الباحث القرآني
(p-٥٩٦٨)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ المُدَّثِّرِ
مَكِّيَّةٌ. وآيُها سِتٌّ وخَمْسُونَ آيَةً.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: ثَبَتَ في صَحِيحِ البُخارِيِّ عَنْ جابِرٍ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: أوَّلُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ (يا أيُّها المُدَّثِّرُ) وخالَفَهُ الجُمْهُورُ، فَذَهَبُوا إلى أنَّ أوَّلَ القُرْآنِ نُزُولًا قَوْلُهُ تَعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) كَما سَيَأْتِي بَيانُ ذَلِكَ هُنالِكَ، إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
رَوى البُخارِيُّ «عَنْ يَحْيى بْنِ كَثِيرٍ قالَ: سَألْتُ أبا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أوَّلِ ما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ فَقالَ: ﴿يا أيُّها المُدَّثِّرُ﴾ قُلْتُ: يَقُولُونَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: ١] فَقالَ أبُو سَلَمَةَ: سَألْتُ جابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ، وقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ما قُلْتَ لِي، فَقالَ جابِرٌ: لا أُحَدِّثُكَ إلّا ما حَدَّثَنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قالَ: جاوَرْتُ بِحِراءٍ، فَلَمّا قَضَيْتُ جِوارِي هَبَطْتُ، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي، فَلَمْ أرَ شَيْئًا، ونَظَرْتُ عَنْ شَمالِي فَلَمْ أرَ شَيْئًا، ونَظَرْتُ أمامِي فَلَمْ أرَ شَيْئًا، ونَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أرَ شَيْئًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأيْتُ شَيْئًا. فَأتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وصُبُّوا عَلَيَّ ماءً بارِدًا. قالَ: فَدَثَّرُونِي وصَبُّوا عَلَيَّ ماءً بارِدًا. فَنَزَلَتْ: ﴿يا أيُّها المُدَّثِّرُ﴾ ﴿قُمْ فَأنْذِرْ﴾ [المدثر: ٢]» .
ورَوى الشَّيْخانِ أيْضًا عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: أخْبَرَنِي أبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «عَنْ جابِرِ (p-٥٩٦٩)ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ وهو يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ، فَقالَ في حَدِيثِهِ: فَبَيْنا أنا أمْشِي إذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّماءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإذا المَلَكُ الَّذِي جاءَنِي بِحِراءٍ جالِسٌ عَلى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، فَجُئِثْتُ مِنهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي. فَدَثَّرُونِي، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: (يا أيُّها المُدَّثِّرُ...)» الآياتِ.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وهَذا السِّياقُ هو المَحْفُوظُ، وهو يَقْتَضِي أنَّهُ قَدْ نَزَلَ الوَحْيُ قَبْلَ هَذا لِقَوْلِهِ: (فَإذا المَلَكُ الَّذِي جاءَنِي بِحِراءٍ وهو جِبْرِيلُ حِينَ أتاهُ بِقَوْلِهِ: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ثُمَّ إنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ هَذا فَتْرَةٌ، ثُمَّ نَزَلَ المَلَكُ بَعْدُ. هَذا وجْهُ الجَمْعِ: أنَّ أوَّلَ شَيْءٍ نَزَلَ بَعْدَ فَتْرَةِ الوَحْيِ هَذِهِ السُّورَةُ.
ورَوى الطَّبَرانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ الوَلِيدَ بْنِ المُغِيرَةِ صَنَعَ لِقُرَيْشٍ طَعامًا، فَلَمّا أكَلُوا مِنهُ قالَ: ما تَقُولُونَ في هَذا الرَّجُلِ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: ساحِرٌ، وقالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِساحِرٍ، وقالَ بَعْضُهُمْ: كاهِنٌ، وقالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِكاهِنٍ. وقالَ بَعْضُهُمْ: شاعِرٌ، وقالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِشاعِرٍ. وقالَ بَعْضُهُمْ: سِحْرٌ يُؤْثَرُ. فَأجْمَعَ رَأْيُهم عَلى أنَّهُ سِحْرٌ يُؤْثَرُ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ فَحَزِنَ وقَنِعَ رَأْسَهُ وتَدَثَّرَ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى:( يا أيُّها المُدَّثِّرُ...) الآياتِ.
(p-٥٩٧٠)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١ - ٧] ﴿يا أيُّها المُدَّثِّرُ﴾ ﴿قُمْ فَأنْذِرْ﴾ [المدثر: ٢] ﴿ورَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ [المدثر: ٣] ﴿وثِيابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: ٤] ﴿والرُّجْزَ فاهْجُرْ﴾ [المدثر: ٥] ﴿ولا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر: ٦] ﴿ولِرَبِّكَ فاصْبِرْ﴾ [المدثر: ٧]
﴿يا أيُّها المُدَّثِّرُ﴾ أيِ: المُتَلَفِّفُ بِثِيابِهِ لِنَوْمٍ أوِ اسْتِدْفاءٍ، مِنَ الدِّثارِ، وهو كُلُّ ما كانَ مِنَ الثِّيابِ فَوْقَ الشِّعارِ. والشِّعارُ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي الجَسَدَ. وأصْلُهُ: المُتَدَثِّرُ، فَأُدْغِمَ، خُوطِبَ بِذَلِكَ لِحالَتِهِ الَّتِي كانَ عَلَيْها وقْتَ نُزُولِ الوَحْيِ. أوْ لِقَوْلِهِ: ««دَثِّرُونِي»» كَما تَقَدَّمَ- وقِيلَ: مَعْناهُ: المُدَّثِّرُ بِدِثارِ النُّبُوَّةِ والرِّسالَةِ، مِن قَوْلِهِمْ: ألْبَسَهُ اللَّهُ لِباسَ التَّقْوى، وزَيَّنَهُ بِرِداءِ العِلْمِ. ويُقالُ: تَلَبَّسَ فُلانٌ بِأمْرِ كَذا. فَجَعَلَ النُّبُوَّةَ كالدِّثارِ واللِّباسِ مَجازًا.
قالَ الشِّهابُ: إمّا أنْ يُرادَ المُتَحَلِّي بِها والمُتَزَيِّنُ، كَما أنَّ اللِّباسَ الَّذِي فَوْقَ الشِّعارِ يَكُونُ حِلْيَةً لِصاحِبِهِ وزِينَةً. وكَذا يُسَمّى حُلَّةً. والتَّشْبِيهُ بِالدِّثارِ في ظُهُورِها، أوْ في الإحاطَةِ. والأوَّلُ أتَمُّ.
﴿قُمْ﴾ [المدثر: ٢] أيْ: مِن مَضْجَعِكَ ودِثارِكَ. أوْ قِيامَ عَزْمٍ وجِدٍّ ﴿فَأنْذِرْ﴾ [المدثر: ٢] أيْ: فَحَذِّرْ قَوْمَكَ مِنَ العَذابِ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
(p-٥٩٧١)قالَ الشِّهابُ: لَمْ يَقُلْ (وبَشِّرْ) لِأنَّهُ كانَ في ابْتِداءِ النُّبُوَّةِ، والإنْذارُ هو الغالِبُ؛ لِأنَّ البِشارَةَ لِمَن آمَنَ، ولَمْ يَكُنْ إذْ ذاكَ. أوْ هو اكْتِفاءٌ لِأنَّ الإنْذارَ يَلْزَمُهُ التَّبْشِيرُ.
﴿ورَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ [المدثر: ٣] قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أيْ: فَعَظِّمْ بِعِبادَتِهِ، والرَّغْبَةِ إلَيْهِ في حاجاتِكَ، دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الآلِهَةِ والأنْدادِ.
وقالَ القاشانِيُّ: أيْ: إنْ كُنْتَ تُكْبِرُ شَيْئًا وتُعَظِّمُ قَدْرَهُ، فَخَصِّصْ رَبَّكَ بِالتَّعْظِيمِ والتَّكْبِيرِ، لا يَعْظُمُ في عَيْنِكَ غَيْرُهُ، ويَصْغُرُ في قَلْبِكَ كُلُّ ما سِواهُ، بِمُشاهَدَةِ كِبْرِيائِهِ.
﴿وثِيابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: ٤] أيْ: بِالماءِ مِنَ الأنْجاسِ. قالَ ابْنُ زَيْدٍ، كانَ المُشْرِكُونَ لا يَتَطَهَّرُونَ، فَأمَرَهُ أنْ يَتَطَهَّرَ ويُطَهِّرَ ثِيابَهُ. وقِيلَ: هو أمْرٌ بِتَطْهِيرِ القَلْبِ مِمّا يُسْتَقْذَرُ مِنَ الآثامِ. قالَ قَتادَةُ: العَرَبُ تُسَمِّي الرَّجُلَ إذا نَكَثَ ولَمْ يَفِ بِعَهْدٍ أنَّهُ دَنِسُ الثِّيابِ. وإذا وفى وأصْلَحَ، قالُوا: مُطَهَّرُ الثِّيابِ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أيْ: لا تَلْبَسْهُما عَلى مَعْصِيَةٍ، ولا عَلى غَدْرَةٍ. ثُمَّ أنْشَدَ لِغِيلانَ ابْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ:
؎وإنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لا ثَوْبَ فاجِرٍ لَبِسْتُ ولا مِن غَدْرَةٍ أتَقَنَّعُ
وفِي الوَجْهِ الأوَّلِ بَقاءُ لَفْظَيِ الثِّيابِ والتَّطْهِيرِ عَلى حَقِيقَتِهِما، وفي الثّانِي تَجَوُّزٌ بِهِما. وبَقِيَ وجْهٌ ثالِثٌ، وهو حَمْلُ الثِّيابِ عَلى حَقِيقَتِها، والتَّطْهِيرُ عَلى مَجازِهِ، وهو التَّبْصِيرُ؛ لِأنَّ العَرَبَ كانُوا يُطِيلُونَ ثِيابَهُمْ، ويَجُرُّونَ أذْيالَهم خُيَلاءَ وكِبْرًا، فَأُمِرَ بِمُخالَفَتِهِمْ. ورابِعٌ وهو عَكْسُ (p-٥٩٧٢)هَذا، وذَلِكَ بِحَمْلِ الثِّيابِ عَلى الجَسَدِ أوِ النَّفْسِ كِنايَةٌ، كَما قالَ عَنْتَرَةُ:
؎فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الأصَمِّ ثِيابَهُ
أيْ: نَفْسَهُ. ولِذا قالَ:
؎لَيْسَ الكَرِيمُ عَلى القَنا بِمُحَرَّمِ
واسْتَصْوَبَ ابْنُ الأثِيرِ في "المَثَلِ السّاتِرِ" الوَجْهَ الأوَّلَ. قالَ في الفَصْلِ الثّالِثِ مِن فُصُولِ مُقَدِّمَتِهِ: اعْلَمْ أنَّ الأصْلَ في المَعْنى أنْ يُحْمَلَ عَلى ظاهِرِ لَفْظِهِ، ومَن يَذْهَبُ إلى التَّأْوِيلِ يَفْتَقِرُ إلى دَلِيلٍ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وثِيابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: ٤] فالظّاهِرُ مِن لَفْظِ الثِّيابِ هو ما يُلْبَسُ. ومَن تَأوَّلَ، ذَهَبَ إلى أنَّ المُرادَ هو القَلْبُ، لا المَلْبُوسُ، وهَذا لا بُدَّ لَهُ مِن دَلِيلٍ؛ لِأنَّهُ عُدُولٌ عَنْ ظاهِرِ اللَّفْظِ.
ثُمَّ قالَ: المَعْنى المَحْمُولُ عَلى ظاهِرِهِ لا يَقَعُ في تَفْسِيرِهِ خِلافٌ. والمَعْنى المَعْدُولُ عَنْ ظاهِرِهِ إلى التَّأْوِيلِ يَقَعُ فِيهِ الخِلافُ؛ إذْ بابُ التَّأْوِيلِ غَيْرُ مَحْصُورٍ، والعُلَماءُ مُتَفاوِتُونَ في هَذا، فَإنَّهُ قَدْ يَأْخُذُ بَعْضُهم وجْهًا ضَعِيفًا مِنَ التَّأْوِيلِ، فَيَكْسُوهُ بِعِبارَتِهِ قُوَّةً تُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الوُجُوهِ القَوِيَّةِ، فَإنَّ السَّيْفَ بِضارِبِهِ:
؎إنَّ السُّيُوفَ مَعَ الَّذِينَ قُلُوبُهم ∗∗∗ كَقُلُوبِهِنَّ، إذا التَقى الجَمْعانِ
؎تَلْقى الحُسامَ عَلى جَراءَةِ حَدِّهِ ∗∗∗ مِثْلَ الجَبانِ بِكَفِّ كُلِّ جَبانِ
انْتَهى.
ويَكْفِي دَلِيلًا ما لِلْعَرَبِ مِنَ الشَّواهِدِ والأمْثالِ. والِاسْتِعْمالُ لا يَنْحَصِرُ في الحَقِيقَةِ. نَعَمْ، المُتَبادِرُ أوْلى وأجْدَرُ، وهو عُنْوانُ الحَقِيقَةِ.
(p-٥٩٧٣)وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والرُّجْزَ فاهْجُرْ﴾ [المدثر: ٥] أيِ: اتْرُكْهُ. و(الرِّجْزُ) بِكَسْرِ الرّاءِ كالرِّجْسِ، والسِّينُ والزّايُ يَتَبادَلانِ، لِأنَّهُما مِن حُرُوفِ الصَّفِيرِ.
و(الرِّجْسُ) اسْمٌ لِلْقَبِيحِ المُسْتَقْذَرِ، كُنِّيَ بِهِ عَنْ عِبادَةِ الأوْثانِ خاصَّةً، لِقَوْلِهِ: ﴿فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثانِ﴾ [الحج: ٣٠] أوْ عَنْ كُلِّ ما يُسْتَكْرَهُ مِنَ الأفْعالِ والأخْلاقِ، والجُمْلَةُ مِن جَوامِعِ الكَلِمِ في مَكارِمِ الأخْلاقِ، كَأنَّهُ قِيلَ: اهْجُرِ الجَفا والسَّفَهَ وكُلَّ قَبِيحٍ، ولا تَتَخَلَّقْ بِأخْلاقِ هَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ المُسْتَعْمِلِينَ لِلرِّجْزِ.
وقِيلَ: المُرادُ بِالرِّجْزِ العَذابُ، وهَجْرُهُ كِنايَةٌ عَنْ هَجْرِ ما يُؤَدِّي إلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ والمَعاصِي.
فالرِّجْزُ مَجازٌ، وقَدْ أُقِيمَ مَقامَ سَبَبِهِ. أوْ هو بِتَقْدِيرِ مُضافٍ، أيْ: أسْبابَ الرِّجْزِ. أوِ التَّجَوُّزَ بِالتَّشْبِيهِ.
وقُرِئَ بِضَمِّ الرّاءِ، وهو لُغَةٌ في المَكْسُورِ، وهُما بِمَعْنًى، وهو العَذابُ.
وعَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ بِالضَّمِّ بِمَعْنى الصَّنَمِ، وبِالكَسْرِ العَذابُ.
وأمَرَهُ ﷺ بِذَلِكَ، وهو بَرِيءٌ مِنهُ، إمّا أمْرٌ لِغَيْرِهِ تَعْرِيضًا، أوِ المُرادُ الدَّوامُ عَلى هَجْرِهِ.
﴿ولا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر: ٦] أيْ: لا تُعْطِ عَطِيَّةً تَلْتَمِسُ بِها أفْضَلَ مِنها، بِمَعْنى: لا تُعْطِ شَيْئًا لِتُعْطى أكْثَرَ مِنهُ. يُقالُ: مَنَنْتُ فُلانًا كَذا، أيْ: أعْطَيْتُهُ. كَما قالَ: ﴿هَذا عَطاؤُنا فامْنُنْ أوْ أمْسِكْ﴾ [ص: ٣٩] أيْ: فَأعْطِ أوْ أمْسِكْ. وأصْلُهُ أنَّ مَن أعْطى فَقَدْ مَنَّ، فَسُمِّيَتِ العَطِيَّةُ بِالمَنِّ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِعارَةِ. وجَوَّزَ القَفّالُ أنْ يَكُونَ الِاسْتِكْثارُ عِبارَةً عَنْ طَلَبِ العِوَضِ كَيْفَ كانَ زائِدًا عَلى العَطاءِ. فَسُمِّي طَلَبُ الثَّوابِ اسْتِكْثارًا حَمْلًا لِلشَّيْءِ عَلى أغْلَبِ أحْوالِهِ. وهَذا كَما أنَّ الأغْلَبَ أنَّ المَرْأةَ إنَّما تَتَزَوَّجُ، ولَها ولَدٌ، لِلْحاجَةِ إلى مَن يُرَبِّي ولَدَها، فَسُمِّيَ الوَلَدُ رَبِيبًا. ثُمَّ اتَّسَعَ الأمْرُ فَسُمِّيَ رَبِيبًا، وإنْ كانَ، حِينَ تَتَزَوَّجُ أُمُّهُ، كَبِيرًا.
(p-٥٩٧٤)وسِرُّ النَّهْيِ أنْ يَكُونَ العَطاءُ خالِيًا عَنِ انْتِظارِ العِوَضِ، والتِفاتِ النَّفْسِ إلَيْهِ تَعَفُّفًا وكَمالًا وعُلُوَّ هِمَّةٍ.
وقِيلَ: مَعْنى الآيَةِ: لا تُعْطِ عَطاءً مُسْتَكْثِرًا لَهُ، فَإنَّ مَكارِمَ الأخْلاقِ اسْتِقْلالُ العَطاءِ، وإنْ كانَ كَثِيرًا، فالسِّينُ لِلْعَدِّ والوِجْدانِ. وسَبَقَ في سُورَةِ الرُّومِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما آتَيْتُمْ مِن رِبًا لِيَرْبُوَ في أمْوالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩] كَلامٌ في هَذِهِ الآيَةِ أيْضًا فارْجِعْ إلَيْهِ.
﴿ولِرَبِّكَ فاصْبِرْ﴾ [المدثر: ٧] أيْ: عَلى أذى المُشْرِكِينَ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ","قُمۡ فَأَنذِرۡ","وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ","وَثِیَابَكَ فَطَهِّرۡ","وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ","وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ","وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ"],"ayah":"وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق