الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١٧ - ٢٠ ] ﴿أفَلا يَنْظُرُونَ إلى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ ﴿وإلى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ [الغاشية: ١٨] ﴿وإلى الجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ [الغاشية: ١٩] ﴿وإلى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية: ٢٠]
(p-٦١٤٠)﴿أفَلا يَنْظُرُونَ إلى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ قالَ أبُو السُّعُودِ: اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِتَقْدِيرِ ما فُصِّلَ مِن حَدِيثِ الغاشِيَةِ وما هو مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ مِنَ البَعْثِ الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلِفُونَ، بِالِاسْتِشْهادِ عَلَيْهِ بِما لا يَسْتَطِيعُونَ إنْكارَهُ. والهَمْزَةُ لِلْإنْكارِ والتَّوْبِيخِ. والفاءُ لِلْعَطْفِ عَلى مُقَدَّرٍ يَقْتَضِيهِ المَقامُ، وكَلِمَةُ "كَيْفَ" مَنصُوبَةٌ بِما بَعْدَها، مُعَلِّقَةٌ لِفِعْلِ النَّظَرِ. والجُمْلَةُ في حَيِّزِ الجَرِّ عَلى أنَّها بَدَلُ اشْتِمالٍ مِنَ "الإبِلِ" أيْ: أيُنْكِرُونَ ما ذُكِرَ مِنَ البَعْثِ وأحْكامِهِ، ويَسْتَبْعِدُونَ وُقُوعَهُ مِن قُدْرَةِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، فَلا يَنْظُرُونَ إلى الإبِلِ الَّتِي هي نُصْبَ أعْيُنِهِمْ يَسْتَعْمِلُونَها كُلَّ حِينٍ، إلى أنَّها كَيْفَ خُلِقَتْ خَلْقًا بَدِيعًا مَعْدُولًا بِهِ عَنْ سُنَنِ خِلْقَةِ سائِرِ أنْواعِ الحَيَواناتِ، في عِظَمِ جُثَّتِها وشِدَّةِ قُوَّتِها وعَجِيبِ هَيْئَتِها اللّائِقَةِ بِتَأتِّي ما يَصْدُرُ عَنْها مِنَ الأفاعِيلِ الشّاقَّةِ، كالنَّوْءِ بِالأوْقارِ الثَّقِيلَةِ وجَرِّ الأثْقالِ الفادِحَةِ إلى الأقْطارِ النّازِحَةِ، وفي صَبْرِها عَلى الجُوعِ والعَطَشِ، حَتّى إنَّ إظْماءَها لَتَبْلُغُ العَشْرَ فَصاعِدًا واكْتِفائِها بِاليَسِيرِ، ورَعْيِها لِكُلِّ ما يَتَيَسَّرُ مِن شَوْكٍ وشَجَرٍ وغَيْرِ ذَلِكَ، مِمّا لا يَكادُ يَرْعاهُ سائِرُ البَهائِمِ، وفي انْقِيادِها مَعَ ذَلِكَ الإنْسانِ في الحَرَكَةِ والسُّكُونِ والبُرُوكِ والنُّهُوضِ، حَيْثُ يَسْتَعْمِلُها في ذَلِكَ كَيْفَما يَشاءُ، ويَقْتادُها كُلُّ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ.
﴿وإلى السَّماءِ﴾ [الغاشية: ١٨] الَّتِي يُشاهِدُونَها كُلَّ لَحْظَةٍ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ ﴿كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ [الغاشية: ١٨] أيْ: رُفِعَتْ كَواكِبُها رَفْعًا سَحِيقَ المَدى، وأمْسَكَ كُلٌّ مِنها في مَدارِهِ إمْساكًا لا يَخْتَلُّ سَيْرُهُ ولا يَفْسُدُ نِظامُهُ.
﴿وإلى الجِبالِ﴾ [الغاشية: ١٩] أيِ: الَّتِي يَنْزِلُونَ في أقْطارِها ﴿كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ [الغاشية: ١٩] أيْ: أُقِيمَتْ مُنْتَصِبَةً لا تَبْرَحُ مَكانَها، حِفْظًا لِلْأرْضِ مِنَ المَيْدانِ.
﴿وإلى الأرْضِ﴾ [الغاشية: ٢٠] أيِ: الَّتِي يَضْرِبُونَ فِيها ويَتَقَلَّبُونَ عَلَيْها ﴿كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية: ٢٠] أيْ: بُسِطَتْ ومُهِّدَتْ، حَسْبَما يَقْتَضِيهِ صَلاحُ أُمُورِ ما عَلَيْها مِنَ الخَلائِقِ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والمَعْنى أفَلا يَنْظُرُونَ إلى هَذِهِ المَخْلُوقاتِ الشّاهِدَةِ عَلى قُدْرَةِ الخالِقِ، حَتّى لا يُنْكِرُوا اقْتِدارَهُ عَلى البَعْثِ، فَيَسْمَعُوا إنْذارَ الرَّسُولِ ﷺ ويُؤْمِنُوا بِهِ ويَسْتَعِدُّوا لِلِقائِهِ.
لَطِيفَةٌ:
ذَكَرَ السَّكاكِيُّ في (المِفْتاحِ) في بَحْثِ الجامِعِ الخَيالِيِّ، أنَّ جَمْعَهُ عَلى مَجْرى الإلْفِ والعادَةِ (p-٦١٤١)بِحَسَبِ ما تَنْعَقِدُ الأسْبابُ في اسْتِيداعِ الصُّوَرِ خِزانَةَ الخَيالِ، وأنَّهُ إذا لَمْ يُوَفِّهِ حَقَّهُ مِنَ التَّيَقُّظِ وأنَّهُ مِن أهْلِ المَدَرِ، أنّى يُسْتَحْلى كَلامُ رَبِّ العِزَّةِ مَعَ أهْلِ الوَبَرِ، حَيْثُ يُبَصِّرُهُمُ الدَّلائِلَ ناسِقًا ذَلِكَ النَّسَقِ ﴿أفَلا يَنْظُرُونَ إلى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ الآياتِ؛ لِبُعْدِ البَعِيرِ عَنْ خَيالِهِ في مَقامِ النَّظَرِ، ثُمَّ لِبُعْدِهِ في خَيالِهِ عَنِ السَّماءِ، وبَعْدَ خَلْقِهِ عَنْ رَفْعِها، وكَذا البَواقِي. لَكِنْ إذا وفّاهُ حَقَّهُ بِتَيَقُّظِهِ لِما عَلَيْهِ تَقَلُّبُهم في حاجاتِهِمْ، جاءَ الِاسْتِحْلاءُ؛ وذَلِكَ إذا نَظَرَ أنَّ أهْلَ الوَبَرِ، إذا كانَ مَطْعَمُهم ومَشْرَبُهم ومَلْبَسُهم مِنَ المَواشِي، كانَتْ عِنايَتُهم مَصْرُوفَةً لا مَحالَةَ إلى أكْثَرِها نَفْعًا وهي الإبِلُ، ثُمَّ إذا كانَ انْتِفاعُهم بِها لا يَتَحَصَّلُ إلّا بِأنْ تَرْعى وتَشْرَبَ، كانَ جُلُّ مَرْمى غَرَضِهِمْ نُزُولَ المَطَرِ، وأهَمُّ مَسارِحِ النَّظَرِ عِنْدَهُمُ السَّماءُ، ثُمَّ إذا كانُوا مُضْطَرِّينَ إلى مَأْوًى يُؤْوِيهِمْ وإلى حِصْنٍ يَتَحَصَّنُونَ فِيهِ، ولا مَأْوى ولا حِصْنَ إلّا الجِبالُ.
؎لَنا جَبَلٌ يَحْتَلُّهُ مَن نُجِيرُهُ مَنِيعٌ يَرُدُّ الطَّرْفَ وهو كَلِيلُ
فَما ظَنُّكَ بِالتِفاتِ خاطِرِهِمْ إلَيْها؟ ثُمَّ إذا تَعَذَّرَ طُولُ مُكْثِهِمْ في مَنزِلٍ -ومَن لِأصْحابِ مَواشٍ بِذاكَ- كانَ عَقْدُ الهِمَّةِ عِنْدَهم بِالتَّنَقُّلِ مِن أرْضٍ إلى سِواها مِن عَزْمِ الأُمُورِ، فَعِنْدَ نَظَرِهِ هَذا، أيُرى البَدَوِيُّ إذا أخَذَ يُفَتِّشُ عَمّا في خِزانَةِ الصُّوَرِ لَهُ، لا يَجِدُ صُورَةَ الإبِلِ حاضِرَةً هُناكَ أوْ لا يَجِدُ صُورَةَ السَّماءِ لَها مُقارَنَةً، أوْ تَعُوزُهُ صُورَةُ الجِبالِ بَعْدَهُما، أوْ لا تَنُصُّ إلَيْهِ صُورَةُ الأرْضِ تَلِيها بَعْدَهُنَّ؟ لا، وإنَّما الحَضَرِيُّ، حَيْثُ لَمْ تَتَآخَذْ عِنْدَهُ تِلْكَ الأُمُورُ، وما جَمَعَ خَيالُهُ تِلْكَ الصُّوَرَ عَلى ذَلِكَ الوَجْهِ وإذا تَلا الآيَةَ قَبْلَ أنْ يَقِفَ عَلى ما ذَكَرْتُ، ظَنَّ النَّسَقَ بِجَهْلِهِ مَعِيبًا لِلْعَيْبِ فِيهِ. انْتَهى.
(p-٦١٤٢)
{"ayahs_start":17,"ayahs":["أَفَلَا یَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَیۡفَ خُلِقَتۡ","وَإِلَى ٱلسَّمَاۤءِ كَیۡفَ رُفِعَتۡ","وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَیۡفَ نُصِبَتۡ","وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَیۡفَ سُطِحَتۡ"],"ayah":"وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَیۡفَ نُصِبَتۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق