الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ٢٢ - ٢٦ ] ﴿إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ﴾ ﴿عَلى الأرائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ [المطففين: ٢٣] ﴿تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ [المطففين: ٢٤] ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾ [المطففين: ٢٥] ﴿خِتامُهُ مِسْكٌ وفي ذَلِكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ﴾ [المطففين: ٢٦] ولَمّا عَظَّمَ تَعالى كِتابَهم تَأثُّرَهُ بِتَعْظِيمِ مَنزِلَتِهِمْ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ﴾ أيْ: عَظِيمٍ دائِمٍ، وذَلِكَ نَعِيمُهم في الجِنانِ. ﴿عَلى الأرائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ [المطففين: ٢٣] أيْ: عَلى الأسِرَّةِ والمُتَّكَآتِ يَنْظُرُونَ إلى ما أعْطاهُمُ اللَّهُ مِنَ الكَرامَةِ وأفانِينِ النَّعِيمِ. ﴿تَعْرِفُ في وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ [المطففين: ٢٤] أيْ: بَهْجَتَهُ ورَوْنَقَهُ، كَما يُرى عَلى وُجُوهِ المُتَرَفِّهِينَ ماؤُهُ وحُسْنُهُ. ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَحِيقٍ﴾ [المطففين: ٢٥] أيْ: خَمْرٍ، إلّا أنَّهُ خُصَّ بِالخالِصِ الَّذِي لا غِشَّ فِيهِ، كَما قالَ حَسّانُ: ؎يَسْقُونَ مَن ورَدَ البَرِيصَ عَلَيْهِمُ بَرَدى يُصَفَّقُ بِالرَّحِيقِ السَّلْسَلِ (p-٦١٠١)ومِنهُ قَوْلُهُمْ: مِسْكٌ رَحِيقٌ لا غِشَّ فِيهِ، وحَسَبٌ رَحِيقٌ لا شَوْبَ فِيهِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَخْتُومٍ﴾ [المطففين: ٢٥] أيْ: خَتَمَ عَلى أوانِيهِ تَكْرِيمًا لَهُ لِصِيانَتِهِ عَنْ أنْ تَمَسَّهُ الأيْدِي عَلى ما جَرَتْ بِهِ العادَةُ مِن خَتْمِ ما يُكْرَمُ ويُصانُ. ﴿خِتامُهُ مِسْكٌ﴾ [المطففين: ٢٦] قالَ القَفّالُ: أيِ: الَّذِي يُخْتَمُ بِهِ رَأْسُ قارُورَةِ ذَلِكَ الرَّحِيقِ هو المِسْكُ، كالطِّينِ الَّذِي يُخْتَمُ بِهِ رُؤُوسُ القَوارِيرِ فَكَأنَّ ذَلِكَ المِسْكَ رَطْبٌ يَنْطَبِعُ فِيهِ الخاتَمُ. وعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ واللُّغَوِيِّينَ: المَخْتُومُ الَّذِي لَهُ خِتامٌ، أيْ: عاقِبَةٌ، وقَدْ فُسِّرَتْ بِالمِسْكِ، أيْ: مَن شَرِبَهُ كانَ خَتْمُ شُرْبِهِ عَلى رِيحِ المِسْكِ. والقَصْدُ لَذَّةُ المَقْطَعِ بِذَكاءِ الرّائِحَةِ وأرْجِها، عَلى خِلافِ خَمْرِ الدُّنْيا الخَبِيثَةِ الطَّعْمِ والرّائِحَةِ ﴿وفِي ذَلِكَ﴾ [المطففين: ٢٦] أيِ: النَّعِيمِ المُنَوَّهِ بِهِ وما تَلاهُ ﴿فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ﴾ [المطففين: ٢٦] أيْ: فَلْيَرْغَبِ الرّاغِبُونَ بِالِاسْتِباقِ إلى طاعَةِ اللَّهِ تَعالى: قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: التَّنافُسُ أنْ يُنَفِّسَ الرَّجُلُ عَلى الرَّجُلِ بِالشَّيْءِ يَكُونُ لَهُ، ويَتَمَنّى أنْ يَكُونَ لَهُ دُونَهُ، وهو مَأْخُوذٌ مِنَ الشَّيْءِ النَّفِيسِ، وهو الَّذِي تَحْرِصُ عَلَيْهِ نُفُوسُ النّاسِ وتَطْلُبُهُ وتَشْتَهِيهِ، وكَأنَّ مَعْناهُ في ذَلِكَ: فَلْيَجِدَّ النّاسُ فِيهِ وإلَيْهِ، فَلْيَسْتَبِقُوا في طَلَبِهِ ولْتَحْرِصْ عَلَيْهِ نُفُوسُهم. وقالَ الرّازِيُّ: إنَّ مُبالَغَتَهُ تَعالى في التَّرْغِيبِ فِيهِ تَدُلُّ عَلى عُلُوِّ شَأْنِهِ. وفِيهِ إشارَةٌ إلى أنَّ التَّنافُسَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ في مِثْلِ ذَلِكَ النَّعِيمِ العَظِيمِ الدّائِمِ، لا في النَّعِيمِ الَّذِي هو مُكَدَّرٌ سَرِيعُ الفَناءِ. وقَوْلُهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب