الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ١٥ - ٢١ ] ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ﴾ ﴿الجَوارِ الكُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٦] ﴿واللَّيْلِ إذا عَسْعَسَ﴾ [التكوير: ١٧] ﴿والصُّبْحِ إذا تَنَفَّسَ﴾ [التكوير: ١٨] ﴿إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [التكوير: ١٩] ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ﴾ [التكوير: ٢٠] ﴿مُطاعٍ ثَمَّ أمِينٍ﴾ [التكوير: ٢١] ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ﴾ أيِ: الرَّواجِعِ مِنَ النُّجُومِ، مِن خَنَسَ إذا رَجَعَ وتَأخَّرَ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بَيْنا تَرى النَّجْمَ في آخِرِ البُرْجِ، إذْ كَرَّ راجِعًا إلى أوَّلِهِ. ﴿الجَوارِ﴾ [التكوير: ١٦] جَمْعُ جارِيَةٍ، مِنَ الجَرْيِ ﴿الكُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٦] أيِ: الغُيَّبِ الَّتِي تَدْخُلُ في بُرُوجِها، في رَأْيِ العَيْنِ، مِن: كَنَسَ الوَحْشُ إذا دَخَلَ كِناسَهُ وهو بَيْتُهُ المُتَّخَذُ مِن أغْصانِ الشَّجَرِ، فَهو في الأصْلِ مَجازٌ بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ، ثُمَّ صارَ بِالغَلَبَةِ في الِاسْتِعْمالِ حَقِيقَةً. ﴿واللَّيْلِ إذا عَسْعَسَ﴾ [التكوير: ١٧] أيْ: أدْبَرَ ولَمْ يَبْقَ إلّا اليَسِيرُ، وذَلِكَ وقْتُ السَّحَرِ. ﴿والصُّبْحِ إذا تَنَفَّسَ﴾ [التكوير: ١٨] أيْ: أقْبَلَ وتَبَيَّنَ، أوْ هَبَّ نَسِيمُهُ اللَّطِيفُ أوِ انْجابَتْ عَنْهُ غُمَّةُ اللَّيْلِ وكُرْبَتُهُ؛ تَشْبِيهًا بِمَن نَفَّسَ عَنْهُ كَرْبَهُ. قالَ الإمامُ: أقْسَمَ اللَّهُ تَعالى (p-٦٠٧٨)بِهَذِهِ الدَّرارِيِّ لِيُنَوِّهَ بِشَأْنِها مِن جِهَةِ ما في حَرَكاتِها مِنَ الدَّلائِلِ عَلى قُدْرَةِ مُصَرِّفِها ومُقَدِّرِها؛ وإرْشادِ تِلْكَ الحَرَكاتِ إلى ما في كَوْنِها مِن بَدِيعِ الصُّنْعِ وإحْكامِ النِّظامِ، مَعَ نَعْتِها في القَسَمِ بِما يُبْعِدُها عَنْ مَراتِبِ الأُلُوهِيَّةِ مِنَ الخُنُوسِ والكُنُوسِ؛ تَقْرِيعًا لِمَن خَصَّها بِالعِبادَةِ واتَّخَذَها مِن دُونِهِ أرْبابًا. وفي اللَّيْلِ إذا أدْبَرَ زَوالُ تِلْكَ الغُمَّةِ الَّتِي تَغْمُرُ الأحْياءَ بِانْسِدالِ الظُّلْمَةِ بَعْدَ ما اسْتَعادَتِ الأبْدانُ نَشاطَها وانْتَعَشَتْ مِن فُتُورِها. وفي الصُّبْحِ إذا تَنَفَّسَ بُشْرى الأنْفُسِ بِالحَياةِ الجَدِيدَةِ في النَّهارِ الجَدِيدِ، تَنْطَلِقُ فِيهِ الإراداتُ إلى تَحْصِيلِ الرَّغَباتِ وسَدِّ الحاجاتِ والِاسْتِدْراكِ والِاسْتِعْدادِ لِما هو آتٍ. انْتَهى. وجَوابُ القَسَمِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [التكوير: ١٩] يَعْنِي رُوحَ القُدُسِ الَّذِي يَنْفُثُ في رُوعِهِ ﷺ وهو جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ. والضَّمِيرُ إمّا لِلْبَعْثِ والجَزاءِ، المَفْهُومُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أحْضَرَتْ﴾ [التكوير: ١٤] أوْ لِلْمَذْكُورِ وهو هَذا أوْ لِلْقُرْآنِ، "ذِي قُوَّةٍ" أيْ: عَلى تَحَمُّلِ أعْباءِ الرِّسالَةِ، وعَلى كُلِّ ما يُؤْمَرُ بِهِ، كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿شَدِيدُ القُوى﴾ [النجم: ٥] ﴿عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ﴾ [التكوير: ٢٠] أيْ: صاحِبِ مَكانَةٍ وشَرَفٍ ومَنزِلَةٍ لَدَيْهِ تَعالى. ﴿مُطاعٍ ثَمَّ﴾ [التكوير: ٢١] أيْ: في المَلَأِ الأعْلى ﴿أمِينٍ﴾ [التكوير: ٢١] أيْ: عَلى وحْيِهِ تَعالى ورِسالَتِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب