الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٢٠ - ٢٦ ] ﴿فَأراهُ الآيَةَ الكُبْرى﴾ ﴿فَكَذَّبَ وعَصى﴾ [النازعات: ٢١] ﴿ثُمَّ أدْبَرَ يَسْعى﴾ [النازعات: ٢٢] ﴿فَحَشَرَ فَنادى﴾ [النازعات: ٢٣] ﴿فَقالَ أنا رَبُّكُمُ الأعْلى﴾ [النازعات: ٢٤] ﴿فَأخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الآخِرَةِ والأُولى﴾ [النازعات: ٢٥] ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشى﴾ [النازعات: ٢٦]
(p-٦٠٥٠)﴿فَأراهُ الآيَةَ الكُبْرى﴾ أيِ: الدَّلالَةَ الكُبْرى عَلى أنَّهُ لِلَّهِ رَسُولٌ أرْسَلَهُ إلَيْهِ. والفاءُ فَصِيحَةٌ تُفْصِحُ عَنْ جُمَلٍ قَدْ طُوِيَتْ، تَعْوِيلًا عَلى تَفْصِيلِها في السُّوَرِ الأُخْرى، أيْ: فَذَهَبَ وبَلَّغَ ورَجَعَ وتَحَدّى فَأراهُ الآيَةَ الكُبْرى، وهو عَلى ما قالَهُ مُجاهِدٌ: عَصاهُ ويَدُهُ، أيْ: عَصاهُ إذْ تَحَوَّلَتْ ثُعْبانًا مُبِينًا، ويَدُهُ إذْ أخْرَجَها بَيْضاءَ لِلنّاظِرِينَ؛ وإفْرادُهُما لِأنَّهُما كالآيَةِ الواحِدَةِ في الدَّلالَةِ، أوْ هي العَصا لِأنَّها كانَتِ المُقَدِّمَةَ والأصْلَ. والبَقِيَّةُ كالتَّبَعِ. وقِيلَ: وكَوْنُها كُبْرى بِاعْتِبارِ مُعْجِزاتِ مَن قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، أوْ هو لِلزِّيادَةِ المُطْلَقَةِ.
﴿فَكَذَّبَ وعَصى﴾ [النازعات: ٢١] أيْ: فَكَذَّبَ فِرْعَوْنُ مُوسى فِيما أتاهُ مِنَ الآياتِ المُعْجِزَةِ، ودَعاها سِحْرًا، وعَصاهُ فِيما أمَرَهُ بِهِ مِن طاعَةِ رَبِّهِ وخَشْيَتِهِ إيّاهُ.
﴿ثُمَّ أدْبَرَ﴾ [النازعات: ٢٢] أيْ: أعْرَضَ عَمّا هُدِيَ إلَيْهِ، أوِ انْصَرَفَ عَنِ المَجْلِسِ كِبْرًا ﴿يَسْعى﴾ [النازعات: ٢٢] أيْ: يَجِدُّ في مُعارَضَةِ الآيَةِ بِالمَكايِدِ الشَّيْطانِيَّةِ والحِيَلِ النَّفْسانِيَّةِ، أوْ أدْبَرَ بَعْدَ ما رَأى الثُّعْبانَ، مَرْعُوبًا مُسْرِعًا في مَشْيِهِ.
﴿فَحَشَرَ﴾ [النازعات: ٢٣] أيْ: جَمَعَ السَّحَرَةَ، أوْ قَوْمَهُ وأتْباعَهُ ﴿فَنادى﴾ [النازعات: ٢٣] أيْ: في المَجْمَعِ بِنَفْسِهِ أوْ بِمُنادٍ.
﴿فَقالَ أنا رَبُّكُمُ الأعْلى﴾ [النازعات: ٢٤] أيْ: عَلى كُلِّ مَن يَلِي أمْرَكم. وفي (التَّنْوِيرِ): أيْ: أنا رَبُّكم ورَبُّ أصْنامِكُمُ الأعْلى فَلا تَتْرُكُوا عِبادَتَها.
قالَ القاضِي: وقَدْ كانَ الألْيَقَ بِهِ، بَعْدَ ظُهُورِ خِزْيِهِ عِنْدَ انْقِلابِ العَصا حَيَّةً، أنْ لا يَقُولَ هَذا القَوْلَ؛ لِأنَّ عِنْدَ ظُهُورِ الذِّلَّةِ والعَجْزِ كَيْفَ يَلِيقُ أنْ يَقُولَ "أنا رَبُّكُمُ الأعْلى"؟ فَدَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ في ذَلِكَ الوَقْتِ صارَ كالمَعْتُوهِ الَّذِي لا يَدْرِي ما يَقُولُ. انْتَهى.
وهَذا عَلى أنَّهُ أرادَ بِالرَّبِّ الخالِقَ والمُوجِدَ، والظّاهِرُ أنَّ مُرادَهُ ذُو السُّلْطانِ الأعْلى والنُّفُوذِ الأقْوى، وأنَّهُ الَّذِي يَسْتَأْهِلُ الطّاعَةَ دُونَ غَيْرِهِ. ولا يَخْفى ما فِيهِ مِن جُحُودِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى الَّتِي هي فَوْقَ قُدْرَتِهِ، والكُفْرِ بِآيَةِ مُوسى والصَّدِّ عَنْ دَعْوَتِهِ؛ ولِذا أُخِذَ أشَدَّ الأخْذِ، فَإنَّهُ لَمْ يَزَلْ في عُتُوِّهِ حَتّى تَبِعَ مُوسى وقَوْمَهُ إلى البَحْرِ الأحْمَرِ، عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِن مِصْرَ، فَأغْرَقَهُ اللَّهُ تَعالى في البَحْرِ، وهو مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الآخِرَةِ والأُولى﴾ [النازعات: ٢٥] أيْ: عَذَّبَهُ عَذابَهُما، أيْ: أنَّ أخْذَهُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُورًا عَلى الإغْراقِ وحْدَهُ، بَلْ نَكَّلَ بِهِ وعَذَّبَهُ عَذابَ يَوْمِ القِيامَةِ. و"نَكالَ" مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ (أُخِذَ)، بِتَأْوِيلٍ في الأوَّلِ أوْ في الثّانِي، والإضافَةُ مِن قَبِيلِ إضافَةِ (p-٦٠٥١)المَوْصُوفِ إلى الصِّفَةِ. وقِيلَ: الآخِرَةُ هي قَوْلُهُ: "أنا رَبُّكُمُ الأعْلى"، والأُولى هي تَكْذِيبُهُ مُوسى حِينَ أراهُ الآيَةَ.
قالَ القَفّالُ: وهَذا كَأنَّهُ هو الأظْهَرُ؛ لِأنَّهُ تَعالى قالَ: ﴿فَأراهُ الآيَةَ الكُبْرى﴾ ﴿فَكَذَّبَ وعَصى﴾ [النازعات: ٢١] ﴿ثُمَّ أدْبَرَ يَسْعى﴾ [النازعات: ٢٢] ﴿فَحَشَرَ فَنادى﴾ [النازعات: ٢٣] ﴿فَقالَ أنا رَبُّكُمُ الأعْلى﴾ [النازعات: ٢٤] فَذَكَرَ المَعْصِيَتَيْنِ ثُمَّ قالَ: ﴿فَأخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الآخِرَةِ والأُولى﴾ [النازعات: ٢٥] فَظَهَرَ أنَّ المُرادَ أنَّهُ عاقَبَهُ عَلى هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ. انْتَهى.
وما ذَكَرَهُ القَفّالُ كانَ وقَعَ في قَلْبِي قَبْلَ أنْ أراهُ. وأُرانِي في إيثارٍ لَهُ.
ثُمَّ خَتَمَ تَعالى القِصَّةَ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشى﴾ [النازعات: ٢٦] أيْ: في أخْذِهِ وما أحَلَّ بِهِ مِنَ العَذابِ والخِزْيِ، عِظَةً ومُعْتَبَرًا لِمَن يَخافُ اللَّهَ ويَخْشى عِقابَهُ، ويَعْلَمُ أنَّ هَذِهِ سُنَّتُهُ في كُلِّ مَن يُقاوِمُ الحَقَّ ويُحارِبُهُ؛ فَإنَّ نَبَأ الأوَّلِينَ عِبْرَةٌ لِلْآخَرِينَ.
{"ayahs_start":20,"ayahs":["فَأَرَىٰهُ ٱلۡـَٔایَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰ","فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ","ثُمَّ أَدۡبَرَ یَسۡعَىٰ","فَحَشَرَ فَنَادَىٰ","فَقَالَ أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ","فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلۡـَٔاخِرَةِ وَٱلۡأُولَىٰۤ","إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَعِبۡرَةࣰ لِّمَن یَخۡشَىٰۤ"],"ayah":"فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











