الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٨٥] ﴿وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْبًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكم فَأوْفُوا الكَيْلَ والمِيزانَ ولا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهم ولا تُفْسِدُوا في الأرْضِ بَعْدَ إصْلاحِها ذَلِكم خَيْرٌ لَكم إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
﴿وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْبًا﴾ " أيْ وأرْسَلْنا إلَيْهِمْ. قالَ ابْنُ إسْحاقَ: هم مِن سُلالَةِ مَدْيَنَ بْنِ إبْراهِيمَ، وشُعَيْبٌ هو ابْنُ مِيكَيْلَ بْنِ يَشْجُرَ بْنِ مَدْيَنَ.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: مَدْيَنُ تُطْلَقُ عَلى القَبِيلَةِ وعَلى المَدِينَةِ الَّتِي بِقُرْبِ مَعانٍ مِن طَرِيقِ الحِجازِ وهم أصْحابُ الأيْكَةِ.
﴿قالَ يا قَوْمِ﴾ " أيِ: الَّذِينَ أحَبَّ كَمالَهم دِينًا ودُنْيا: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ﴾ وهَذِهِ دَعْوَةُ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ كَما قَدَّمْنا ﴿قَدْ جاءَتْكم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُمْ﴾ أيْ ما تَبَيَّنَ بِهِ الحَقُّ مِنَ الباطِلِ. يَعْنِي دَعْوَتَهُ وإرْشادَهُ، ومِن هُنا قالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِالبَيِّنَةِ مَجِيءُ شُعَيْبٍ، وأنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ آيَةٌ إلّا النُّبُوَّةَ، ومَن فَسَّرَ البَيِّنَةَ بِالحُجَّةِ والبُرْهانِ والمُعْجِزَةِ المَحْسُوسَةِ ذَهابًا إلى أنَّ النَّبِيَّ لَمّا كانَ يَدْعُو إلى شَرْعٍ يُوجِبُ قَبُولَهُ، فَلا بُدَّ مِن دَلِيلٍ يُعْلَمُ صِدْقُهُ بِهِ، وما ذاكَ إلّا المُعْجِزَةُ. قالَ: إنَّ مُعْجِزَةَ شُعَيْبٍ لَمْ تُذْكَرْ في القُرْآنِ، ولَيْسَتْ كُلُّ آياتِ الأنْبِياءِ مَذْكُورَةً في القُرْآنِ. ولا يَخْفى أنَّ البَيِّنَةَ أعَمُّ مِنَ المُعْجِزَةِ بِعُرْفِهِمْ، فَكُلُّ مَن أبْطَلَتْ شُبْهَةٌ ضَلالَهُ، وأظْهَرَتْ لَهُ حُجَّةَ الحَقِّ الَّذِي يُدْعى إلَيْهِ فَقَدْ جاءَتْهُ البَيِّنَةُ. لِأنَّ حَقِيقَةَ البَيِّنَةِ كُلُّ ما يُبَيِّنُ الحَقَّ، فاحْفَظْهُ.
قالَ الجَشْمِيُّ: واخْتَلَفُوا، فَقِيلَ: لا يَجُوزُ أنْ يُبْعَثَ إلّا ومَعَهُ شَرْعٌ - عَنْ أبِي هاشِمٍ -. وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يَدْعُوَ إلى ما في العَقْلِ -عَنْ أبِي عَلِيٍّ - انْتَهى.
(p-٢٨١١)وقَدْ دَلَّتِ الآياتُ هَذِهِ عَلى أنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلامُ، دَعاهم إلى التَّوْحِيدِ والشَّرائِعِ، عَلى ما جَرَتْ بِهِ عادَةُ الرُّسُلِ، فَمِنها قَوْلُهُ: ﴿فَأوْفُوا الكَيْلَ والمِيزانَ﴾ أيْ: فَأتِمُّوهُما لِلنّاسِ بِإعْطائِهِمْ حُقُوقَهُمْ: ﴿ولا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ﴾ أيْ: لا تُنْقِصُوهم حُقُوقَهم فَلا تَخُونُوا النّاسَ في أمْوالِهِمْ، وتَأْخُذُوها عَلى وجْهِ البَخْسِ، وهو نَقْصُ المِكْيالِ والمِيزانِ خُفْيَةً وتَدْلِيسًا كَما قالَ تَعالى: ﴿ويْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾ [المطففين: ١] إلى قَوْلِهِ: ﴿لِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [المطففين: ٦]
يُقالُ: بَخَسَهُ حَقَّهُ أيْ: نَقَصَهُ إيّاهُ، وظَلَمَهُ فِيهِ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كانُوا يَبْخَسُونَ النّاسَ كُلَّ شَيْءٍ في مُبايَعاتِهِمْ، أوْ كانُوا مَكّاسِينَ لا يَدَعُونَ شَيْئًا إلّا مَكَسُوهُ. قالَ زُهَيْرٌ:
؎أفِي كُلِّ أسْواقِ العِراقِ إتاوَةٌ وفي كُلِّ ما باعَ امْرُؤٌ مَكْسُ دِرْهَمِ
قالَ القاضِي: وإنَّما قالَ ﴿أشْياءَهُمْ﴾ " لِلتَّعْمِيمِ، تَنْبِيهًا عَلى أنَّهم كانُوا يَبْخَسُونَ الجَلِيلَ والحَقِيرَ والقَلِيلَ والكَثِيرَ -انْتَهى.
والنَّهْيُ عَنِ النَّقْصِ يُوجِبُ الأمْرَ بِالإيفاءِ. فَقِيلَ: في فائِدَةِ التَّصْرِيحِ بِالمَنهِيِّ عَنْهُ بَيانٌ لِقُبْحِهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَبْخَسُوا﴾ " الآيَةَ، قالَ: أيْ لا تُسَمُّوا لَهم شَيْئًا، وتُعْطُوا لَهم غَيْرَ ذَلِكَ. ودَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ إيفاءَ الكَيْلِ والمِيزانِ واجِبٌ عَلى حَسَبِ ما يُعْتادُ في صِفَةِ الكَيْلِ والوَزْنِ ﴿ولا تُفْسِدُوا في الأرْضِ﴾ " أيْ: بِالكُفْرِ والظُّلْمِ ﴿بَعْدَ إصْلاحِها﴾ " أيْ: بَعْدَ ما أصْلَحَ أمْرَها وأهْلَها الأنْبِياءُ، وأتْباعُهُمُ الصّالِحُونَ العامِلُونَ بِشَرائِعِهِمْ مِن وضْعِ الكَيْلِ والوَزْنِ والحُدُودِ والأحْكامِ، ﴿ذَلِكُمْ﴾ " إشارَةٌ إلى العَمَلِ بِما أُمِرُوا بِهِ ونُهُوا عَنْهُ ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ " في الحالِ لِتَوَجُّهِ النّاسِ إلَيْكم بِسَبَبِ حُسْنِ الأُحْدُوثَةِ، وفي المَآلِ ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ " أيْ: مُصَدِّقِينَ قَوْلِي.
(p-٢٨١٢)
{"ayah":"وَإِلَىٰ مَدۡیَنَ أَخَاهُمۡ شُعَیۡبࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۖ قَدۡ جَاۤءَتۡكُم بَیِّنَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡۖ فَأَوۡفُوا۟ ٱلۡكَیۡلَ وَٱلۡمِیزَانَ وَلَا تَبۡخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشۡیَاۤءَهُمۡ وَلَا تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَـٰحِهَاۚ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق