الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٨ - ١٦] ﴿فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ﴾ ﴿ودُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩] ﴿ولا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم: ١٠] ﴿هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم: ١١] ﴿مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أثِيمٍ﴾ [القلم: ١٢] ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ [القلم: ١٣] ﴿أنْ كانَ ذا مالٍ وبَنِينَ﴾ [القلم: ١٤] ﴿إذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [القلم: ١٥] ﴿سَنَسِمُهُ عَلى الخُرْطُومِ﴾ [القلم: ١٦]
﴿فَلا تُطِعِ المُكَذِّبِينَ﴾ أيْ: بِآياتِ اللَّهِ وما جاءَهم مِنَ الحَقِّ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَهْيِيجٌ وإلْهابٌ عَلى مُعاصاتِهِمْ.
﴿ودُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩] أيْ: ودُّوا لَوْ تَرْكَنُ إلى آلِهَتِهِمْ، وتَتْرُكُ ما أنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الحَقِّ، فَيُمالِئُونَكَ، رَواهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ، ثُمَّ قالَ: أيْ: لَوْ تَلِينُ لَهم في دِينِكَ بِإجابَتِكَ إيّاهم إلى الرُّكُونِ إلى آلِهَتِهِمْ، فَيَلِينُونَ لَكَ في عِبادَتِكَ إلَهَكَ، كَما قالَ جَلَّ ثَناؤُهُ: ﴿ولَوْلا أنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا﴾ [الإسراء: ٧٤] ﴿إذًا لأذَقْناكَ ضِعْفَ الحَياةِ وضِعْفَ المَماتِ﴾ [الإسراء: ٧٥]
(p-٥٨٩٥)وإنَّما هو مَأْخُوذٌ مِنَ الدُّهْنِ، شَبَّهَ التَّلْيِينَ في القَوْلِ بِتَلْيِينِ الدُّهْنِ.
﴿ولا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ﴾ [القلم: ١٠] أيْ: كَثِيرِ الحَلِفِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وكَفى بِهِ مَزْجَرَةً لِمَنِ اعْتادَ الحَلِفَ، ومِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعالى:
﴿ولا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيْمانِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٤]
﴿مَهِينٍ﴾ [القلم: ١٠] أيْ: حَقِيرِ الرَّأْيِ والتَّمْيِيزِ.
﴿هَمّازٍ﴾ [القلم: ١١] أيْ: عَيّابٍ طَعّانٍ. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: والهَمْزُ أصْلُهُ الغَمْزُ. فَقِيلَ لِلْمُغْتابِ: هَمّازٌ لِأنَّهُ يَطْعَنُ في أعْراضِ النّاسِ بِما يَكْرَهُونَ، وذَلِكَ غَمْزٌ عَلَيْهِمْ.
﴿مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم: ١١] أيْ: نَقّالٍ لِحَدِيثِ النّاسِ بَعْضِهِمْ في بَعْضٍ، لِلْإفْسادِ بَيْنَهم.
﴿مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ﴾ [القلم: ١٢] أيْ: بَخِيلٍ بِالمالِ، ضَنِينٍ بِهِ. والخَيْرُ المالُ. أوْ صادٌّ عَنِ الإسْلامِ.
﴿مُعْتَدٍ﴾ [القلم: ١٢] أيْ: عَلى النّاسِ مُتَجاوِزٍ في ظُلْمِهِمْ ﴿أثِيمٍ﴾ [القلم: ١٢] كَثِيرِ الآثامِ.
﴿عُتُلٍّ﴾ [القلم: ١٣] أيْ: جافٍ غَلِيظٍ دَعِيٍّ ﴿بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ [القلم: ١٣] أيْ: دَعِيٍّ مُلْصَقٍ في النَّسَبِ لَيْسَ مِنهُمْ، أوْ مُرِيبٍ يُعْرَفُ بِالشَّرِّ. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ومَعْنى " بَعْدَ " في هَذا المَوْضِعِ مَعْنى (مَعَ).
وقالَ الشِّهابُ: الإشارَةُ لِجَمِيعِ ما قَبْلَهُ مِنَ النَّقائِصِ لا لِلْأخِيرِ فَقَطْ؛ وهي لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ ما بَعْدَهُ أعْظَمُ في القَباحَةِ. فَ: " بَعْدَ " هُنا كَثُمَّ الدّالَّةِ عَلى التَّفاوُتِ الرُّتَبِيِّ، كَما مَرَّ في قَوْلِهِ: ﴿بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم: ٤] ﴿أنْ كانَ ذا مالٍ وبَنِينَ﴾ [القلم: ١٤] قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تُطِعْ﴾ [القلم: ١٠] يَعْنِي: ولا تُطِعْهُ مَعَ هَذِهِ المَثالِبِ؛ لِأنْ كانَ ذا مالٍ، أيْ: لِيَسارِهِ وحَظِّهِ مِنَ الدُّنْيا. ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِما بَعْدَهُ، عَلى مَعْنى: لِكَوْنِهِ مُتَمَوِّلًا مُسْتَظْهِرًا بِالبَنِينَ، كَذَّبَ بِآياتِنا ﴿إذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا﴾ [القلم: ١٥] أيْ: تُقْرَأُ عَلَيْهِ آياتُ كِتابِتا ﴿قالَ أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [القلم: ١٥] (p-٥٨٩٦)أيْ: هَذا مِمّا كَتَبَهُ الأوَّلُونَ، اسْتِهْزاءً بِهِ، وإنْكارًا مِنهُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِن عِنْدِ اللَّهِ.
وقَوْلُهُ: ﴿سَنَسِمُهُ عَلى الخُرْطُومِ﴾ [القلم: ١٦] عِدَةٌ مِنهُ تَعالى بِغايَةِ إذْلالِهِ، بَعْدَ تَناهِي كِبْرِهِ وعُجْبِهِ وزَهْوِهِ وعُتُوِّهِ. تَقُولُ العَرَبُ: وسَمْتُهُ بِمِيسَمِ السُّوءِ، يُرِيدُونَ أنَّهُ ألْصَقَ بِهِ مِنَ العارِ ما لا يُفارِقُهُ. قالَ جَرِيرٌ:
؎لَمّا وضَعْتُ عَلى الفَرَزْدَقِ مِيسَمِي وعَلى البُعَيْثِ جَدَعْتُ أنْفَ الأخْطَلِ
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الوَجْهُ أكْرَمُ مَوْضِعٍ في الجَسَدِ، والأنْفُ أكْرَمُ مَوْضِعٍ مِنَ الوَجْهِ، لِتَقَدُّمِهِ لَهُ، ولِذَلِكَ جَعَلُوهُ مَكانَ العِزِّ والحَمِيَّةِ، واشْتَقُّوا مِنهُ الأنَفَةَ، وقالُوا: الأنَفُ في الأنْفِ، وحَمى أنْفُهُ، وفُلانٌ شامِخُ العِرْنِينِ. وقالُوا في الذَّلِيلِ: جُدِعَ أنْفُهُ، ورَغِمَ أنْفُهُ. فَعَبَّرَ بِالوَسْمِ عَلى الخُرْطُومِ عَنْ غايَةِ الإذْلالِ والإهانَةِ؛ لِأنَّ السِّمَةَ عَلى الوَجْهِ شَيْنٌ وإذالَةٌ، فَكَيْفَ بِها عَلى أكْرَمِ مَوْضِعٍ مِنهُ؟ ولَقَدْ «وسَمَ العَبّاسُ أباعِرَهُ في وُجُوهِها، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أكْرِمُوا الوُجُوهَ»، فَوَسَمَها في جَواعِرِها». وقِيلَ: لَفْظُ الخُرْطُومِ اسْتِخْفافٌ بِهِ واسْتِهانَةٌ؛ لِأنَّ أصْلَ الخُرْطُومِ لِلْخِنْزِيرِ والفِيلِ. وقِيلَ: سَنُعَلِّمُهُ يَوْمَ القِيامَةِ بِعَلامَةٍ مُشَوِّهَةٍ يَبِينُ بِها عَنْ سائِرِ الكَفَرَةِ، كَما عادى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَداوَةً بانَ بِها عَنْهم. انْتَهى.
تَنْبِيهٌ:
قِيلَ: عَنى بِالآيَةِ الأخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ، قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وأصْلُهُ مِن ثَقِيفٍ، وعِدادُهُ في بَنِي زُهْرَةَ؛ أيْ: لِأنَّهُ التَحَقَ بِهِمْ حَتّى كانَ مِنهم في الجاهِلِيَّةِ؛ ولِذا سُمِّيَ زَنِيمًا لِلُصُوقِهِ بِالقَوْمِ، ولَيْسَ مِنهُمْ، وقِيلَ: هو الوَلِيدُ بْنِ المُغِيرَةِ، ادَّعاهُ أبُوهُ بَعْدَ ثَمانِي عَشْرَةَ مِن مَوْلِدِهِ.
(p-٥٨٩٧)
{"ayahs_start":8,"ayahs":["فَلَا تُطِعِ ٱلۡمُكَذِّبِینَ","وَدُّوا۟ لَوۡ تُدۡهِنُ فَیُدۡهِنُونَ","وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافࣲ مَّهِینٍ","هَمَّازࣲ مَّشَّاۤءِۭ بِنَمِیمࣲ","مَّنَّاعࣲ لِّلۡخَیۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِیمٍ","عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ زَنِیمٍ","أَن كَانَ ذَا مَالࣲ وَبَنِینَ","إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِ ءَایَـٰتُنَا قَالَ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ","سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلۡخُرۡطُومِ"],"ayah":"وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافࣲ مَّهِینٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











