الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٨] ﴿قالَ اخْرُجْ مِنها مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَن تَبِعَكَ مِنهم لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكم أجْمَعِينَ﴾ ﴿قالَ اخْرُجْ مِنها مَذْءُومًا﴾ " بِالهَمْزَةِ في القِراءَةِ المَشْهُورَةِ، مِن (ذَأمَهُ)، إذا حَقَّرَهُ وذَمَّهُ، وقُرِئَ " مَذُومًا " بِذالٍ مَضْمُومَةٍ وواوٍ ساكِنَةٍ، وهي تَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ المَهْمُوزِ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الهَمْزَةِ إلى السّاكِنِ ثُمَّ حَذْفِها، وأنْ تَكُونَ مِنَ المُعْتَلِّ، وكانَ قِياسُهُ (مَذِيمٌ) كَمَبِيعٍ، إلّا أنَّهُ أُبْدِلَتِ الواوُ مِنَ الياءِ، عَلى حَدِّ قَوْلِهِمْ (مَكُولٌ) في مَكِيلٍ، و(مَشُوبٌ) في مَشِيبٍ. ﴿مَدْحُورًا﴾ " مَقْصِيًّا مَطْرُودًا ﴿لَمَن تَبِعَكَ مِنهُمْ﴾ " اللّامُ فِيهِ، لِتَوْطِئَةِ القَسَمِ، وجَوابُهُ ﴿لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكم أجْمَعِينَ﴾ "، أيْ: لَمَن أطاعَكَ مِنَ الجِنِّ والإنْسِ، لَأمْلَأنَّ جَهَنَّمَ مِن كُفّارِكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنهم فَإنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكم جَزاءً مَوْفُورًا﴾ [الإسراء: ٦٣] قالَ الجَشْمِيُّ: وإنَّما قالَ ذَلِكَ لِأنَّهُ لا يَكُونُ في جَهَنَّمَ إلّا إبْلِيسُ وحِزْبَهُ مِنَ الشَّياطِينِ، وكُفّارُ الإنْسِ وفُسّاقُهُمُ، الَّذِينَ انْقادُوا لَهُ وتَرَكُوا أمْرَ اللَّهِ لِأمْرِهِ، فَجَمَعَهم في الخِطابِ، ومَتى قِيلَ: لِمَ ضَيَّقَ جَهَنَّمَ ووَسَّعَ الجَنَّةَ؟ قُلْنا: لِأنَّ جَهَنَّمَ حَبْسٌ، والجَنَّةَ دارُ مُلْكٍ. ومَتى قِيلَ: فَما الفائِدَةُ في قَوْلِهِ: ﴿لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ﴾ قُلْنا: لُطْفًا لِيَكُونَ المُكَلَّفُ تَبَعًا لِلْأنْبِياءِ دُونَ الشَّياطِينِ، ولُطْفًا لِإبْلِيسَ وحِزْبِهِ، لِأنَّهُ غايَةٌ في الزَّجْرِ والنَّهْيِ. تَنْبِيهٌ: قالَ الجَشْمِيُّ: تَدُلُّ الآيَةُ عَلى الوَعِيدِ لِمَن تَبِعَ إبْلِيسَ، وأنَّهُ يَمْلَأُ جَهَنَّمَ مِنهم. ولا بُدَّ فِيهِ مِن شَرْطٍ، وهو أنْ لا يَتُوبَ، أوْ لا يَكُونَ مَعَهُ طاعَةٌ أعْظَمُ. وتَدُلُّ عَلى إذْلالِ إبْلِيسَ وطَرْدِهِ ولَعْنِهِ بِسَبَبِ عِصْيانِهِ، تَحْذِيرًا عَنْ مِثْلِ حالِهِ. (p-٢٦٣٩)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب