الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١١ - ١٧ ] ﴿كَلا إنَّها تَذْكِرَةٌ﴾ ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ [عبس: ١٢] ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ﴾ [عبس: ١٣] (p-٦٠٦٠)﴿مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ﴾ [عبس: ١٤] ﴿بِأيْدِي سَفَرَةٍ﴾ [عبس: ١٥] ﴿كِرامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عبس: ١٦] ﴿قُتِلَ الإنْسانُ ما أكْفَرَهُ﴾ [عبس: ١٧]
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: "كَلّا" رَدْعٌ عَنِ المُعاتَبِ عَلَيْهِ وعَنْ مُعاوَدَةِ مِثْلِهِ. قالَ أنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ««كانَ النَّبِيُّ ﷺ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْرِمُهُ»» رَواهُ أبُو يَعْلى. وقَوْلُهُ تَعالى "إنَّها تَذْكِرَةٌ" أيْ: أنَّ المُعاتَبَةَ المَذْكُورَةَ مَوْعِظَةٌ يَجِبُ الِاتِّعاظُ بِها والعَمَلُ بِمُوجِبِها.
قالَ الشِّهابُ: وكَوْنُ عِتابِهِ عَلى ما ذَكَرَ عِظَةً؛ لِأنَّهُ مَعَ عَظَمَةِ شَأْنِهِ ومَنزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ إذا عُوتِبَ عَلى مِثْلِهِ. فَما بالُكَ بِغَيْرِهِ؟ وجَوَّزَ عَوْدَ الضَّمِيرِ لِلْآياتِ ولِلسُّورَةِ، والوَصِيَّةِ بِالمُساواةِ بَيْنَ النّاسِ، ولِدَعْوَةِ الإسْلامِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ﴾ [عبس: ١٢] أيْ: حَفِظَهُ. عَلى أنَّهُ مِنَ (الذِّكْرِ) خِلافَ النِّسْيانِ: أوِ اتَّعَظَ بِهِ، مِنَ: (التَّذْكِيرِ).
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وذَكَّرَ الضَّمِيرَ لِأنَّ التَّذْكِرَةَ في مَعْنى الذِّكْرِ والوَعْظِ. وقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلْقُرْآنِ، والكَلامُ اسْتِطْرادٌ.
﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ﴾ [عبس: ١٣] يَعْنِي صُحُفَ آياتِ التَّنْزِيلِ وسُوَرِهِ.
﴿مَرْفُوعَةٍ﴾ [عبس: ١٤] أيْ: عالِيَةِ المِقْدارِ ﴿مُطَهَّرَةٍ﴾ [عبس: ١٤] مِنَ التَّغْيِيرِ والنَّقْصِ والضَّلالَةِ.
﴿بِأيْدِي سَفَرَةٍ﴾ [عبس: ١٥] جَمْعُ سافِرٍ بِمَعْنى سَفِيرٍ. أوْ هو الَّذِي سَعى بَيْنَ قَوْمِهِ بِالصُّلْحِ والسَّلامِ. يُقالُ: سَفَرَ بَيْنَ القَوْمِ، إذا أصْلَحَ بَيْنَهُمْ، ومِنهُ قَوْلُهُ:
؎وما أدَعُ السِّفارَةَ بَيْنَ قَوْمِي وما أمْشِي بِغِشٍّ إنْ مَشَيْتُ
(p-٦٠٦١)والسَّفَرَةُ، إمّا المَلائِكَةُ لِأنَّهم يُسَفِّرُونَ بِالوَحْيِ بَيْنَ اللَّهِ تَعالى ورُسُلِهِ، كَأنَّهُ مَحْمُولٌ بِأيْدِيهِمْ، وإمّا الأنْبِياءُ لِأنَّهم وسائِطُ في الوَحْيِ يُبَلِّغُونَهُ لِلنّاسِ.
﴿كِرامٍ﴾ [عبس: ١٦] أيْ: عِنْدَهُ تَعالى لِاصْطِفائِهِمْ لِلرِّسالَةِ ﴿بَرَرَةٍ﴾ [عبس: ١٦] أيْ: أخْيارٍ، جَمْعُ: (بارٍّ)، وهو صانِعُ البِرِّ والخَيْرِ.
﴿قُتِلَ الإنْسانُ ما أكْفَرَهُ﴾ [عبس: ١٧] قالَ الرّازِيُّ: اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا بَدَأ بِذِكْرِ القِصَّةِ المُشْتَمِلَةِ عَلى تَرَفُّعِ صَنادِيدِ قُرَيْشٍ عَلى فُقَراءِ المُسْلِمِينَ، عَجَّبَ عِبادَهُ المُؤْمِنِينَ مِن ذَلِكَ، فَكَأنَّهُ قِيلَ: وأيُّ سَبَبٍ في هَذا العَجَبِ والتَّرَفُّعِ؟ مَعَ أنَّ أوَّلَهُ نُطْفَةٌ قَذِرَةٌ وآخِرَهُ جِيفَةٌ مَذِرَةٌ وفِيما بَيْنَ الوَقْتَيْنِ حَمّالُ عَذِرَةٍ؛ فَلا جَرَمَ ذَكَرَ تَعالى ما يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ عِلاجًا لِعَجَبِهِمْ، وما يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ عِلاجًا لِكُفْرِهِمْ؛ فَإنَّ خَلْقَ الإنْسانِ تَصْلُحُ لِأنْ يُسْتَدَلَّ بِها عَلى وُجُودِ الصّانِعِ وعَلى القَوْلِ بِالبَعْثِ والحَشْرِ والنَّشْرِ، ومَرْجِعُهُ إلى أنَّ المُرادَ بِالإنْسانِ مَنِ اسْتَغْنى عَنِ القُرْآنِ الكَرِيمِ الَّذِي ذُكِرَتْ نُعُوتُهُ الجَلِيلَةُ المُوجِبَةُ لِلْإقْبالِ عَلَيْهِ والإيمانِ بِهِ. وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِالإنْسانِ الجِنْسُ المُنْتَظِمُ لِلْمُسْتَغْنِي، ولِأمْثالِهِ مِن أفْرادِهِ، لا بِاعْتِبارِ جَمِيعِ أفْرادِهِ.
لَطائِفُ:
الأُولى: قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:
﴿قُتِلَ الإنْسانُ﴾ [عبس: ١٧] دُعاءٌ عَلَيْهِ وهي مِن أشْنَعِ دَعَواتِهِمْ؛ لِأنَّ القَتْلَ قُصارى شَدائِدِ الدُّنْيا وفَظائِعِها.
الثّانِيَةُ: قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: في قَوْلِهِ: ﴿ما أكْفَرَهُ﴾ [عبس: ١٧] وجْهانِ: أحَدُهُما التَّعَجُّبُ مِن كُفْرِهِ مَعَ إحْسانِ اللَّهِ إلَيْهِ وأيادِيهِ عِنْدَهُ. والآخَرُ ما الَّذِي أكْفَرَهُ، أيْ: أيُّ شَيْءٍ أكْفَرَهُ؟ وعَلى الثّانِيَةِ فالهَمْزَةُ لِلتَّبْصِيرِ كَأغَدَّ البَعِيرُ.
الثّالِثَةُ: قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في هَذِهِ الآيَةِ: ولا تَرى أُسْلُوبًا أغْلَظَ مِنهُ ولا أخْشَنَ مَتْنًا ولا أدَلَّ عَلى سُخْطٍ ولا أبْعَدَ شَوْطًا في المَذَمَّةِ، مَعَ تَقارُبِ طَرَفَيْهِ، ولا أجْمَعَ لِلْأئِمَّةِ، عَلى قِصَرِ مَتْنِهِ؛ وسِرُّهُ ما أشارَ لَهُ الرّازِيُّ مِن أنَّ قَوْلَهُ:
﴿قُتِلَ الإنْسانُ﴾ [عبس: ١٧] تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا أعْظَمَ أنْواعِ العِقابِ. وقَوْلُهُ: ﴿ما أكْفَرَهُ﴾ [عبس: ١٧] تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُمُ اتَّصَفُوا بِأعْظَمِ أنْواعِ القَبائِحِ والمُنْكِراتِ.
(p-٦٠٦٢)الرّابِعَةُ: أفادَ في (الكَشْفِ) أنَّ الدُّعاءَ لَيْسَ عَلى حَقِيقَتِهِ، لِامْتِناعِهِ مِنهُ تَعالى، لِأنَّ مَنشَأهُ العَجْزُ، فالمُرادُ بِهِ إظْهارُ السُّخْطِ بِاعْتِبارِ جُزْئِهِ الأوَّلِ، وشَدَّةُ الذَّمِّ بِاعْتِبارِ جُزْئِهِ الثّانِي، أيْ: لِاسْتِحالَةِ التَّعَجُّبِ بِمَعْناهُ المَعْرُوفِ أيْضًا.
{"ayahs_start":11,"ayahs":["كَلَّاۤ إِنَّهَا تَذۡكِرَةࣱ","فَمَن شَاۤءَ ذَكَرَهُۥ","فِی صُحُفࣲ مُّكَرَّمَةࣲ","مَّرۡفُوعَةࣲ مُّطَهَّرَةِۭ","بِأَیۡدِی سَفَرَةࣲ","كِرَامِۭ بَرَرَةࣲ","قُتِلَ ٱلۡإِنسَـٰنُ مَاۤ أَكۡفَرَهُۥ"],"ayah":"قُتِلَ ٱلۡإِنسَـٰنُ مَاۤ أَكۡفَرَهُۥ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق