الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ٦ - ١٠ ] ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ﴾ ﴿تَتْبَعُها الرّادِفَةُ﴾ [النازعات: ٧] ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ﴾ [النازعات: ٨] ﴿أبْصارُها خاشِعَةٌ﴾ [النازعات: ٩] ﴿يَقُولُونَ أإنّا لَمَرْدُودُونَ في الحافِرَةِ﴾ [النازعات: ١٠] ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ﴾ أيِ: الواقِعَةُ الَّتِي تَرْجُفُ عِنْدَها الأجْرامُ السّاكِنَةُ، أيْ: تَتَحَرَّكُ حَرَكَةً شَدِيدَةً وتَتَزَلْزَلُ زَلْزَلَةً عَظِيمَةً، فالإسْنادُ إلَيْها مَجازِيٌّ لِأنَّها سَبَبُهُ، أوِ التَّجَوُّزُ في الطَّرَفِ يَجْعَلُ سَبَبَ الرَّجْفِ راجِفًا، أوِ الرّاجِفَةُ الأجْرامُ السّاكِنَةُ الَّتِي تَشْتَدُّ حَرَكَتُها حِينَئِذٍ كالأرْضِ والجِبالِ؛ فَتَسْمِيَتُها راجِفَةً بِاعْتِبارِ الأوَّلِ. قالَ الشِّهابُ: ولَوْ فُسِّرَتِ الرّاجِفَةُ بِالمُحَرِّكَةِ جازَ، وكانَ حَقِيقَةً؛ لِأنَّ (رَجَفَ) يَكُونُ بِمَعْنى حَرَّكَ وتَحَرَّكَ. ﴿تَتْبَعُها الرّادِفَةُ﴾ [النازعات: ٧] أيِ: السَّماءُ وما فِيها، تُرْدِفُها فَتَنْشَقُّ وتَنْتَثِرُ الكَواكِبُ، ولِوُقُوعِ ذَلِكَ فِيها بَعْدَ الرَّجْفَةِ الأُولى جُعِلَتْ رادِفَةً لَها، أوِ الرّادِفَةُ النَّفْخَةُ الثّانِيَةُ لِبَعْثِ يَوْمِ القِيامَةِ. قالَ الحَسَنُ: هُما النَّفْخَتانِ: أمّا الأُولى فَتُمِيتُ الأحْياءَ، وأمّا الثّانِيَةُ فَتُحْيِي المَوْتى، ثُمَّ تَلا الحَسَنُ: ﴿ونُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلا مَن شاءَ (p-٦٠٤٦)اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإذا هم قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨] ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ﴾ [النازعات: ٨] أيْ: شَدِيدَةُ الِاضْطِرابِ، خَوْفًا مِن عَظِيمِ الهَوْلِ النّازِلِ. ﴿أبْصارُها خاشِعَةٌ﴾ [النازعات: ٩] أيْ: أبْصارُ أهْلِها ذَلِيلَةٌ، مِمّا قَدْ عَلاها مِنَ الكَآبَةِ والحُزْنِ، مِنَ الخَوْفِ والرُّعْبِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَقُولُونَ أإنّا لَمَرْدُودُونَ في الحافِرَةِ﴾ [النازعات: ١٠] قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أيْ: يَقُولُ هَؤُلاءِ المُكَذِّبُونَ بِالبَعْثِ مِن مُشْرِكِي قُرَيْشٍ -إذا قِيلَ لَهُمْ: إنَّكم مَبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ المَوْتِ-: أئِنّا لَمَرْدُودُونَ إلى حالِنا الأُولى قَبْلَ المَماتِ، فَراجِعُونَ أحْياءً كَما كُنّا؟ وقالَ أبُو السُّعُودِ: حِكايَةٌ لِما يَقُولُهُ المُنْكِرُونَ لِلْبَعْثِ المُكَذِّبُونَ بِالآياتِ النّاطِقَةِ بِهِ، إثْرَ بَيانِ وُقُوعِهِ بِطَرِيقِ التَّوْكِيدِ القَسَمِيِّ، وذَكَرَ مُقَدِّماتِهِ الهائِلَةَ وما يَعْرِضُ عِنْدَ وُقُوعِها لِلْقُلُوبِ والأبْصارِ. أيْ: يَقُولُونَ -إذا قِيلَ لَهُمْ: إنَّكم تُبْعَثُونَ مُنْكِرِينَ لَهُ مُتَعَجِّبِينَ مِنهُ-: أئِنّا لَمَرْدُودُونَ بَعْدَ مَوْتِنا في الحافِرَةِ؟ أيْ: في الحالَةِ الأُولى. يَعْنُونَ الحَياةَ، مِن قَوْلِهِمْ: رَجَعَ فُلانٌ في حافِرَتِهِ، أيْ: في طَرِيقَتِهِ الَّتِي جاءَ فِيها فَحَفَرَها، أيْ: أثَّرَ فِيها بِمَشْيِهِ. وتَسْمِيَتُها حافِرَةً مَعَ أنَّها مَحْفُورَةٌ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١] أيْ: مَنسُوبَةٌ إلى الحَفْرِ والرِّضا، أوْ كَقَوْلِهِمْ: نَهارُهُ صائِمٌ، عَلى تَشَبُّهِ القابِلِ بِالفاعِلِ، أيْ: شَبَّهَ القابِلَ لِلْفِعْلِ بِمَن يَفْعَلُهُ، لِتَنْزِيلِهِ مَنزِلَتَهُ؛ فالِاسْتِعارَةُ في الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ، وإثْباتُ الحافِرِيَّةِ لَهُ تَخْيِيلٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب