الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١١ - ١٧] ﴿وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ ومِنّا دُونَ ذَلِكَ كُنّا طَرائِقَ قِدَدًا﴾ ﴿وأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ في الأرْضِ ولَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ [الجن: ١٢] ﴿وأنّا لَمّا سَمِعْنا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْسًا ولا رَهَقًا﴾ [الجن: ١٣] ﴿وأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ ومِنّا القاسِطُونَ فَمَن أسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ [الجن: ١٤] ﴿وأمّا القاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: ١٥] ﴿وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْناهم ماءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦] ﴿لِنَفْتِنَهم فِيهِ ومَن يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧] ﴿وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ﴾ أيِ: المُسْلِمُونَ العامِلُونَ بِطاعَةِ اللَّهِ ﴿ومِنّا دُونَ ذَلِكَ﴾ أيْ: قَوْمٌ دُونَ ذَلِكَ، وهُمُ المُقْتَصِدُونَ في الصَّلاحِ غَيْرُ الكامِلِينَ فِيهِ، أوِ الكافِرُونَ ﴿كُنّا طَرائِقَ قِدَدًا﴾ أيْ: أهْواءً مُخْتَلِفَةً، وفِرَقًا شَتّى. وهَذا بَيانٌ لِلْقِسْمَةِ قَبْلُ. أيْ: كُنّا مِثْلَها أوْ ذَوِيها. و(الطَّرائِقُ): جَمْعُ طَرِيقَةٍ، وهي طَرِيقَةُ الرَّجُلِ ومَذْهَبُهُ. و(القِدَدُ) الضُّرُوبُ والأجْناسُ المُخْتَلِفَةُ، جَمْعُ (قِدَّةٍ) كالقِطْعَةِ. (p-٥٩٥٠)﴿وأنّا ظَنَنّا﴾ [الجن: ١٢] أيْ: عَلِمْنا ﴿أنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ في الأرْضِ﴾ [الجن: ١٢] أيْ: إنْ أرادَ بِنا سُوءًا ﴿ولَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ [الجن: ١٢] أيْ: إنْ طَلَبْنا. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذِهِ صِفَةُ أحْوالِ الجِنِّ، وما هم عَلَيْهِ مِن أحْوالِهِمْ وعَقائِدِهِمْ، مِنهم أخْيارٌ وأشْرارٌ، ومُقْتَصِدُونَ، وأنَّهم يَعْتَقِدُونَ أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ عَزِيزٌ غالِبٌ لا يَفُوتُهُ مَطْلَبٌ، ولا يُنْجِي عَنْهُ مَهْرَبٌ. ﴿وأنّا لَمّا سَمِعْنا الهُدى﴾ [الجن: ١٣] أيِ: القُرْآنَ الَّذِي يَهْدِي إلى الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ ﴿آمَنّا بِهِ﴾ [الجن: ١٣] أيْ: صَدَّقْنا بِأنَّهُ حَقٌّ مِن عِنْدِ اللَّهِ، ﴿فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْسًا﴾ [الجن: ١٣] أيْ: أنْ يَنْقُصُ مِن حَسَناتِهِ فَلا يُجازى عَلَيْها ﴿ولا رَهَقًا﴾ [الجن: ١٣] أيْ: أنْ تُرْهِقَهُ ذِلَّةٌ، وتَلْحَقَهُ هَيْئَةٌ مُعَذِّبَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْخُسُوءِ والطَّرْدِ. يَعْنِي: أنَّهُ يُجْزى الجَزاءَ الأوْفى، وتَكُونُ لَهُ في العِزِّ العاقِبَةُ الحُسْنى. ﴿وأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ ومِنّا القاسِطُونَ﴾ [الجن: ١٤] أيِ: الكافِرُونَ الجائِرُونَ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ، ﴿فَمَن أسْلَمَ﴾ [الجن: ١٤] أيْ: أذْعَنَ وانْقادَ ﴿فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ [الجن: ١٤] أيْ: تَرَجَّوْا وتَوَخَّوْا رَشَدًا عَظِيمًا، وقَصَدُوا صَوابًا واسْتِقامَةً. وقَوْلُهُ: ﴿فَمَن أسْلَمَ﴾ [الجن: ١٤] إلَخْ مِن كَلامِ اللَّهِ أوِ الجِنِّ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقَدْ زَعَمَ مَن لا يَرى لِلْجِنِّ ثَوابًا، أنَّ اللَّهَ تَعالى أوْعَدَ قاسِطِيهِمْ، وما وعَدَ مُسْلِمِيهِمْ، وكَفى بِهِ وعْدًا أنْ قالَ: ﴿فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ [الجن: ١٤] فَذَكَرَ سَبَبَ الثَّوابِ ومُوجِبَهُ. واللَّهُ أعْدَلُ مِن أنْ يُعاقِبَ القاسِطَ، ولا يُثِيبَ الرّاشِدَ. ﴿وأمّا القاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ [الجن: ١٥] أيْ: تُوقَدُ بِهِمْ، كَما تُوقَدُ بِكُفّارِ الإنْسِ. ﴿وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا﴾ [الجن: ١٦] أيِ: الجِنُّ أوِ الإنْسُ أوْ كِلاهُما ﴿عَلى الطَّرِيقَةِ﴾ [الجن: ١٦] أيْ: طَرِيقَةِ الحَقِّ والعَدْلِ ﴿لأسْقَيْناهم ماءً غَدَقًا﴾ [الجن: ١٦] أيْ: لَوَسَّعْنا عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ. وإنَّما تَجَوَّزَ بِالماءِ الغَدَقِ -وهُوَ الكَثِيرُ- عَمّا ذُكِرَ؛ لِأنَّهُ أصْلُ المَعاشِ وسَعَةِ الرِّزْقِ، ولِعِزَّةِ وُجُودِهِ بَيْنَ العَرَبِ، أوْ لِأنَّ غَيْرَهُ يُعْلَمُ مِنهُ بِالأوْلى ﴿لِنَفْتِنَهم فِيهِ﴾ [الجن: ١٧] أيْ: لِنَخْتَبِرَهم فِيهِ كَيْفَ يَشْكُرُونَ ما خُوِّلُوا مِنهُ. ﴿ومَن يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ [الجن: ١٧] أيْ: عِبادَتِهِ أوْ مَوْعِظَتِهِ ﴿يَسْلُكْهُ عَذابًا صَعَدًا﴾ [الجن: ١٧] أيْ: شَدِيدًا شاقًّا. (p-٥٩٥١)قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الصَّعَدُ: مَصْدَرُ صَعِدَ، يُقالُ: صَعِدَ صَعَدًا وصُعُودًا، فَوَصَفَ بِهِ العَذابَ لِأنَّهُ يَتَصَعَّدُ المُعَذَّبَ، أيْ: يَعْلُوهُ ويَغْلِبُهُ فَلا يُطِيقُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب