الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٢٢ - ٣٢ ] ﴿ثُمَّ إذا شاءَ أنْشَرَهُ﴾ ﴿كَلا لَمّا يَقْضِ ما أمَرَهُ﴾ [عبس: ٢٣] ﴿فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ﴾ [عبس: ٢٤] ﴿أنّا صَبَبْنا الماءَ صَبًّا﴾ [عبس: ٢٥] ﴿ثُمَّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقًّا﴾ [عبس: ٢٦] ﴿فَأنْبَتْنا فِيها حَبًّا﴾ [عبس: ٢٧] ﴿وعِنَبًا وقَضْبًا﴾ [عبس: ٢٨] ﴿وزَيْتُونًا ونَخْلا﴾ [عبس: ٢٩] ﴿وحَدائِقَ غُلْبًا﴾ [عبس: ٣٠] (p-٦٠٦٤)﴿وفاكِهَةً وأبًّا﴾ [عبس: ٣١] ﴿مَتاعًا لَكم ولأنْعامِكُمْ﴾ [عبس: ٣٢]
﴿ثُمَّ إذا شاءَ أنْشَرَهُ﴾ أيْ: بَعَثَهُ بَعْدَ مَماتِهِ وأحْياهُ؛ وإنَّما قالَ: "إذا شاءَ" لِأنَّ وقْتَ البَعْثِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِأحَدٍ، فَهو مَوْكُولٌ إلى مَشِيئَتِهِ تَعالى، مَتى شاءَ أنْ يُحْيِيَ الخَلْقَ أحْياهم.
قالَ الشِّهابُ: وتَخْصِيصُ النُّشُورِ بِهِ دُونَ الإماتَةِ والإقْبارِ، لِأنَّ وقْتَهُما مُعَيَّنٌ إجْمالًا، عَلى ما هو المَعْهُودُ في الأعْمارِ الطَّبِيعِيَّةِ.
﴿كَلا لَمّا يَقْضِ ما أمَرَهُ﴾ [عبس: ٢٣] قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أيْ: لَيْسَ الأمْرُ كَما يَقُولُ الإنْسانُ الكافِرُ، مِن أنَّهُ قَدْ أدّى حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ في نَفْسِهِ ومالِهِ، فَإنَّهُ لَمّا يُؤَدِّ ما فَرَضَ عَلَيْهِ مِنَ الفَرائِضِ رَبُّهُ.
وقالَ القاشانِيُّ: لَمّا بَيَّنَ أنَّ القُرْآنَ تَذْكِرَةٌ لِلْمُتَذَكِّرِينَ تَعَجَّبَ مِن كُفْرانِ الإنْسانِ واحْتِجابِهِ حَتّى يَحْتاجَ إلى التَّذْكِيرِ. وعَدَّدَ النِّعَمَ الظّاهِرَةَ الَّتِي يُمْكِنُ بِها الِاسْتِدْلالُ عَلى المُنْعِمِ بِالحِسِّ، مِن مَبادِئِ خِلْقَتِهِ، وأحْوالِهِ في نَفْسِهِ، وما هو خارِجٌ عَنْهُ مِمّا لا يُمْكِنُ حَياتُهُ إلّا بِهِ. وقَرَّرَ أنَّهُ مَعَ اجْتِماعِ الدَّلِيلَيْنِ، أيِ: النَّظَرُ في هَذِهِ الأحْوالِ المُوجِبُ لِمَعْرِفَةِ المُوجِدِ المُنْعِمِ والقِيامُ بِشُكْرِهِ، وسَماعُ الوَعْظِ والتَّذْكِيرِ بِنُزُولِ القُرْآنِ، لَمّا يَقْضِ في الزَّمانِ المُتَطاوِلِ ما أمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِن شُكْرِ نِعْمَتِهِ، بِاسْتِعْمالِها في إخْراجِ كَمالِهِ إلى الفِعْلِ، والتَّوَصُّلِ بِها إلى المُنْعِمِ، بَلِ احْتَجَبَ بِها وبِنَفْسِهِ عَنْهُ. انْتَهى.
ولَمّا فَصَّلَ تَعالى النِّعَمَ المُتَعَلِّقَةَ بِحُدُوثِهِ، تَأثُّرَها بِتَعْدادِ النِّعَمِ المُتَعَلِّقَةِ بِبَقائِهِ.
فَقالَ سُبْحانَهُ: ﴿فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ﴾ [عبس: ٢٤] أيْ: فَإنْ لَمْ يَشْهَدْ خَلْقَ ذاتِهِ، وعَمِيَ عَنِ الآياتِ في نَفْسِهِ، وأصَرَّ عَلى جُحُودِهِ تَوْحِيدَ رَبِّهِ، فَلْيَنْظُرْ إلى طَعامِهِ ومَأْكَلِهِ الَّذِي هو أقْرَبُ الأشْياءِ لَدَيْهِ. ماذا صَنَعْنا في إحْدائِهِ وتَهْيِئَتِهِ لِأنْ يَكُونَ غِذاءً صالِحًا.
وقَوْلُهُ تَعالى:
﴿أنّا صَبَبْنا الماءَ﴾ [عبس: ٢٥] أيْ: مِنَ (p-٦٠٦٥)المُزْنِ ﴿صَبًّا﴾ [عبس: ٢٥] أيْ: شَدِيدًا ظاهِرًا. وقَدْ قُرِئَ بِكَسْرِ هَمْزَةِ (إنّا)، عَلى الِاسْتِئْنافِ المُبَيِّنِ لِكَيْفِيَّةِ حُدُوثِ الطَّعامِ، وبِالفَتْحِ عَلى البَدَلِيَّةِ، بَدَلَ اشْتِمالٍ، بِمَعْنى سَبَبِيَّةِ الأوَّلِ لِلثّانِي أوْ تَقُومُ الثّانِي بِالأوَّلِ. فَهو مِنِ اشْتِمالِ الثّانِي عَلَيْهِ أوْ بَدَلَ كُلٍّ، ادِّعاءً.
﴿ثُمَّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقًّا﴾ [عبس: ٢٦] أيْ: صَدَعْناها بِالنَّباتِ، أوْ شَقَقْنا أجْزاءَها بَعْدَ الرَّيِّ لِيَتَخَلَّلَ الهَواءُ والضَّباءُ في جَوْفِها.
﴿فَأنْبَتْنا فِيها حَبًّا﴾ [عبس: ٢٧] يَعْنِي حَبَّ الزَّرْعِ، وهو كُلُّ ما حُصِدَ مِن نَحْوِ الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ وغَيْرِهِما مِنَ الحُبُوبِ.
﴿وعِنَبًا وقَضْبًا﴾ [عبس: ٢٨] وهو كُلُّ ما أُكِلَ مِنَ النَّباتِ رَطْبًا، كالقِثّاءِ والخِيارِ ونَحْوِهِما. سُمِّيَ قَضْبًا لِأنَّهُ يُقْضَبُ، أيْ: يُقْطَعُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرى.
﴿وزَيْتُونًا ونَخْلا﴾ [عبس: ٢٩] ﴿وحَدائِقَ﴾ [عبس: ٣٠] جَمْعُ حَدِيقَةٍ وهي البَساتِينُ ذَواتُ الأشْجارِ المُثْمِرَةِ، عَلَيْها حَوائِطُ تُحِيطُ بِها ﴿غُلْبًا﴾ [عبس: ٣٠] جَمْعُ غَلْباءَ، أيْ: ضَخْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وعِظَمُها إمّا لِاتِّساعِها البالِغِ حَدَّ البَصَرِ، أوْ لِغِلَظِ أشْجارِها وتَكاثُفِها والتِفافِها.
﴿وفاكِهَةً﴾ [عبس: ٣١] أيْ: ما يُؤْكَلُ مِن ثِمارِ الأشْجارِ ﴿وأبًّا﴾ [عبس: ٣١] وهو المَرْعى الَّذِي تَأْكُلُهُ البَهائِمُ مِنَ العُشْبِ والنَّباتِ.
﴿مَتاعًا لَكم ولأنْعامِكُمْ﴾ [عبس: ٣٢] أيْ: تَمْتِيعًا. مَفْعُولٌ لَهُ لِـ: أنْبَتْنا، أوْ مَصْدَرٌ حُذِفَ فِعْلُهُ وجُرِّدَ مِنَ الزَّوائِدِ، أيْ: مَتَّعَكم بِذَلِكَ مَتاعًا، وجَعَلَكم تَنْتَفِعُونَ بِهِ أنْتُمْ وأنْعامُكم.
{"ayahs_start":22,"ayahs":["ثُمَّ إِذَا شَاۤءَ أَنشَرَهُۥ","كَلَّا لَمَّا یَقۡضِ مَاۤ أَمَرَهُۥ","فَلۡیَنظُرِ ٱلۡإِنسَـٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦۤ","أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَاۤءَ صَبࣰّا","ثُمَّ شَقَقۡنَا ٱلۡأَرۡضَ شَقࣰّا","فَأَنۢبَتۡنَا فِیهَا حَبࣰّا","وَعِنَبࣰا وَقَضۡبࣰا","وَزَیۡتُونࣰا وَنَخۡلࣰا","وَحَدَاۤىِٕقَ غُلۡبࣰا","وَفَـٰكِهَةࣰ وَأَبࣰّا","مَّتَـٰعࣰا لَّكُمۡ وَلِأَنۡعَـٰمِكُمۡ"],"ayah":"فَلۡیَنظُرِ ٱلۡإِنسَـٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦۤ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق