الباحث القرآني

(p-٦١٢٠)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الطّارِقِ وهِيَ مَكِّيَّةٌ وآيُها سَبْعَ عَشْرَةَ. رَوى الإمامُ أحْمَدُ: «عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خالِدِ بْنِ أبِي حَبْلٍ العُدْوانِيِّ عَنْ أبِيهِ أنَّهُ أبْصَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ في مَشْرِقِ ثَقِيفٍ وهو قائِمٌ عَلى قَوْسٍ أوْ عَصا، حِينَ أتاهم يَبْتَغِي عِنْدَهُمُ النَّصْرَ. فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ والسَّماءِ والطّارِقِ حَتّى خَتَمَها: قالَ فَوَعَيْتُها في الجاهِلِيَّةِ وأنا مُشْرِكٌ. ثُمَّ قَرَأْتُها في الإسْلامِ. قالَ فَدَعَتْنِي ثَقِيفُ فَقالُوا: ماذا سَمِعْتَ مِن هَذا الرَّجُلِ؟ فَقَرَأْتُها عَلَيْهِمْ. فَقالَ مَن مَعَهم مِن قُرَيْشٍ: نَحْنُ أعْلَمُ بِصاحِبِنا. لَوْ كُنّا نَعْلَمُ ما يَقُولُ حَقًّا لاتَّبَعْناهُ». ورَوى النَّسائِيُّ عَنْ جابِرٍ. قالَ: «صَلّى مُعاذٌ المَغْرِبَ فَقَرَأ البَقَرَةَ أوِ النِّساءَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: أفَتّانٌ أنْتَ يا مُعاذُ ؟ ما كانَ يَكْفِيكَ أنْ تَقْرَأ بِالسَّماءِ والطّارِقِ والشَّمْسِ وضُحاها ونَحْوَ هَذا؟» (p-٦١٢١)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ١- ٤ ] ﴿والسَّماءِ والطّارِقِ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما الطّارِقُ﴾ [الطارق: ٢] ﴿النَّجْمُ الثّاقِبُ﴾ [الطارق: ٣] ﴿إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ﴾ [الطارق: ٤] ﴿والسَّماءِ والطّارِقِ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما الطّارِقُ﴾ [الطارق: ٢] ﴿النَّجْمُ الثّاقِبُ﴾ [الطارق: ٣] أيِ: المُضِيءُ كَأنَّهُ يَثْقُبُ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ ويَنْفُذُ فِيهِ، فَيُبَصَّرُ بِنُورِهِ ويُهْتَدى بِهِ. وسُمِّيَ طارِقًا لِأنَّهُ يَطْرُقُ لَيْلًا أيْ: يَبْدُو فِيهِ. قالَ الشِّهابُ: الطّارِقُ مِنَ (الطَّرْقِ)، وأصْلُ مَعْناهُ الضَّرْبُ بِوَقْعٍ وشِدَّةٍ يُسْمَعُ لَها صَوْتٌ، ومِنهُ المِطْرَقَةُ والطَّرِيقُ؛ لِأنَّ السّابِلَةَ تَطْرُقُها، ثُمَّ صارَ في عُرْفِ اللُّغَةِ اسْمًا لِسالِكِ الطَّرِيقِ، لِتَصَوُّرِ أنَّهُ يَطْرُقُها بِقَدَمِهِ، واشْتُهِرَ فِيهِ حَتّى صارَ حَقِيقَةً. وتَسْمِيَةُ الآتِي لَيْلًا (طارِقًا)؛ لِأنَّهُ في الأكْثَرِ يَجِدُ الأبْوابَ مُغْلَقَةً فَيَطْرُقُها. والتَّعْرِيفُ في "النَّجْمِ" لِلْجِنْسِ. وأصْلُ مَعْنى (الثُّقْبِ) الخَرْقُ؛ فالثّاقِبُ الخارِقُ، ثُمَّ صارَ بِمَعْنى المُضِيءِ، لِتَصَوُّرِ أنَّهُ ثَقَبَ الظَّلامَ أوِ الفَلَكَ. وفي إبْهامِهِ ثُمَّ تَفْسِيرِهِ تَفْخِيمٌ لِشَأْنِهِ وتَنْبِيهٌ عَلى الِاعْتِبارِ والِاسْتِدْلالِ بِهِ. ﴿إنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ﴾ [الطارق: ٤] أيْ: مُهَيْمِنٌ عَلَيْها رَقِيبٌ، وهو اللَّهُ تَعالى، كَما في آيَةِ: ﴿وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا﴾ [الأحزاب: ٥٢] فَيُحْصِي عَلَيْها ما تَكْسِبُ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ، (p-٦١٢٢)وقَدْ قُرِئَ: (لَما) بِالتَّخْفِيفِ، فَـ: (إنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ واسْمُها ضَمِيرُ الشَّأْنِ و"كُلُّ نَفْسٍ" مُبْتَدَأٌ و"عَلَيْها حافِظٌ" خَبَرُهُ. و(ما) صِلَةٌ واللّامُ هي الفارِقَةُ. وقُرِئَ: (لَمّا) بِالتَّشْدِيدِ عَلى أنَّها بِمَعْنى (إلّا) الِاسْتِثْنائِيَّةِ، و"إنْ" نافِيَةٌ والخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أيْ: ما كُلُّ نَفْسٍ كائِنَةٍ في حالٍ مِنَ الأحْوالِ، إلّا في حالِ أنْ يَكُونَ عَلَيْها حافِظٌ ورَقِيبٌ و"كُلُّ" عَلى هَذا مُؤَكِّدَةٌ؛ لِأنَّ "نَفْسٍ" حِينَئِذٍ نَكِرَةٌ في سِياقِ النَّفْيِ، فَتَعُمُّ. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: والقِراءَةُ الَّتِي لا أخْتارُ غَيْرَها في ذَلِكَ التَّخْفِيفِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ هو الكَلامُ المَعْرُوفُ مِن كَلامِ العَرَبِ، وقَدْ أنْكَرَ التَّشْدِيدَ جَماعَةٌ مِن أهْلِ المَعْرِفَةِ بِكَلامِ العَرَبِ، غَيْرَ أنَّ الفَرّاءَ كانَ يَرى أنَّها لُغَةٌ في هُذَيْلٍ، يَجْعَلُونَ (إلّا) مَعَ (إنِ) المُخَفَّفَةِ لَمّا، فَإنْ كانَ صَحِيحًا ما ذَكَرَ الفَرّاءُ فالقِراءَةُ بِها جائِزَةٌ صَحِيحَةٌ، وإنْ كانَ الِاخْتِيارُ مَعَ ذَلِكَ قِراءَةَ التَّخْفِيفِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ هو المَعْرُوفُ مِن كَلامِ العَرَبِ، ولا يَنْبَغِي أنْ يُتْرَكَ الأعْرَفُ إلى الأنْكَرِ. انْتَهى. وقَدْ صَحَّحَ غَيْرُ واحِدٍ ثُبُوتَها، وبِها قَرَأ ابْنُ عامِرٍ وعاصِمٌ وحَمْزَةٌ، واسْتَشْهَدَ ابْنُ هِشامٍ لَها في "المُغْنِي" فَراجِعْهُ. [ انْظُرْ تَفْسِيرَ الآياتِ السّابِقَةِ ]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب