ) أوْ (أوَّهَ)، لِأنَّ ذَلِكَ مِن كَلامِ النّاسِ، ولَمْ يَذْكُرْ تَعالى أنَّ تَأوُّهَ إبْراهِيمَ كانَ في الصَّلاةِ. انْتَهى.
الرّابِعُ: قالَ في (" العِنايَةِ "): (أوّاهٌ) فَعّالٌ لِلْمُبالَغَةِ مِنَ (التَّأوُّهِ)، وقِياسُ فِعْلِهِ أنْ يَكُونَ ثُلاثِيًّا، لِأنَّ أمْثِلَةَ المُبالَغَةِ إنَّما يَطَّرِدُ أخْذُها مِنهُ وحَكى قُطْرُبٌ لَهُ فِعْلًا ثُلاثِيًّا، وهو (آهَ يَؤُوهُ)، كَقامَ يَقُومُ، أوْهًا، وأنْكَرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِأنْ لا يُقالَ إلّا أوَّهَ وتَأوَّهَ قالَ:
؎إذا ما قُمْتُ أرْحَلُها بِلَيْلٍ تَأوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الحَزِينِ
(p-٣٢٨٣)والتَّأوُّهُ قَوْلُ (آهَ) ونَحْوِهِ مِمّا يَقُولُهُ الحَزِينُ، فَلِذا كُنِّيَ بِهِ عَنِ الحُزْنِ، ورِقَّةِ القَلْبِ. انْتَهى.
و(أوَّهَ) بِفَتْحِ الواوِ المُشَدَّدَةِ ساكِنَةُ الهاءِ، وأوّاهٌ، وأوْهٌ بِسُكُونِ الواوِ، والحَرَكاتُ الثَّلاثُ قالَ:
؎فَأوْهِ عَلى زِيارَةِ أُمِّ عَمْرٍو ∗∗∗ فَكَيْفَ مَعَ العِدا ومَعَ الوُشاةِ ؟
ورُبَّما قَلَبُوا الواوَ ألِفًا، فَقالُوا: آهِ مِن كَذا قالَ:
؎آهِ مِن تَيّاكِ آها ∗∗∗ تَرَكَتْ قَلْبِي مُتاهًا
و(آهٍ) بِكَسْرِ الهاءِ مُنَوَّنَةٌ وحُكِيَ أيْضًا آهًا وواهًا، وفِيها لُغاتٌ أُخْرى أوْصَلَها " التّاجُ " إلى اثْنَتَيْنِ وعِشْرِينَ لُغَةً، وكُلُّها كَلِماتٌ تُقالُ عِنْدَ الشِّكايَةِ والتَّوَجُّعِ والتَّحَزُّنِ، مَبْنِيّاتٌ عَلى ما لَزِمَ آخِرُها إلّا (آهًا)، فانْتِصابُها لِإجْرائِها مَجْرى المَصادِرِ، كَأنَّهُ قِيلَ: أتَأسَّفُ تَأسُّفًا.
وقَوْلُهُ تَعالى:
{"ayahs_start":113,"ayahs":["مَا كَانَ لِلنَّبِیِّ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَن یَسۡتَغۡفِرُوا۟ لِلۡمُشۡرِكِینَ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ أُو۟لِی قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡجَحِیمِ","وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَ ٰهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةࣲ وَعَدَهَاۤ إِیَّاهُ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُۥۤ أَنَّهُۥ عَدُوࣱّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَ ٰهِیمَ لَأَوَّ ٰهٌ حَلِیمࣱ"],"ayah":"وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَ ٰهِیمَ لِأَبِیهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةࣲ وَعَدَهَاۤ إِیَّاهُ فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُۥۤ أَنَّهُۥ عَدُوࣱّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَ ٰهِیمَ لَأَوَّ ٰهٌ حَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











