الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ٧ - ١١ ] ﴿كَلا إنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفي سِجِّينٍ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما سِجِّينٌ﴾ [المطففين: ٨] ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ [المطففين: ٩] ﴿ويْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المطففين: ١٠] ﴿الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ [المطففين: ١١] "كَلّا" رَدْعٌ عَنِ التَّطْفِيفِ الَّذِي يَقْتَرِفُونَهُ لِغَفْلَتِهِمْ عَنْ يَوْمِ الحِسابِ وضَعْفِ اعْتِقادِهِمْ بِهِ، ﴿إنَّ كِتابَ الفُجّارِ﴾ أيْ: ما كُتِبَ فِيهِ مِن عَمَلِهِمُ السَّيِّئِ وأُحْصِيَ عَلَيْهِمْ. وإيثارُ المَظْهَرِ لِلْإشْعارِ بِوَصْفٍ لَهم ثانٍ، وهو الفُجُورُ، بِخُرُوجِهِمْ عَنْ حَدِّ العَدالَةِ المُتَّفَقِ عَلَيْها الشَّرْعُ والعَقْلُ ﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾ ﴿وما أدْراكَ ما سِجِّينٌ﴾ [المطففين: ٨] ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ [المطففين: ٩] أيْ: مَسْطُورٌ بَيِّنُ الكِتابَةِ. أوْ مُعَلَّمٌ بِرَقْمٍ يُنْبِئُ عَنْ قُبْحِهِ. سُمِّيَ سِجِّينًا -فِعِّيلًا مِنَ السِّجْنِ وهو الحَبْسُ والتَّضْيِيقُ- لِأنَّهُ سَبَبُ الحَبْسِ والتَّضْيِيقِ في جَهَنَّمَ، فَهو بِمَعْنى (فاعِلٌ) في الأصْلِ؛ أوْ لِأنَّهُ مَطْرُوحٌ في أسْفَلِ (p-٦٠٩٥)مَكانٍ مُظْلِمٍ، فَهو بِمَعْنى (مَفْعُولٍ)، كَأنَّهُ مَسْجُونٌ لِما ذُكِرَ. وقِيلَ: هو اسْمُ مَكانٍ، فَيُقَدَّرُ مُضافٌ فِيهِ أوْ فِيما بَعْدَهُ، والتَّقْدِيرُ: ما كِتابُ سِجِّينٍ أوْ مَحَلُّ كِتابٍ مَرْقُومٍ؟ فَحُذِفَ المُضافُ، وقِيلَ: إنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ المَكانِ والكِتابِ. وقالَ الأصْفَهانِيُّ: السَّجِّينُ اسْمٌ لِجَهَنَّمَ بِإزاءِ عِلِّيِّينَ. وزِيدَ لَفْظُهُ تَنْبِيهًا عَلى زِيادَةِ مَعْناهُ. وقِيلَ: هو اسْمٌ لِلْأرْضِ السّابِعَةِ. ثُمَّ قالَ: وقَدْ قِيلَ: إنَّ كُلَّ شَيْءٍ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى بِقَوْلِهِ: "وما أدْراكَ" فَسَّرَهُ، وكُلُّ ما ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: وما يُدْرِيكَ تَرْكُهُ مُبْهَمًا، وفي هَذا المَوْضِعِ ذُكِرَ: "وما أدْراكَ" وكَذا في قَوْلِهِ: ﴿وما أدْراكَ ما عِلِّيُّونَ﴾ [المطففين: ١٩] ثُمَّ فَسَّرَ الكِتابَ، لا السِّجِّينُ والعِلِّيُّونَ. وفي هَذِهِ الطَّبَقَةِ مَوْضِعُها الكُتُبُ الَّتِي يَتْبَعُ هَذا الكِتابَ، لا هَذا. انْتَهى. وقالَ القاشانِيُّ: ﴿لَفِي سِجِّينٍ﴾ في مَرْتَبَةٍ مِنَ الوُجُودِ مَسْجُونٌ أهْلُها في حُبُوسٍ ضَيِّقَةٍ مُظْلِمَةٍ أذِلّاءَ أخِسّاءَ في أسْفَلِ مَراتِبِ الطَّبِيعَةِ ودَرَكاتِها، وهو دِيوانُ أعْمالِ أهْلِ الشَّرِّ؛ ولِذَلِكَ فُسِّرَ بِقَوْلِهِ: ﴿كِتابٌ مَرْقُومٌ﴾ [المطففين: ٩] أيْ: ذَلِكَ المَحَلُّ المَكْتُوبُ فِيهِ أعْمالُهم كِتابٌ مَرْقُومٌ بِرُقُومِ هَيْئاتِ رَذائِلِهِمْ وشُرُورِهِمْ، ﴿ويْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ [المطففين: ١٠] ﴿الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ [المطففين: ١١] أيْ: بِيَوْمِ الحِسابِ والمُجازاةِ، وفِيهِ إشْعارٌ بِأنَّ المُطَفِّفِينَ مِمَّنْ يَتَناوَلُهم هَذا الوَصْفُ؛ لِأنَّ إصْرارَهم عَلى التَّعَدِّي والِاجْتِرامِ يَدُلُّ عَلى عَدَمِ الظَّنِّ بِالبَعْثِ، كَما قالَ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب