الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٢٢ - ٢٥ ] ﴿وما صاحِبُكم بِمَجْنُونٍ﴾ ﴿ولَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ﴾ [التكوير: ٢٣] ﴿وما هو عَلى الغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ [التكوير: ٢٤] ﴿وما هو بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ﴾ [التكوير: ٢٥]
﴿وما صاحِبُكم بِمَجْنُونٍ﴾ أيْ: لَيْسَ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ عَنْ جِنَّةٍ ويَهْذِي هَذَيانَ المَجانِينِ.
(p-٦٠٧٩)بَلْ جاءَ بِالحَقِّ وصَدَّقَ المُرْسَلِينَ، وهَذا نَفْيٌ لِما كانَ يَبْهَتُهُ بِهِ أعْداؤُهُ، ﷺ؛ حَسَدًا ولُؤْمًا.
قالَ الشِّهابُ: وفي قَوْلِهِ ﴿صاحِبُكُمْ﴾ تَكْذِيبٌ لَهم بِألْطَفِ وجْهٍ؛ إذْ هو إيماءٌ إلى أنَّهُ نَشَأ بَيْنَ أظْهُرِكم مِنِ ابْتِداءِ أمْرِهِ إلى الآنِ، فَأنْتُمْ أعْرَفُ بِهِ وبِأنَّهُ أتَمُّ الخَلْقِ عَقْلًا وأرْجَحُهم نُبْلًا وأكْمَلُهم وأصْفاهم ذِهْنًا، فَلا يَسْنُدُ لَهُ الجُنُونُ إلّا مَن هو مُرَكَّبٌ مِنَ الحُمْقِ والجُنُونِ. ولِلَّهِ دَرُّ البُحْتُرِيِّ في قَوْلِهِ:
؎إذا مَحاسِنِيَ اللّاتِي أدِلُّ بِها كانَتْ ذُنُوبِي فَقُلْ لِي كَيْفَ أعْتَذِرُ
﴿ولَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ﴾ [التكوير: ٢٣] أيْ: ولَقَدْ رَأى مُحَمَّدٌ ﷺ جِبْرِيلَ بِالأُفُقِ الأعْلى، المُظْهَرُ لِما يَرى فِيهِ.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: والظّاهِرُ -واللَّهُ أعْلَمُ- أنَّ هَذِهِ السُّورَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ لَيْلَةِ الإسْراءِ لِأنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيها إلّا هَذِهِ الرُّؤْيَةَ وهي الأُولى، وأمّا الثّانِيَةُ وهي المَذْكُورَةُ في قَوْلِهِ تَعالى:
﴿ولَقَدْ رَآهُ نَـزْلَةً أُخْرى﴾ [النجم: ١٣] ﴿عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهى﴾ [النجم: ١٤] ﴿عِنْدَها جَنَّةُ المَأْوى﴾ [النجم: ١٥] فَتِلْكَ إنَّما ذُكِرَتْ في سُورَةِ النَّجْمِ، وقَدْ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الإسْراءِ.
والقَصْدُ مِن بَيانِ رُؤْيَتِهِ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِما السَّلامُ مُتَمَثِّلًا لَهُ، هو التَّحْقِيقُ المُوحِي بِهِ، وأنَّ أمْرَهُ مَبْنِيٌّ عَلى مُشاهَدَةٍ وعِيانٍ، لا عَلى ظَنٍّ وحُسْبانٍ، وما سَبِيلُهُ كَذَلِكَ فَلا مَدْخَلَ لِلرَّيْبِ فِيهِ.
﴿وما هو عَلى الغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ [التكوير: ٢٤] أيْ: بِبَخِيلٍ.
قالَ مُجاهِدٌ: ما يَضِنُّ عَلَيْكم بِما يَعْلَمُ، أيْ: لا يَبْخَلُ بِالتَّعْلِيمِ والتَّبْلِيغِ. وقالَ الفَرّاءُ: (p-٦٠٨٠)يَأْتِيهِ غَيْبُ السَّماءِ، وهو شَيْءٌ نَفِيسٌ، فَلا يَبْخَلُ بِهِ عَلَيْكم. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: المَعْنى أنَّهُ يُخْبِرُ بِالغَيْبِ فَيُبَيِّنُهُ ولا يَكْتُمُهُ، كَما يَكْتُمُ الكاهِنُ ذَلِكَ ويَمْتَنِعُ مِن إعْلامِهِ حَتّى يَأْخُذَ عَلَيْهِ حُلْوانًا. وقُرِئَ: "بِظَنِينٍ" بِالظّاءِ، أيْ: ما هو بِمُتَّهَمٍ عَلى ما يُخْبِرُ بِهِ مِنَ الغَيْبِ.
قالَ القاشانِيُّ: لِامْتِناعِ اسْتِيلاءِ شَيْطانِ الوَهْمِ وجِنِّ التَّخَيُّلِ عَلَيْهِ، فَيُخْلَطُ كَلامُهُ ويَمْتَزِجُ المَعْنى القُدْسِيُّ بِالوَهْمِيِّ والخَيالِيِّ؛ لِأنَّ عَقْلَهُ صُفِّيَ عَنْ شَوْبِ الوَهْمِ. والمَعْنى أنَّهُ صادِقٌ فِيما يُخْبِرُ بِهِ مِنَ الوَحْيِ واليَوْمِ الآخِرِ والجَزاءِ، لَيْسَ مِن شَأْنِهِ أنْ يُتَّهَمَ فِيهِ، كَما قالَ هِرَقْلُ لِأبِي سُفْيانَ: وسَألْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ ما قالَ فَزَعَمْتَ أنْ لا؛ فَعَرَفْتُ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الكَذِبَ عَلى النّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلى اللَّهِ.
تَنْبِيهٌ:
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وأوْلى القِراءَتَيْنِ في ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوابِ، ما عَلَيْهِ خُطُوطُ مَصاحِفِ المُسْلِمِينَ مُتَّفِقَةً وإنِ اخْتَلَفَتْ قِراءَتُهم بِهِ، وذَلِكَ ﴿بِضَنِينٍ﴾ [التكوير: ٢٤] بِالضّادِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَذَلِكَ في خُطُوطِها. فَأوْلى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوابِ في ذَلِكَ، تَأْوِيلُ مَن تَأوَّلَهُ: وما مُحَمَّدٌ -عَلى ما عَلَّمَهُ اللَّهُ مِن وحْيِهِ وتَنْزِيلِهِ- بِبَخِيلٍ بِتَعْلِيمِكُمُوهُ أيُّها النّاسُ، بَلْ هو حَرِيصٌ عَلى أنْ تُؤْمِنُوا بِهِ وتَتَعَلَّمُوهُ. انْتَهى. واخْتارَ أبُو عُبَيْدَةَ القِراءَةَ بِالظّاءِ لِوَجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ الكُفّارَ لَمْ يُبَخِّلُوهُ، وإنَّما اتَّهَمُوهُ، فَنَفْيُ التُّهْمَةِ أوْلى مِن نَفْيِ البُخْلِ.
وثانِيهُما: قَوْلُهُ:
﴿عَلى الغَيْبِ﴾ [التكوير: ٢٤] ولَوْ كانَ المُرادُ البُخْلَ لَقالَ: (بِالغَيْبِ)؛ لِأنَّهُ يُقالُ: فُلانٌ ضَنِينٌ بِكَذا، وقَلَّما يُقالُ: عَلى كَذا.
وقالَ الشِّهابُ: قالَ في (النَّشْرِ): هو بِالضّادِ في جَمِيعِ المَصاحِفِ، ولا يُنافِي هَذا قَوْلَ أبِي عُبَيْدَةَ، أنَّ الضّادَ والظّاءَ في الخَطِّ القَدِيمِ لا يَخْتَلِفانِ إلّا بِزِيادَةِ رَأْسِ إحْداهُما عَلى الأُخْرى، (p-٦٠٨١)زِيادَةً يَسِيرَةً، قَدْ تُشْتَبَهُ. وهو كَما قالَ. ويَعْرِفُهُ مَن قَرَأ الخَطَّ المُسْنَدَ. ولَيْسَ فِيهِ اتِّهامٌ لِنَقَلَةِ المَصاحِفِ كَما تَوَهَّمَ؛ لِأنَّ ما نَقَلُوهُ مُوافِقٌ لِلْقِراءَةِ المُتَواتِرَةِ. ولا بُدَّ مِمّا ذَكَرَهُ أبُو عُبَيْدَةَ، لِأنَّهُمُ اشْتَرَطُوا في القِراءاتِ مُوافَقَةَ الرَّسْمِ العُثْمانِيِّ، ولَوْلاهُ كانَتْ قِراءَةُ الظّاءِ مُخالِفَةً لَهُ. انْتَهى.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وكِلْتا القِراءَتَيْنِ مُتَواتِرَةٌ ومَعْناها صَحِيحٌ كَما تَقَدَّمَ.
﴿وما هو بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ﴾ [التكوير: ٢٥] أيْ: مِن إلْقاءِ الشَّيْطانِ المَطْرُودِ عَنْ بُلُوغِ هَذا المَقامِ، وهو نَفْيٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّهُ كِهانَةٌ.
{"ayahs_start":22,"ayahs":["وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجۡنُونࣲ","وَلَقَدۡ رَءَاهُ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡمُبِینِ","وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَیۡبِ بِضَنِینࣲ","وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَیۡطَـٰنࣲ رَّجِیمࣲ"],"ayah":"وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجۡنُونࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











