الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٦٩] ﴿أوَعَجِبْتُمْ أنْ جاءَكم ذِكْرٌ مِن رَبِّكم عَلى رَجُلٍ مِنكم لِيُنْذِرَكم واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكم خُلَفاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وزادَكم في الخَلْقِ بَسْطَةً فاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾
" ﴿أوَعَجِبْتُمْ أنْ جاءَكم ذِكْرٌ مِن رَبِّكم عَلى رَجُلٍ مِنكم لِيُنْذِرَكُمْ﴾ أيْ: (p-٢٧٧١)أيّامَ اللَّهِ ولِقاءَهُ، أيْ: لا تَعْجَبُوا واحْمَدُوا اللَّهَ عَلى ذَلِكم ﴿واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكم خُلَفاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ أيْ: خَلَفْتُمُوهم في مَساكِنِهِمْ، أوْ في الأرْضِ بِأنْ جَعَلَكم مُلُوكًا بَعْدَهُمْ، فَإنَّ شَدّادَ بْنَ عادٍ مِمَّنْ مَلَكَ مَعْمُورَةَ الأرْضِ، مِن رَمْلِ عالِجَ إلى شِحْرِ عُمانَ - كَذا قالُوا -: ﴿وزادَكم في الخَلْقِ بَسْطَةً﴾ " أيْ: قامَةً وقُوَّةً. ﴿فاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ﴾ " أيْ: في اسْتِخْلافِكُمْ، وبَسْطَةِ أجْرامِكُمْ، وما سِواهُما مِن عَطاياهُ، لِتُخَصِّصُوهُ بِالعِبادَةِ ﴿لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ " أيْ تَفُوزُونَ بِالفَلاحِ.
تَنْبِيهانِ:
الأوَّلُ: قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: في إجابَةِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، مَن نَسَبَهم إلى الضَّلالِ والسَّفاهَةِ، بِما أجابُوهم بِهِ مِنَ الكَلامِ الصّادِرِ عَنِ الحِلْمِ والإغْضاءِ، وتَرَكَ المُقابَلَةَ بِما قالُوا لَهُمْ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِأنَّ خُصُومَهم أضَلُّ النّاسِ وأسْفَهُهُمْ- أدَبٌ حَسَنٌ، وخُلُقٌ عَظِيمٌ. وحِكايَةُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ ذَلِكَ، تَعْلِيمٌ لِعِبادِهِ كَيْفَ يُخاطِبُونَ السُّفَهاءَ، وكَيْفَ يَغُضُّونَ عَنْهم ويَسْبُلُونَ أذْيالَهُمْ، عَلى ما يَكُونُ مِنهُمُ. انْتَهى.
وزادَ القاضِي: إنَّ في ذَلِكَ كَمالَ النُّصْحِ والشَّفَقَةِ، وهَضْمَ النَّفْسِ وحُسْنَ المُجادَلَةِ قالَ: وهَكَذا يَنْبَغِي لِكُلِّ ناصِحٍ. انْتَهى.
الثّانِي: لا يَعْتَمِدُ عَلى ما يَذْكُرُهُ بَعْضُ المُؤَرِّخِينَ المُولَعِينَ بِنَقْلِ الغَرائِبِ، بِدُونِ وضْعِها عَلى مِحَكِّ النَّظَرِ والنَّقْدِ، مِنَ المُبالَغَةِ في طُولِ قَوْمِ عادٍ، وضَخامَةِ أجْسامِهِمْ، وأنَّ أطْوَلَهم كانَ مِائَةَ ذِراعٍ، وأقْصَرَهم كانَ سِتِّينَ ذِراعًا، فَإنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ ولا نَقْلِيٌّ، وهو وهْمٌ.
وأمّا قَوْلُهُ جَلَّ شَأْنُهُ مُخاطِبًا لِقَوْمِ عادٍ: ﴿وزادَكم في الخَلْقِ بَسْطَةً﴾ فَإنَّهُ لا يَدُلُّ عَلى ما أرادُوا، وإنَّما يَدُلُّ عَلى عِظَمِ أجْسامِهِمْ وقُوَّتِهِمْ وشِدَّتِها. وهَذا مِنَ الأُمُورِ المُعْتادَةِ، فَإنَّ الأُمَمَ لَيْسَتْ مُتَساوِيَةً في ضَخامَةِ الجِسْمِ وطُولِهِ وقُوَّتِهِ، بَلْ تَتَفاوَتُ لَكِنَّ تَفاوُتًا قَرِيبًا.
ومِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّ أجْسامَ مَن سَلَفَ كَأجْسامِنا، لا تَتَفاوَتُ عَنْها تَفاوُتًا كَبِيرًا، مَساكِنُ ثَمُودَ (p-٢٧٧٢)قَوْمِ صالِحٍ الباقِيَةُ، وآثارُهُمُ البادِيَةُ، ومِثْلُهُ، بَلْ أعْرَقُ مِنهُ في الوَهْمِ، ما يَنْقُلُونَهُ في وصْفِ عِوَجِ بْنِ عُنُقِ الجَبّارِ مَلِكِ بِيسانَ، مِن أنَّهُ كانَ يَحْتَجِزُ بِالسَّحابِ ويَشْرَبُ مِنهُ مِن طُولِهِ، ويَتَناوَلُ الحُوتَ مِن قَرارِ البَحْرِ، فَيَشْوِيهِ بِعَيْنِ الشَّمْسِ، يَرْفَعُهُ إلَيْها. والحالُ أنَّ الشَّمْسَ كَوْكَبٌ لا مِزاجَ لَهُ مِن حَرٍّ أوْ بَرْدٍ، وإنَّما حَرارَتُها مِنِ انْعِكاسِ شُعاعِها، بِمُقابَلَةِ سَطْحِ الأرْضِ والهَواءِ، فَشِدَّةُ حَرارَتِها في الأرْضِ، وتَتَناقُصُ الحَرارَةِ فِيما عَلا عَنْها بِمِقْدارِ الِارْتِفاعِ.
وقَدْ أنْكَرَ العَلّامَةُ ابْنُ خَلْدُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ في (مُقَدِّمَةِ تارِيخِهِ)، وأبانَ أنَّ الَّذِي أدْخَلَ الوَهْمَ عَلى النّاسِ في طُولِ الأقْدَمِينَ هو ما يُشاهِدُونَهُ مِن بَعْضِ آثارِهِمُ الجِسْمِيَّةِ، ومَصانِعِهِمُ العَظِيمَةِ، كَأهْرامِ مِصْرَ وإيوانِ كِسْرى، فَيَتَخَيَّلُونَ لِأصْحابِها أجْسامًا تُناسِبُ ذَلِكَ.
والحالُ أنَّ عِظَمَ هَذِهِ المَصانِعِ والآثارِ في أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ ناشِئٌ عَنْ عِظَمِ ذَواتِها، واتِّساعِ مَمالِكِها، وقُوَّةِ شَوْكَتِها، ونَماءِ ثَرْوَتِها، واسْتِعانَتِها بِالماهِرِينَ في فَنِّ جَرِّ الأثْقالِ، فَإنَّهُ يَقُومُ بِحَمْلِ ما تَعْجِزُ القُوى البَشَرِيَّةُ عَنْ عُشْرِ مِعْشارِهِ. وأنْكَرَ أيْضًا ما يَنْقُلُونَ مِن قِصَّةِ جَنَّةِ عادٍ، وأنَّها مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ قُصُورُها مِنَ الذَّهَبِ، وأساطِينُها مِنَ الزَّبَرْجَدِ والياقُوتِ، وفِيها أصْنافُ الشَّجَرِ والأنْهارِ المُطَّرِدَةِ، وأنَّها بُنِيَتْ في مُدَّةِ ثَلاثِمِائَةِ سَنَةٍ في صَحارى عَدَنَ، بَناها شَدّادُ بْنُ عادٍ حَيْثُ سَمِعَ وصْفَ الجَنَّةِ. وأنَّها لَمّا تَمَّ بِناؤُها، أرْسَلَ اللَّهُ عَلى أهْلِها صَيْحَةً، فَهَلَكُوا كُلُّهُمْ، وأنَّ اسْمَها (إرَمُ ذاتُ العِمادِ)، وأنَّها المُشارُ إلَيْها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ﴾ [الفجر: ٦] ﴿إرَمَ ذاتِ العِمادِ﴾ [الفجر: ٧] ﴿الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها في البِلادِ﴾ [الفجر: ٨] ويَزْعُمُونَ أنَّها لَمْ تَزَلْ باقِيَةً في بِلادِ اليَمَنِ، وإنَّما حُجِبَتْ عَنِ الأبْصارِ. وحَيْثُ إنَّ ذَلِكَ لَمْ يُرْوَ عَنِ الصّادِقِ الأمِينِ فَلا نُعَوِّلُ عَلَيْهِ، ولا نَلْتَفِتُ إلَيْهِ، وأغْلَبُ المُولَعِينَ بِنَقْلِ مِثْلِ هَذِهِ الغَرائِبِ المُصَنَّعَةِ، هُمُ المُؤَرِّخُونَ الَّذِينَ يَعْتَمِدُونَ عَلى أخْبارِ بَنِي إسْرائِيلَ ويُقَلِّدُونَهم مِن غَيْرِ بُرْهانٍ ودَلِيلٍ، واللَّهُ الهادِي إلى سَواءِ السَّبِيلِ -كَذا أفادَهُ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ-.
ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى عَنْ تَمَرُّدِ عادٍ وطُغْيانِهِمْ وإنْكارِهِمْ عَلى هُودٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
(p-٢٧٧٣)
{"ayah":"أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَاۤءَكُمۡ ذِكۡرࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلࣲ مِّنكُمۡ لِیُنذِرَكُمۡۚ وَٱذۡكُرُوۤا۟ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَاۤءَ مِنۢ بَعۡدِ قَوۡمِ نُوحࣲ وَزَادَكُمۡ فِی ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةࣰۖ فَٱذۡكُرُوۤا۟ ءَالَاۤءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق