الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ٩ - ١٤ ] ﴿وثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالوادِ﴾ ﴿وفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتادِ﴾ [الفجر: ١٠] ﴿الَّذِينَ طَغَوْا في البِلادِ﴾ [الفجر: ١١] ﴿فَأكْثَرُوا فِيها الفَسادَ﴾ [الفجر: ١٢] ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ﴾ [الفجر: ١٣] ﴿إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ﴾ [الفجر: ١٤] ﴿وثَمُودَ﴾ وهم قَوْمُ صالِحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالوادِ﴾ أيْ: قَطَعُوا صَخْرَ الجِبالِ، واتَّخَذُوا فِيها بُيُوتًا. كَما في قَوْلِهِ: ﴿وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ [الحجر: ٨٢] والباءُ ظَرْفِيَّةٌ. والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ "جابُوا" أوْ هو حالٌ مِنَ الفاعِلِ أوِ المَفْعُولِ. وقُرِئَ بِالياءِ وبِإسْقاطِها، كَما في "يَسْرِ" والوادِي هو وادِي القُرى كانَتْ مَنازِلُهم فِيهِ، كَما قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ. ﴿وفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتادِ﴾ [الفجر: ١٠] أيِ: الجُنُودِ الَّذِينَ يَشُدُّونَ لَهُ أمْرَهُ. أوْ هي أوْتادٌ يَشُدُّ بِها مَن يُعَذِّبُهُ. أوِ القُوى والعَدَدُ والعُدَدُ الَّتِي تَمَّ لَهُ بِها مُلْكُهُ، ورَسَخَ بَطْشُهُ وسُلْطانُهُ، ومِنهُ قَوْلُهم لِمَن تَمَكَّنَ في أرْضٍ ما: ضَرَبَ بِها أوْتادًا. ﴿الَّذِينَ طَغَوْا في البِلادِ﴾ [الفجر: ١١] صِفَةٌ لِلْمَذْكُورِينَ: عادٍ وثَمُودَ وفِرْعَوْنَ، أيْ: تَجاوَزُوا ما وجَبَ عَلَيْهِمْ إلى ما حَظَرَ مِنَ الكُفْرِ بِالحَقِّ والعُتُوِّ والتَّمَرُّدِ والبَغْيِ في بِلادِهِمُ، اغْتِرارًا بِالقُوَّةِ وعِظَمِ السُّلْطانِ. ﴿فَأكْثَرُوا فِيها الفَسادَ﴾ [الفجر: ١٢] أيِ: الضَّرَرَ والإيذاءَ وهَضْمَ الحُقُوقِ. ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ﴾ [الفجر: ١٣] أيْ: أنْزَلَ بِهِمْ عَذابَهُ، وأحَلَّ بِهِمْ نِقْمَتَهُ، بِما طَغَوْا في البِلادِ وأفْسَدُوا فِيها. وقَدْ بَيَّنَ تَعالى إهْلاكَهم مُفَصَّلًا (p-٦١٥١)فِي غَيْرِ ما سُورَةٍ وآيَةٍ. و(السَّوْطُ) إمّا مَصْدَرُ: (ساطَهُ)، أيْ: خَلَطَهُ كَما في قَوْلِ كَعْبٍ: ؎لَكِنَّها خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِن دَمِها فَجْعٌ ووَلْعٌ وإخْلافٌ وتَبْدِيلُ أُرِيدَ بِهِ المَفْعُولُ هُنا أيْ: أنْزَلَ عَلَيْهِمْ ما خَلَطَ لَهم مِن أنْواعِ العَذابِ. قِيلَ: وبِما ذُكِرَ سُمِّيَتِ الآلَةُ المَعْرُوفَةُ، وهو الجِلْدُ المَضْفُورُ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ، لِكَوْنِهِ مَخْلُوطَ الطّاقاتِ بَعْضِها بِبَعْضٍ. وإمّا أنْ يَكُونَ السَّوْطُ الآلَةَ المَعْرُوفَةَ، اسْتُعِيرَتْ لِعَذابٍ أدْوَنَ مِن غَيْرِهِ، وهو ما اخْتارَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ حَيْثُ قالَ: وذُكِرَ السَّوْطُ إشارَةً إلى أنَّ ما أحَلَّهُ بِهِمْ في الدُّنْيا مِنَ العَذابِ العَظِيمِ بِالقِياسِ إلى ما أعَدَّ لَهم في الآخِرَةِ، كالسَّوْطِ إذا قِيسَ إلى سائِرِ ما يُعَذِّبُ بِهِ. وقِيلَ: هو مِن قَبِيلِ: (لُجَيْنِ الماءِ)، أيْ: عَذابًا كالسَّوْطِ في شِدَّتِهِ، وهو ما يَقْتَضِيهِ كَلامُ الطَّبَرِيِّ، حَيْثُ زَعَمَ أنَّ السَّوْطَ مَثَلٌ لِشِدَّةِ العَذابِ. قالَ الشِّهابُ: وأمّا اسْتِعارَةُ الصَّبِّ لِلْعَذابِ فَشائِعَةٌ، كالإذاقَةِ. يُقالُ: صَبَّ عَلَيْهِ السَّوْطَ، وقَنَّعَهُ بِهِ وغَشّاهُ. وهو تَمْثِيلٌ وتَصْوِيرٌ لِحُلُولِهِ أوْ تَتابُعِهِ عَلَيْهِ وتَكَرُّرِهِ. ﴿إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصادِ﴾ [الفجر: ١٤] أيْ: لِهَؤُلاءِ الَّذِينَ قَصَّ نَبَأ هَلاكِهِمْ، ولِضُرَبائِهِمْ مِنَ الكَفَرَةِ بِالحَقِّ والعاثِينَ بِالفَسادِ. و(المِرْصادُ) اسْمُ مَكانٍ لِلَّذِي يَتَرَقَّبُ فِيهِ الرَّصَدُ -جَمْعُ راصِدٍ- أوْ صِيغَةُ مُبالَغَةٍ. كَمِطْعامٍ ومِطْعانٍ. فالياءُ تَجْرِيدِيَّةٌ وفِيهِ اسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ، شَبَّهَ كَوْنَهُ تَعالى حافِظًا لِأعْمالِ العِبادِ، مُتَرَقِّبًا لَها ومُجازِيًا عَلى نَقِيرِها وقِطْمِيرِها بِحَيْثُ لا يَنْجُو مِنهُ أحَدٌ بِحالِ مَن قَعَدَ عَلى الطَّرِيقِ مُتَرَصِّدًا لِمَن يَسْلُكُها، لِيَأْخُذَ فَيُوقِعَ بِهِ ما يُرِيدُ. ثُمَّ أطْلَقَ لَفْظَ أحَدِهِما عَلى الآخَرِ. (p-٦١٥٢)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب