الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ٦ - ١١ ] ﴿ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهادًا﴾ ﴿والجِبالَ أوْتادًا﴾ [النبإ: ٧] ﴿وخَلَقْناكم أزْواجًا﴾ [النبإ: ٨] ﴿وجَعَلْنا نَوْمَكم سُباتًا﴾ [النبإ: ٩] ﴿وجَعَلْنا اللَّيْلَ لِباسًا﴾ [النبإ: ١٠] ﴿وجَعَلْنا النَّهارَ مَعاشًا﴾ [النبإ: ١١] ﴿ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهادًا﴾ أيْ: فِراشًا ومَوْطِئًا تَتَمَهَّدُونَها وتَفْتَرِشُونَها. ﴿والجِبالَ أوْتادًا﴾ [النبإ: ٧] أيْ: لِلْأرْضِ، أيْ: أرْسَيْناها بِالجِبالِ كَما يُرْسى البَيْتُ بِالأوْتادِ؛ حَتّى لا تَمِيدَ بِأهْلِها فَيَكْمُلُ (p-٦٠٣٣)كَوْنُ الأرْضِ مِهادًا بِسَبَبِ ذَلِكَ. قالَ الإمامُ مُفْتِي مِصْرَ: وإنَّما كانَتِ الجِبالُ أوْتادًا لِأنَّ بُرُوزَها في الأرْضِ كَبُرُوزِ الأوْتادِ المَغْرُوزَةِ فِيها؛ ولِأنَّها في تَثْبِيتِ الأرْضِ ومَنعِها مِنَ المَيَدانِ والِاضْطِرابِ، كالأوْتادِ في حِفْظِ الخَيْمَةِ مِن مِثْلِ ذَلِكَ، كَأنَّ أقْطارَ الأرْضِ قَدْ شُدَّتْ إلَيْها، ولَوْلا الجِبالُ لَكانَتِ الأرْضُ دائِمَةَ الِاضْطِرابِ بِما في جَوْفِها مِنَ المَوادِّ الدّائِمَةِ الجَيَشانِ. ﴿وخَلَقْناكم أزْواجًا﴾ [النبإ: ٨] أيْ: ذُكُورًا وإناثًا. قالَ الإمامُ: لِيَتِمَّ الِائْتِناسُ والتَّعاوُنُ عَلى سَعادَةِ المَعِيشَةِ وحِفْظِ النَّسْلِ وتَكْمِيلِهِ بِالتَّرْبِيَةِ. ﴿وجَعَلْنا نَوْمَكم سُباتًا﴾ [النبإ: ٩] أيْ: راحَةً ودَعَةً، يُرِيحُ القُوى مِن تَعَبِها ويُعِيدُ إلَيْها ما فُقِدَ مِنها. إطْلاقًا لِلْمَلْزُومِ وهو (السُّباتُ) بِمَعْنى النَّوْمِ، وإرادَةً لِلّازِمِ وهو (الِاسْتِراحَةُ). وقِيلَ: السُّباتُ هو النَّوْمُ المُمْتَدُّ الطَّوِيلُ السُّكُونَ؛ ولِهَذا يُقالُ فِيمَن وُصِفَ بِكَثْرَةِ النَّوْمِ: إنَّهُ مَسْبُوتٌ وبِهِ سُباتٌ. ووَجْهُ الِامْتِنانِ بِذَلِكَ ظاهِرٌ؛ لِما فِيهِ مِنَ المَنفَعَةِ والرّاحَةِ، لِأنَّ التَّهْوِيمَ والنَّوْمَ الغِرارَ لا يَكْسِبانِ شَيْئًا مِنَ الرّاحَةِ. وقَدْ أفاضَ السَّيِّدُ المُرْتَضى في (أمالِيهِ) في لَطائِفِ تَأْوِيلِ هَذِهِ الآيَةِ. ﴿وجَعَلْنا اللَّيْلَ لِباسًا﴾ [النبإ: ١٠] أيْ: كاللِّباسِ بِإحاطَةِ ظُلْمَتِهِ بِكُلِّ أحَدٍ، وسِتْرِهِ لَهم. قالَ الرّازِيُّ: ووَجْهُ النِّعْمَةِ في ذَلِكَ أنَّ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ تَسْتُرُ الإنْسانَ عَنِ العُيُونِ إذا أرادَ هَرَبًا مِن عَدُوٍّ أوْ بَياتًا لَهُ، أوْ إخْفاءَ ما لا يُحِبُّ الإنْسانُ إطْلاعَ غَيْرِهِ عَلَيْهِ قالَ المُتَنَبِّي: ؎وكَمْ لِظَلامِ اللَّيْلِ عِنْدِي مِن يَدٍ تُخْبِرُ أنَّ المانَوِيَّةَ تَكْذِبُ وأيْضًا، فَكَما أنَّ الإنْسانَ بِسَبَبِ اللِّباسِ، يَزْدادُ جَمالُهُ وتَتَكامَلُ قُوَّتُهُ ويَنْدَفِعُ عَنْهُ أذى الحَرِّ والبَرْدِ، فَكَذا لِباسُ اللَّيْلِ بِسَبَبِ ما يَحْصُلُ فِيهِ مِنَ النَّوْمِ يَزِيدُ في جَمالِ الإنْسانِ وفي طَراوَةِ أعْضائِهِ وفي تَكامُلِ قُواهُ الحِسِّيَّةِ والحَرَكِيَّةِ، ويَنْدَفِعُ عَنْهُ أذى التَّعَبِ الجُسْمانِيِّ وأذى الأفْكارِ المُوحِشَةِ. ﴿وجَعَلْنا النَّهارَ مَعاشًا﴾ [النبإ: ١١] أيْ: وقْتَ مَعاشٍ؛ إذْ فِيهِ تَتَقَلَّبُ الخَلْقُ في حَوائِجِهِمْ ومَكاسِبِهِمْ. (p-٦٠٣٤)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب