الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٩٨] ﴿وإنْ تَدْعُوهم إلى الهُدى لا يَسْمَعُوا وتَراهم يَنْظُرُونَ إلَيْكَ وهم لا يُبْصِرُونَ﴾ " ﴿وإنْ تَدْعُوهم إلى الهُدى لا يَسْمَعُوا﴾ إذْ لَيْسَ لَهم سَمْعٌ، وإنْ صَوَّرْتَ لَهُمُ الآذانَ، كَما أنَّهُ لا بَصَرَ لَهُمْ، وإنْ صَوَّرْتَ لَهُمُ الأعْيُنَ. كَما قالَ: ﴿وتَراهم يَنْظُرُونَ إلَيْكَ﴾ إذْ صَوَّرْتَ لَهُمُ الأعْيُنَ " ﴿وهم لا يُبْصِرُونَ﴾ لِأنَّهم جَمادٌ عُومِلُوا مُعامَلَةَ مَن يَعْقِلُ، فَعَبَّرَ عَنْهم بِضَمِيرِهِ، لِأنَّهم عَلى صُوَرٍ مُصَوَّرَةٍ كالإنْسانِ، وهَذا مِن تَمامِ التَّعْلِيلِ، لِعَدَمِ مُبالاتِهِ بِهِمْ، فَلا تَكْرارَ. وقالَ السُّدِّيُّ: المُرادُ بِهَذا (المُشْرِكُونَ)، ورُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ نَحْوُهُ، أيْ وإنْ كانُوا يَنْظُرُونَ إلَيْكَ، فَإنَّهم لا يَنْتَفِعُونَ بِالنَّظَرِ والرُّؤْيَةِ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: والأوَّلُ أوْلى، وهو اخْتِيارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وقالَهُ قَتادَةُ، أيْ تَفْصِّيًا مِنَ التَّفْكِيكِ، لِأنَّ المُحَدَّثَ عَنْهُمُ الأصْنامُ. تَنْبِيهٌ: مِن غَرائِبِ اسْتِنْباطِ المُعْتَزِلَةِ قَوْلُهم في هَذِهِ الآيَةِ -والعِبارَةُ لِلْجَشْمِيِّ - ما مِثالُهُ: تَدُلُّ (p-٢٩٢٩)الآيَةُ عَلى أنَّ النَّظَرَ غَيْرُ الرُّؤْيَةِ، وأنَّهُ لا يَقْتَضِي الرُّؤْيَةَ، لِذَلِكَ أثْبَتَهم ناظِرِينَ غَيْرَ رائِينَ. قالَ: ومِثْلُهُ قَوْلُهم نَظَرْتُ إلى الهِلالِ فَلَمْ أرَهُ. ويُقَسِّمُونَ النَّظَرَ إلى وُجُوهٍ، ولا تَنْقَسِمُ الرُّؤْيَةُ. قالَ: فَبَطَلَ قَوْلُ مَن يَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢] ﴿إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٣] يَقْتَضِي الرُّؤْيَةَ. انْتَهى. ولا يَخْفى أنَّ الأصْلَ في إطْلاقِ النَّظَرِ هو الرُّؤْيَةُ والإبْصارُ، ولِذَلِكَ تَتَعاقَبُ في هَذا المَعْنى، وتَتَرادَفُ كَثِيرًا، وانْفِكاكُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ في هَذِهِ الآيَةِ لِقَرِينَةِ كَوْنِ المُحَدَّثِ عَنْهم جَمادًا، ولا قَرِينَةَ في الآيَةِ لِتُقاسَ عَلى ما هُنا، دَعْ ما صَحَّ مِنَ الأخْبارِ في وُقُوعِها، مِمّا هو بَيانٌ لَها -فافْهَمْ-. ثُمَّ أمَرَ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ بِالصَّفْحِ عَنِ المُشْرِكِينَ إذا جادَلُوهُ في شُرَكائِهِمْ بَعْدَ هَذا البَيانِ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب