الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٤٨] ﴿واتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِن بَعْدِهِ مِن حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ ألَمْ يَرَوْا أنَّهُ لا يُكَلِّمُهم ولا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا اتَّخَذُوهُ وكانُوا ظالِمِينَ﴾
" ﴿واتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِن بَعْدِهِ مِن حُلِيِّهِمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوارٌ﴾ يُخْبِرُ تَعالى عَنْ (p-٢٨٥٧)ضَلالِ مَن ضَلَّ مِن بَنِي إسْرائِيلَ في عِبادَتِهِمُ العِجْلَ الَّذِي اتَّخَذَهُ لَهُمُ السّامِرِيُّ مِن حُلِيِّ القِبْطِ، الَّذِي كانُوا اسْتَعارُوهُ مِنهُمْ، فَشَكَّلَ لَهم مِنهُ عِجْلًا، جَسَدًا لا رُوحَ فِيهِ، وقَدِ احْتالَ بِإدْخالِ الرِّيحِ فِيهِ، حَتّى صارَ يُسْمَعُ لَهُ خُوارٌ، أيْ صَوْتٌ كَصَوْتِ البَقَرِ، وإنَّما أضافَ الصَّوْتَ إلَيْهِ، لِأنَّهُ كانَ مَحَلَّهُ عِنْدَ دُخُولِ الرِّيحِ جَوْفَهُ، وكانَ هَذا مِنهم بَعْدَ ذَهابِ مُوسى لِمِيقاتِ رَبِّهِ تَعالى وأعْلَمَهُ اللَّهُ تَعالى بِذَلِكَ وهو عَلى الطُّورِ، حَيْثُ يَقُولُ إخْبارًا عَنْ نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ: ﴿فَإنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وأضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ [طه: ٨٥]
لَطائِفُ:
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: لِمَ قِيلَ " واتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى عِجْلًا " والمُتَّخِذُ هو السّامِرِيُّ ؟ قُلْتُ: فِيهِ وجْهانِ:
أحَدُهُما: أنْ يَنْسُبَ الفِعْلَ إلَيْهِمْ، لِأنَّ رَجُلًا مِنهم باشَرَهُ، ووُجِدَ فِيما بَيْنُ ظَهْرانِيهِمْ، كَما يُقالُ: (بَنُو تَمِيمٍ قالُوا كَذا وفَعَلُوا كَذا) والقائِلُ والفاعِلُ واحِدٌ. ولِأنَّهم كانُوا مُرِيدِينَ لِاتِّخاذِهِ، راضِينَ لَهُ، فَكَأنَّهم أجْمَعُوا عَلَيْهِ.
والثّانِي: أنْ يُرادَ: واتَّخَذُوهُ إلَهًا وعَبَدُوهُ. فَإنْ قُلْتَ: لِمَ قالَ " ﴿مِن حُلِيِّهِمْ﴾ ولَمْ يَكُنِ الحُلِيُّ لَهُمْ، إنَّما كانَتْ عَوارى في أيْدِيهِمْ؟ قُلْتُ: الإضافَةُ تَكُونُ بِأدْنى مُلابَسَةٍ وكَوْنُها في أيْدِيهِمْ عَوارى، كَفى بِهِ مُلابَسَةً، عَلى أنَّهم قَدْ مَلَكُوها بَعْدَ المُهْلِكِينَ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وأوْرَثْناها بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [الشعراء: ٥٩] انْتَهى.
قالَ النَّسَفِيُّ: وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ مَن حَلَفَ أنْ لا يَدْخُلَ دارَ فُلانٍ، فَدَخَلَ دارًا اسْتَعارَها يَحْنَثُ، وأنَّ الِاسْتِيلاءَ عَلى أمْوالِ الكُفّارِ يُوجِبُ زَوالَ مِلْكِهِمْ عَنْها. انْتَهى.
والحُلِيُّ بِضَمِّ الحاءِ والتَّشْدِيدِ، جَمَعَ (حَلْيٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، كَ(ثَدْيٍ وثُدِيٍّ)، وهو اسْمٌ لِما يَتَحَسَّنُ بِهِ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ.
(p-٢٨٥٨)وقَوْلُهُ تَعالى: " ﴿ألَمْ يَرَوْا أنَّهُ لا يُكَلِّمُهم ولا يَهْدِيهِمْ سَبِيلا﴾ تَقْرِيعٌ عَلى فَرْطِ ضَلالِهِمْ وإخْلالِهِمْ بِالنَّظَرِ، والمَعْنى: ألَمْ يَرَوْا، حِينَ اتَّخَذُوهُ إلَهًا، أنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى كَلامٍ، ولا عَلى إرْشادِ سَبِيلٍ، كَآحادِ البَشَرِ؟ فَهو جَمادٌ لا يَنْفَعُ ولا يَضُرُّ، فَكَيْفَ يَكُونُ إلَهًا؟
وقَوْلُهُ تَعالى " ﴿اتَّخَذُوهُ﴾ تَكْرِيرٌ لِتَأْكِيدِ الذَّمِّ، أيِ اتَّخَذُوهُ إلَهًا وعَبَدُوهُ " ﴿وكانُوا ظالِمِينَ﴾ أيْ: واضِعِينَ الأشْياءَ في غَيْرِ مَواضِعِها، والجُمْلَةُ إمّا اسْتِئْنافِيَّةٌ، أوِ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ لِلْإخْبارِ بِأنَّ ذَلِكَ دَأْبُهم وعادَتُهم قَبْلَ ذَلِكَ، فَلا يُنْكِرُ هَذا مِنهم. أوْ حالِيَّةٌ، أيِ: اتَّخَذُوهُ في هَذِهِ الحالَةِ المُسْتَقِرَّةِ لَهم.
تَنْبِيهٌ:
قالَ الجَشْمِيُّ: تَدُلُّ الآيَةُ عَلى صِحَّةِ الحِجاجِ في الدِّينِ، وأنَّهُ تَعالى دَلَّهُمْ، في بُطْلانِ اتِّخاذِ العِجْلِ إلَهًا، بِأنَّهُ لا يَتَكَلَّمُ ولا يَهْدِي، وإنَّما ذَكَرَ الكَلامَ لِأنَّ الخُوارَ تَنْفَدُ فِيهِ الحِيلَةُ، ولا تَنْفَدُ في الكَلامِ. وتَدُلُّ عَلى أنَّ إزالَةَ الشُّبَهِ في الدِّينِ واجِبٌ، كَما أزالَها اللَّهُ تَعالى، وتَدُلُّ عَلى أنَّ القَوْمَ كانُوا جُهّالًا غَيْرَ عارِفِينَ حَقِيقَةَ الأشْياءِ، لِذَلِكَ عَبَدُوا العِجْلَ، وتَدُلُّ عَلى أنَّ تِلْكَ الحُلِيَّ كانَتْ مِلْكًا لِبَنِي إسْرائِيلَ لِذَلِكَ قالَ " ﴿حُلِيِّهِمْ﴾ فَإنْ ثَبَتَ أنَّهُمُ اسْتَعارُوهُ، فَيَدُلُّ عَلى زَوالِ مُلْكِهِمْ، وانْتِقالِ المِلْكِ إلى بَنِي إسْرائِيلَ كَما تُمْلَكُ أمْوالُ أهْلِ الحَرْبِ، وتَدُلُّ عَلى أنَّ الِاتِّخاذَ فِعْلُهم.
{"ayah":"وَٱتَّخَذَ قَوۡمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِنۡ حُلِیِّهِمۡ عِجۡلࣰا جَسَدࣰا لَّهُۥ خُوَارٌۚ أَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّهُۥ لَا یُكَلِّمُهُمۡ وَلَا یَهۡدِیهِمۡ سَبِیلًاۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُوا۟ ظَـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق