الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٢١ - ٢٥] ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ ﴿ثُمَّ عَبَسَ وبَسَرَ﴾ [المدثر: ٢٢] ﴿ثُمَّ أدْبَرَ واسْتَكْبَرَ﴾ [المدثر: ٢٣] ﴿فَقالَ إنْ هَذا إلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ [المدثر: ٢٤] ﴿إنْ هَذا إلا قَوْلُ البَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٥]
﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ أيْ: في ذَلِكَ المُقَدَّرِ، أيْ: تَرَوّى فِيهِ. قالَ الرّازِيُّ: وهَذِهِ المَرْتَبَةُ الثّالِثَةُ مِن أحْوالِ قَلْبِهِ. فالنَّظَرُ الأوَّلُ لِلِاسْتِخْراجِ، واللّاحِقُ لِلتَّقْدِيرِ، وهَذا هو الِاحْتِياطُ.
وقالَ غَيْرُهُ: ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ أيْ: في وُجُوهِ القَوْمِ.
﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾ [المدثر: ٢٢] أيْ: قَطَّبَ وجْهَهُ كِبْرًا وتَهَيُّؤًا لِقَذْفِ تِلْكَ الكَبِيرَةِ ﴿وبَسَرَ﴾ [المدثر: ٢٢] أيْ: كَلَحَ وجْهُهُ. شَأْنَ اللَّئِيمِ في مُراوَغَتِهِ ومُخاتَلَتِهِ، والحَسُودِ في آثارِ حِقْدِهِ عَلى صَفَحاتِ وجْهِهِ.
﴿ثُمَّ أدْبَرَ﴾ [المدثر: ٢٣] أيْ: عَنِ الحَقِّ ﴿واسْتَكْبَرَ﴾ [المدثر: ٢٣] أيْ: عَنِ الإيمانِ بِهِ.
﴿فَقالَ إنْ هَذا إلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ [المدثر: ٢٤] أيْ: ما هَذا القُرْآنُ إلّا سِحْرٌ يُرْوى ويُتَعَلَّمُ. أيْ: يَأْثُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ.
﴿إنْ هَذا إلا قَوْلُ البَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٥] أيْ: لَيْسَ بِكَلامِ اللَّهِ، كَما يَقُولُهُ.
تَنْبِيهٌ:
اتَّفَقَ المُفَسِّرُونَ أنَّ هَذِهِ الآياتِ نَزَلَتْ في الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ المَخْزُومِيِّ، أحَدِ رُؤَساءِ قُرَيْشٍ، لَعَنَهُ اللَّهُ. وكانَ مِن خَبَرِهِ ما رَواهُ ابْنُ إسْحاقَ أنَّ الوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ اجْتَمَعَ إلَيْهِ نَفَرٌ مِن قُرَيْشٍ وكانَ ذا سِنٍّ فِيهِمْ، وقَدْ حَضَرَ المَوْسِمَ، فَقالَ لَهُمْ: يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! إنَّهُ قَدْ حَضَرَ هَذا المَوْسِمُ، وإنَّ وُفُودَ العَرَبِ سَتَقْدَمُ عَلَيْكم فِيهِ، وقَدْ سَمِعُوا بِأمْرِ صاحِبِكم هَذا، فَأجْمِعُوا رَأْيًا واحِدًا ولا تَخْتَلِفُوا، فَيُكَذِّبُ بَعْضُكم بَعْضًا، ويَرُدُّ قَوْلُكم بَعْضُهُ بَعْضًا. قالُوا: فَأنْتَ يا أبا عَبْدِ شَمْسٍ! (p-٥٩٧٨)فَقُلْ، وأقِمْ لَنا رَأْيًا نَقُلْ بِهِ. قالَ: بَلْ أنْتُمْ فَقُولُوا أسْمَعْ. قالُوا: نَقُولُ: كاهِنٌ. قالَ: لا، واللَّهِ ما هو بِكاهِنٍ! لَقَدْ رَأيْنا الكُهّانَ، فَما هو بِزَمْزَمَةِ الكاهِنِ ولا سَجْعِهِ. قالُوا: فَنَقُولُ: مَجْنُونٌ! قالَ: ما هو بِمَجْنُونٍ. لَقَدْ رَأيْنا الجُنُونَ وعَرَفْناهُ، فَما هو بِخَنْقِهِ ولا تَخالُجِهِ ولا وسْوَسَتِهِ. قالُوا: فَنَقُولُ: شاعِرٌ! قالَ: ما هو بِشاعِرٍ. لَقَدْ عَرَفْنا الشِّعْرَ كُلَّهُ: رَجَزَهُ وهَزَجَهُ وقَرِيضَهُ ومَقْبُوضَهُ ومَبْسُوطَهُ، فَما هو بِالشِّعْرِ. قالُوا: فَنَقُولُ: ساحِرٌ! قالَ: ما هو بِساحِرٍ. لَقَدْ رَأيْنا السُّحّارَ وسِحْرَهُمْ، فَما هو بِنَفْثِهِمْ ولا عَقْدِهِمْ. قالُوا: فَما نَقُولُ يا أبا عَبْدِ شَمْسٍ؟ قالَ: واللَّهِ! إنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلاوَةً، وإنَّ أصْلَهُ لَعِذْقٌ، وإنَّ فَرْعَهُ لَجَناةٌ، وما أنْتُمْ بِقائِلِينَ مِن هَذا شَيْئًا إلّا عَرَفَ أنَّهُ باطِلٌ، وإنَّ أقْرَبَ القَوْلِ فِيهِ؛ لَأنْ تَقُولُوا: هو ساحِرٌ جاءَ بِقَوْلٍ هو سِحْرٌ يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وأبِيهِ، وبَيْنَ المَرْءِ وأخِيهِ، وبَيْنَ المَرْءِ وزَوْجَتِهِ، وبَيْنَ المَرْءِ وعَشِيرَتِهِ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ. فَجَعَلُوا يَجْلِسُونَ بِسُبُلِ النّاسِ حِينَ قَدِمُوا المَوْسِمَ. لا يَمُرُّ بِهِمْ أحَدٌ إلّا حَذَّرُوهُ إيّاهُ، وذَكَرُوا لَهم أمْرَهُ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى في الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ، وفي ذَلِكَ، مِن قَوْلِهِ:
﴿ذَرْنِي ومَن خَلَقْتُ وحِيدًا﴾ [المدثر: ١١] الآياتِ.
وعَنْ قَتادَةَ: قالَ الوَلِيدُ: لَقَدْ نَظَرْتُ فِيما قالَ هَذا الرَّجُلُ، فَإذا هو لَيْسَ بِشِعْرٍ، وإنَّ لَهُ لَحَلاوَةً، وإنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً، وإنَّهُ لِيَعْلُوا وما يُعْلى، وما أشُكُّ أنَّهُ سِحْرٌ. فَأنْزَلَ اللَّهُ الآياتِ، رَواهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وثَمَّ رِواياتٌ بِنَحْوِ ما ذُكِرَ.
وقَدْ رَوى مُجاهِدٌ أنَّ الوَلِيدَ كانَ بَنُوهُ عَشَرَةً. وحَكى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ مُقاتِلٍ أنَّهُ أسْلَمَ مِنهم ثَلاثَةٌ: خالِدٌ وعَمّارٌ وهِشامٌ. قالَ ابْنُ حَجَرٍ في "الإصابَةِ": والصَّوابُ خالِدٌ وهِشامٌ والوَلِيدُ. فَأمّا عِمارَةٌ، فَإنَّهُ ماتَ كافِرًا؛ لِأنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوهُ لِلنَّجاشِيِّ، فَجَرَتْ لَهُ مَعَهُ قِصَّةٌ، فَأُصِيبَ بِعَقْلِهِ. وقَدْ ثَبَتَ أنَّهُ مِمَّنْ ««دَعا النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِمْ مِن قُرَيْشٍ»» لَمّا وضَعَ عُقْبَةُ بْنُ أبِي مُعَيْطٍ سَلى الجَزُورِ عَلى ظَهْرِهِ، وهو يُصَلِّي.
(p-٥٩٧٩)
{"ayahs_start":21,"ayahs":["ثُمَّ نَظَرَ","ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ","ثُمَّ أَدۡبَرَ وَٱسۡتَكۡبَرَ","فَقَالَ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ یُؤۡثَرُ","إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا قَوۡلُ ٱلۡبَشَرِ"],"ayah":"ثُمَّ نَظَرَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











