الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٨١] ﴿إنَّكم لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِن دُونِ النِّساءِ بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ ﴿إنَّكم لَتَأْتُونَ الرِّجالَ﴾ " أيِ الَّذِينَ خَلَقَهُمُ اللَّهُ لِيَأْتُوا النِّساءَ، لا لِيَأْتِيَهُمُ الرِّجالُ. (p-٢٨٠١)وقُرِئَ بِهَمْزَتَيْنِ صَرِيحَتَيْنِ، وبِتَلْيِينِ الثّانِيَةِ، بِغَيْرِ مَدٍّ وبِمَدٍّ أيْضًا. وفي زِيادَةِ (إنَّ) و(اللّامِ) مَزِيدُ تَوْبِيخٍ وتَقْرِيعٍ، كَأنَّ ذَلِكَ أمْرٌ لا يَتَحَقَّقُ صُدُورُهُ عَنْ أحَدٍ. وفي إيرادِ لَفْظِ (الرِّجالِ) دُونَ الغِلْمانِ والمُرْدانِ ونَحْوِهِما، مُبالَغَةً في التَّوْبِيخِ وتَأْتُونَ، مِن (أتى المَرْأةَ) إذا غَشِيَها. قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وفِي (تاجِ العَرُوسِ): أتى الفاحِشَةَ: تَلَبُّسَ بِها، ويُكَنّى بِالإتْيانِ عَنِ الوَطْءِ، وهو مِن أحْسَنِ الكِناياتِ، ورَجُلٌ مَأْتِيٌّ أُتِيَ فِيهِ، ومِنهُ قَوْلُ بَعْضِ المُوَلَّدِينَ: ؎يَأْتِي ويُؤْتى لَيْسَ يُنْكِرُ ذا ولا هَذا كَذَلِكَ إبْرَةُ الخَيّاطِ انْتَهى. وقَوْلُهُ تَعالى ﴿شَهْوَةً﴾ " مَفْعُولٌ لَهُ، أيْ لِلِاشْتِهاءِ، أيْ لا حامِلَ لَكم عَلَيْهِ إلّا مُجَرَّدُ الشَّهْوَةِ مِن غَيْرِ داعٍ آخَرَ، ولا ذَمَّ أعْظَمُ مِنهُ، لِأنَّهُ وصْفٌ لَهم بِالبَهِيمِيَّةِ، وأنَّهُ لا داعِيَ لَهم مِن جِهَةِ العَقْلِ البَتَّةَ، كَطَلَبِ النَّسْلِ ونَحْوِهِ، أوْ حالٌ، بِمَعْنى مُشْتَهِينَ تابِعِينَ لِلشَّهْوَةِ، غَيْرَ مُلْتَفِتِينَ إلى السَّماحَةِ. كَذا في (الكَشّافِ). ﴿مِن دُونِ النِّساءِ﴾ " أيْ: مُجاوِزِينَ عَنْ مَواتاةِ النِّساءِ اللّاتِي خُلِقْنَ لِذَلِكَ. قالَ أبُو السُّعُودِ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِن قَوْلِهِ ﴿شَهْوَةً﴾ " الإنْكارَ عَلَيْهِمْ، وتَقْرِيعَهم عَلى اشْتِهائِهِمْ تِلْكَ الفِعْلَةَ الخَبِيثَةَ المَكْرُوهَةَ، كَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿مِن دُونِ النِّساءِ﴾ " أيْ: مُتَجاوِزِينَ النِّساءَ اللّاتِي هُنَّ مَحالُّ الِاشْتِهاءِ كَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُنَّ أطْهَرُ لَكُمْ﴾ [هود: ٧٨] ﴿بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ إضْرابٌ عَنِ الإنْكارِ إلى الإخْبارِ عَنْهم بِالحالِ الَّتِي تُوجِبُ ارْتِكابَ القَبائِحِ، وتَدْعُو إلى اتِّباعِ الشَّهَواتِ. وهو أنَّهم قَوْمٌ عادَتُهُمُ الإسْرافُ، وتَجاوَزَ الحُدُودَ في كُلِّ شَيْءٍ، فَمِن ثَمَّ أسْرَفُوا في بابِ قَضاءِ الشَّهْوَةِ، حَتّى تَجاوَزُوا المُعْتادَ إلى غَيْرِ المُعْتادِ. ونَحْوِهِ: ﴿بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ﴾ [الشعراء: ١٦٦] كَذا في (الكَشّافِ).
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب