الباحث القرآني
(p-٣٠٢٨)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٦٣ ] ﴿وألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أنْفَقْتَ ما في الأرْضِ جَمِيعًا ما ألَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولَكِنَّ اللَّهَ ألَّفَ بَيْنَهم إنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ .
﴿وألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ أيْ: جَمَعَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وكَلِمَتِهِمْ، بِالهُدى الَّذِي بَعَثَكَ اللَّهُ بِهِ إلَيْهِمْ، بَعْدَ ما كانَ فِيها العَصَبِيَّةُ والضَّغِينَةُ ﴿لَوْ أنْفَقْتَ ما في الأرْضِ جَمِيعًا﴾ أيْ: مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ ﴿ما ألَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ إذْ لا يَدْخُلُ ذَلِكَ تَحْتَ قُدْرَةِ البَشَرِ، لِكَوْنِهِ مِن عالَمِ الغَيْبِ ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ ألَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ أيْ: بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بِدِينِهِ الَّذِي جَمَعَهم إلَيْهِ، ﴿إنَّهُ عَزِيزٌ﴾ أيْ: غالِبٌ في مُلْكِهِ وسُلْطانِهِ عَلى كُلِّ ظاهِرٍ وباطِنٍ ﴿حَكِيمٌ﴾ أيْ: فاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ ذَلِكَ، لِما فِيهِ مِن تَأْيِيدِ دِينِهِ، وإعْلاءِ كَلِمَتِهِ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى ـ: التَّأْلِيفُ بَيْنَ قُلُوبِ مَن بُعِثَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، مِنَ الآياتِ الباهِرَةِ، لِأنَّ العَرَبَ لِما فِيهِمْ مِنَ الحَمِيَّةِ والعَصَبِيَّةِ والِانْطِواءِ عَلى الضَّغِينَةِ في أدْنى شَيْءٍ، وإلْقائِهِ بَيْنَ أعْيُنِهِمْ، وإلى أنْ يَنْتَقِمُوا، لا يَكادُ يَأْتَلِفُ مِنهم قَلْبانِ، ثُمَّ ائْتَلَفَتْ قُلُوبُهم عَلى اتِّباعِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، واتَّحَدُوا وأنْشَأُوا يَرْمُونَ عَنْ قَوْسٍ واحِدَةٍ، وذَلِكَ لِما نَظَّمَ اللَّهُ مِن أُلْفَتِهِمْ، وجَمَعَ مِن كَلِمَتِهِمْ، وأحْدَثَ بَيْنَهم مِنَ التَّحابِّ والتَّوادِّ، وأماطَ عَنْهم مِنَ التَّباغُضِ والتَّماقُتِ، وكَلَّفَهم مِنَ الحُبِّ في اللَّهِ والبُغْضِ في اللَّهِ، ولا يَقْدِرُ عَلى ذَلِكَ إلّا مَن يَمْلِكُ القُلُوبَ، فَهو يُقَلِّبُها كَما شاءَ، ويَصْنَعُ فِيها ما أرادَ.
وقِيلَ: هُمُ الأوْسُ والخَزْرَجُ، كانَ بَيْنَهم مِنَ الحُرُوبِ والوَقائِعِ ما أهْلَكَ سادَتَهم ورُؤَساءَهم، ودَقَّ جَماجِمَهم، ولَمْ يَكُنْ لِبَغْضائِهِمْ أمَدٌ ومُنْتَهًى، وبَيْنَهُما التَّجاوُرُ الَّذِي يُهَيِّجُ الضَّغائِنَ، ويُدِيمُ التَّحاسُدَ والتَّنافُسَ.
وعادَةُ كُلِّ طائِفَتَيْنِ كانَتا بِهَذِهِ المَثابَةِ أنْ تَتَجَنَّبَ هَذِهِ ما آثَرَتْهُ أُخْتُها، وتَكْرَهَهُ وتَنْفِرَ عَنْهُ، فَأنْساهُمُ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ كُلَّهُ، حَتّى اتَّفَقُوا عَلى الطّاعَةِ، وتَصافَوْا وصارُوا أنْصارًا وعادُوا أعْوانًا
وما ذاكَ إلّا بِلَطِيفِ صُنْعِهِ، وبَلِيغِ قُدْرَتِهِ. انْتَهى.
(p-٣٠٢٩)وإنَّما ضَعَّفَ القَوْلَ الثّانِيَ لِأنَّهُ لَيْسَ في السِّياقِ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ. كَذا في (" العِنايَةِ ") .
أقُولُ: لَكِنَّ شُهْرَةَ ما كُنَّ بَيْنَ هَذَيْنَ البَطِنَيْنِ مِنَ التَّعادِي الَّذِي تَطاوَلَ أمَدُهُ، واسْتَحالَ قَبْلَ البَعْثَةِ نُضُوبُ مائِهِ، يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ قَرِينَةً. ونَقَلَ عُلَماءُ السِّيرَةِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ، لَمّا لَقِيَ في المَوْسِمِ الرَّهْطَ مِنَ الخَزْرَجِ، ودَعاهم إلى اللَّهِ تَعالى. فَأجابُوهُ وصَدَّقُوهُ، قالُوا لَهُ: إنّا قَدْ تَرَكْنا قَوْمَنا، ولا قَوْمَ بَيْنَهم مِنَ العَداوَةِ والشَّرِّ ما بَيْنَهم، وعَسى أنْ يَجْمَعَهُمُ اللَّهُ بِكَ، فَسَنُقْدِمَ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهم إلى أمْرِكَ، نَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الَّذِي أجَبْناكَ إلَيْهِ مِن هَذا الدِّينِ، فَإنْ يَجْمَعْهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلا رَجُلَ أعَزُّ مِنكَ. رَواهُ ابْنُ إسْحاقَ وغَيْرُهُ.
وفِي الصَّحِيحَيْنِ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمّا خَطَبَ الأنْصارَ في شَأْنِ غَنائِمِ (حُنَيْنٍ)، قالَ لَهم: «يا مَعْشَرَ الأنْصارِ ! ألَمْ أجِدْكم ضُلّالًا فَهَداكُمُ اللَّهُ بِي ؟ وعالَةً فَأغْناكُمُ اللَّهُ بِي، وكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَألَّفَكُمُ اللَّهُ بِي» ؟ كُلَّما قالَ شَيْئًا قالَ: «اللَّهُ ورَسُولُهُ أمَنُّ»» .
لَطِيفَةٌ:
رَوى الحاكِمُ أنَّ ابْنَ عَبّاسٍ كانَ يَقُولُ: إنَّ الرَّحِمَ لَتُقَطَعُ، وإنَّ النِّعْمَةَ لَتُكْفَرٌ، وإنَّ اللَّهَ إذا قارَبَ بَيْنَ القُلُوبِ لَمْ يُزَحْزِحْها شَيْءٌ. ثُمَّ يَقْرَأُ: ﴿لَوْ أنْفَقْتَ ما في الأرْضِ﴾ الآيَةَ.
وعِنْدَ البَيْهَقِيِّ نَحْوُهُ. وقالَ مَوْجُودٌ في الشِّعْرِ:
؎إذا بَتَّ ذُو قُرْبى إلَيْكَ بِزِلَّةٍ فَغَشَّكَ واسْتَغْنى فَلَيْسَ بِذِي رُحْمِ
؎ولَكِنَّ ذا القُرْبى الَّذِي إنْ دَعْوَتُهُ ∗∗∗ أجابَ، وأنْ يَرْمِيَ العَدُوَّ الَّذِي تَرْمِي
(p-٣٠٣٠)قالَ: ومِن ذَلِكَ قَوْلُ القائِلِ:
؎ولَقَدْ صَحِبْتُ النّاسَ ثُمَّ سَبَرْتُهم ∗∗∗ وبَلَوْتُ ما وصَلُوا مِنَ الأسْبابِ
؎فَإذا القَرابَةُ لا تُقَرِّبُ قاطِعًا ∗∗∗ وإذا المَوَدَّةُ أقْرَبُ الأسْبابِ
قالَ البَيْهَقِيُّ: لا أدْرِي هَذا مَوْصُولًا بِكَلامِ ابْنِ عَبّاسٍ، أوْ هو قَوْلُ مَن دُونَهُ مِنَ الرُّواةِ.
قالَ الرّازِيُّ: احْتَجَّ أصْحابُنا بِهَذِهِ الآيَةِ، عَلى أنَّ أحْوالَ القُلُوبِ مِنَ العَقائِدِ والإراداتِ، كُلُّها مِن خَلْقِ اللَّهِ تَعالى، وذَلِكَ لِأنَّ الأُلْفَةَ والمَوَدَّةَ والمَحَبَّةَ الشَّدِيدَةَ إنَّما حَصَلَتْ بِسَبَبِ الإيمانِ ومُتابَعَةِ الرَّسُولِ ﷺ . انْتَهى.
ولَمّا بَيَّنَ تَعالى كِفايَتَهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ عِنْدَ مُخادَعَةِ الأعْداءِ، في الآيَةِ المُتَقَدِّمَةِ، أعْلَمَهُ بِكِفايَتِهِ لَهُ في جَمِيعِ أُمُورِهِ مُطْلَقًا، فَقالَ تَعالى:
{"ayah":"وَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا مَّاۤ أَلَّفۡتَ بَیۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَیۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق