الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٥ - ١٤] ﴿قالَ رَبِّ إنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا ونَهارًا﴾ ﴿فَلَمْ يَزِدْهم دُعائِي إلا فِرارًا﴾ [نوح: ٦] ﴿وإنِّي كُلَّما دَعَوْتُهم لِتَغْفِرَ لَهم جَعَلُوا أصابِعَهم في آذانِهِمْ واسْتَغْشَوْا ثِيابَهم وأصَرُّوا واسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبارًا﴾ [نوح: ٧] ﴿ثُمَّ إنِّي دَعَوْتُهم جِهارًا﴾ [نوح: ٨] ﴿ثُمَّ إنِّي أعْلَنْتُ لَهم وأسْرَرْتُ لَهم إسْرارًا﴾ [نوح: ٩] ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم إنَّهُ كانَ غَفّارًا﴾ [نوح: ١٠] ﴿يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكم مِدْرارًا﴾ [نوح: ١١] ﴿ويُمْدِدْكم بِأمْوالٍ وبَنِينَ ويَجْعَلْ لَكم جَنّاتٍ ويَجْعَلْ لَكم أنْهارًا﴾ [نوح: ١٢] ﴿ما لَكم لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وقارًا﴾ [نوح: ١٣] ﴿وقَدْ خَلَقَكم أطْوارًا﴾ [نوح: ١٤] ﴿قالَ﴾ أيْ: نُوحٌ بَعْدَ أنْ بَذَلَ غايَةَ الجُهْدِ، وضاقَتْ عَلَيْهِ الحِيَلُ، في تِلْكَ المُدَدِ الطِّوالِ، ﴿رَبِّ إنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي﴾ أيْ: إلى التَّوْحِيدِ والعَمَلِ الصّالِحِ ﴿لَيْلا ونَهارًا﴾ أيْ: دائِمًا بِلا فُتُورٍ ولا تَوانٍ. ﴿فَلَمْ يَزِدْهم دُعائِي إلا فِرارًا﴾ [نوح: ٦] أيْ: مِنَ الحَقِّ الَّذِي أرْسَلْتَنِي بِهِ. ﴿وإنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ﴾ [نوح: ٧] أيْ: إلى الإيمانِ ﴿لِتَغْفِرَ لَهُمْ﴾ [نوح: ٧] أيْ: بِسَبَبِهِ ﴿جَعَلُوا أصابِعَهم في آذانِهِمْ﴾ [نوح: ٧] أيْ: سَدُّوا مَسامِعَهم مِنَ اسْتِماعِ الدَّعْوَةِ ﴿واسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ﴾ [نوح: ٧] أيْ: تَغَطَّوْا بِها مِن كَراهَةِ النَّظَرِ إلى وجْهِ مَن يَنْصَحُهم في الدِّينِ ﴿وأصَرُّوا﴾ [نوح: ٧] أيْ: عَلى الشَّرِّ والكُفْرِ ﴿واسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبارًا﴾ [نوح: ٧] أيْ: تَعاظَمُوا عَنِ الإذْعانِ لِلْحَقِّ، وقَبُولِ ما دَعَوْتُهم إلَيْهِ مِنَ النَّصِيحَةِ. ﴿ثُمَّ إنِّي دَعَوْتُهم (p-٥٩٣٥)جِهارًا﴾ [نوح: ٨] ﴿ثُمَّ إنِّي أعْلَنْتُ لَهم وأسْرَرْتُ لَهم إسْرارًا﴾ [نوح: ٩] أيْ: دَعْوَتُهم مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، عَلى وُجُوهٍ مُتَنَوِّعَةٍ، ما بَيْنَ مُجاهَرَةٍ وإظْهارٍ بِلا خَفاءٍ، وما بَيْنَ إعْلانٍ وصِياحٍ بِهِمْ، وما بَيْنَ إسْرارٍ فِيما بَيْنِي وبَيْنَهم في خَفاءٍ. وهَذِهِ المَراتِبُ أقْصى ما يُمْكِنُ لِلْآمِرِ بِالمَعْرُوفِ والنّاهِي عَنِ المُنْكَرِ. ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ [نوح: ١٠] أيْ: سَلُوهُ العَفْوَ عَمّا سَلَفَ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ ﴿إنَّهُ كانَ غَفّارًا﴾ [نوح: ١٠] أيْ: لِذُنُوبِ مَن تابَ وأنابَ. ﴿يُرْسِلِ السَّماءَ﴾ [نوح: ١١] أيِ: المَطَرَ ﴿عَلَيْكم مِدْرارًا﴾ [نوح: ١١] أيْ: مُتَتابِعًا. ﴿ويُمْدِدْكم بِأمْوالٍ وبَنِينَ﴾ [نوح: ١٢] أيْ: فَيُكْثِرُها عِنْدَكم ﴿ويَجْعَلْ لَكم جَنّاتٍ ويَجْعَلْ لَكم أنْهارًا﴾ [نوح: ١٢] أيْ: لِسُقْيا جَنّاتِكم ومَزارِعِكم. ﴿ما لَكم لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وقارًا﴾ [نوح: ١٣] أيْ: لا تَرَوْنَ لَهُ عَظَمَةً؛ إذْ تُشْرِكُونَ مَعَهُ ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ، فَنَفْيُ الرَّجاءِ مُرادٌ بِهِ نَفْيُ لازِمِهِ، وهو الِاعْتِقادُ، مُبالَغَةً. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الرَّجاءُ بِمَعْنى الخَوْفِ؛ أيْ: ما لَكم لا تَخافُونَ عَظَمَةَ اللَّهِ. ومِنهُ قَوْلُهُ: ؎إذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها قالَ الشِّهابُ: وهو أظْهَرُ. (p-٥٩٣٦)﴿وقَدْ خَلَقَكم أطْوارًا﴾ [نوح: ١٤] أيْ: تاراتٍ تُرابًا ثُمَّ نُطَفًا ثُمَّ عَلَقًا ثُمَّ مُضَغًا ثُمَّ أجِنَّةً، وهَكَذا طَوْرًا بَعْدَ طَوْرٍ. أيْ: ومُقْتَضى عِلْمِ ذَلِكَ شِدَّةُ الرَّهْبَةِ مِن بَطْشِهِ وأخْذِهِ، لِعَظِيمِ قُدْرَتِهِ. هَذا في أنْفُسِكم. وهَكَذا يُسْتَدَلُّ عَلى باهِرِ عَظَمَتِهِ، وقاهِرِ قُدْرَتِهِ مِن آياتِهِ الكَوْنِيَّةِ. كَما قالَ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب