الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٦ - ١١] ﴿ولِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وبِئْسَ المَصِيرُ﴾ ﴿إذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقًا وهي تَفُورُ﴾ [الملك: ٧] ﴿تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَألَهم خَزَنَتُها ألَمْ يَأْتِكم نَذِيرٌ﴾ [الملك: ٨] ﴿قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وقُلْنا ما نَـزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إنْ أنْتُمْ إلا في ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾ [الملك: ٩] ﴿وقالُوا لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ ما كُنّا في أصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١٠] ﴿فاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١١]
(p-٥٨٨٢)﴿ولِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وبِئْسَ المَصِيرُ﴾ أيِ: المَرْجِعُ ذَلِكَ العَذابُ المُحْرِقُ.
قالَ النّاصِرُ: هَذا مِنَ الِاسْتِطْرادِ؛ لَمّا ذَكَرَ وعِيدَ الشَّياطِينِ اسْتَطْرَدَ ذَلِكَ وعِيدَ الكافِرِينَ عُمُومًا.
﴿إذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقًا﴾ [الملك: ٧] أيْ: لِأهْلِها مِمَّنْ تَقَدَّمَ طَرْحُهم فِيها، الأصْواتُ المُنْكَرَةُ المُنافِيَةُ لِأصْواتِ الأناسِيِّ، أوْ لِأنْفُسِهِمْ؛ فَإنَّهم يَصْطَرِخُونَ فِيها بِأصْواتِ الحَيَواناتِ المُنْكَرَةِ الصَّوْتِ، كَقَوْلِهِ: ﴿لَهم فِيها زَفِيرٌ وشَهِيقٌ﴾ [هود: ١٠٦] أوَّلُها نَفْسُها، تَشْبِيهًا لِحَسِيسِها المُنْكَرِ الفَظِيعِ بِالشَّهِيقِ، وهو الصَّوْتُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الجَوْفِ بِشِدَّةٍ، كَصَوْتِ الحِمارِ.
﴿وهِيَ تَفُورُ﴾ [الملك: ٧] أيْ: تَغْلِي بِهِمْ وتَعْلُو.
﴿تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ﴾ [الملك: ٨] أيْ: تَتَفَرَّقُ أجْزاؤُها مِنَ الغَيْظِ عَلى الَّذِينَ أغْضَبُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ، شُبِّهَتْ في شِدَّةِ غَلَيانِها وقُوَّةِ تَأْثِيرِها في أهْلِها بِإنْسانٍ شَدِيدِ الغَيْظِ عَلى غَيْرِهِ، مُبالِغٍ في إيصالِ الضَّرَرِ إلَيْهِ، فَتُوُهِّمَ لَها صُورَةٌ كَصُورَةِ الحالَةِ المُحَقَّقَةِ الوِجْدانِيَّةِ، وهي الغَضَبُ الباعِثُ عَلى ذَلِكَ. واسْتُعِيرَ لِتِلْكَ الحالَةِ المُتَوَهَّمَةِ الغَيْظِ كَما في "شَرْحِ المِفْتاحِ الشَّرِيفِيِّ"، وأمّا ثُبُوتُ الغَيْظِ الحَقِيقِيِّ لَها، بِخَلْقِ اللَّهِ فِيها إدْراكًا فَبَحْثٌ آخَرُ، لَكِنَّهُ قَدْ قِيلَ هُنا: إنَّهُ لا حاجَةَ إلى ادِّعاءِ التَّجَوُّزِ فِيهِ؛ لِأنَّ " تَكادُ " تَأْباهُ، كَما في قَوْلِهِ:
﴿يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ﴾ [النور: ٣٥] وقَدْ صَرَّحَ بِهِ عُلَماءُ المَعانِي في بَحْثِ المُبالَغَةِ والغُلُوِّ. وجُوِّزَ أنْ يُرادَ غَيْظُ الزَّبانِيَةِ؛ فالإسْنادُ مَجازِيٌّ، أوْ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ، كَما في "العِنايَةِ".
﴿كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ﴾ [الملك: ٨] أيْ: جَماعَةٌ مِنَ الكَفَرَةِ ﴿سَألَهم خَزَنَتُها ألَمْ يَأْتِكم نَذِيرٌ﴾ [الملك: ٨] أيْ: في الدُّنْيا يُنْذِرُكم هَذا العَذابَ.
قالَ في "الإكْلِيلِ": اسْتُدِلَّ بِهِ عَلى أنَّهُ لا تَكْلِيفَ قَبْلَ البَعْثَةِ.
(p-٥٨٨٣)﴿قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وقُلْنا ما نَـزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إنْ أنْتُمْ إلا في ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾ [الملك: ٩] أيْ: فَكَذَّبْنا الرُّسُلَ، وأفْرَطْنا في التَّكْذِيبِ، حَتّى نَفَيْنا الإنْزالَ والإرْسالَ رَأْسًا، وبالَغْنا في نِسْبَتِهِمْ إلى الضَّلالِ.
﴿وقالُوا لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ﴾ [الملك: ١٠] أيْ: مِنَ النُّذُرِ ما جاءَتْ بِهِ، سَماعَ طالِبِ الحَقِّ، وعَقْلَ مَن نَبَذَ الهَوى ﴿ما كُنّا في أصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١٠] أيْ: في عِدادِ أهْلِ النّارِ.
تَنْبِيهانِ:
الأوَّلُ: قالَ النّاصِرُ: لَوْ تَفَطَّنَ نَبِيهٌ لِهَذِهِ الآيَةِ لَعَدَّها دَلِيلًا عَلى تَفْضِيلِ السَّمْعِ عَلى البَصَرِ؛ فَإنَّهُ قَدِ اسْتَدَلَّ عَلى ذَلِكَ بِأخْفى مِنها.
الثّانِي: قالَ ابْنُ السَّمْعانِيِّ في "القَواطِعِ": اسْتَدَلَّ بِهِ مَن قالَ بِتَحْكِيمِ العَقْلِ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قِيلَ: إنَّما جَمَعَ بَيْنَ السَّمْعِ والعَقْلِ؛ لِأنَّ مَدارَ التَّكْلِيفِ عَلى أدِلَّةِ السَّمْعِ والعَقْلِ.
﴿فاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١١] أيْ: فَأقَرُّوا بِجَحْدِهِمُ الحَقَّ وتَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، فَبُعْدًا لَهُمْ، اعْتَرَفُوا أوْ أنْكَرُوا؛ فَإنَّ ذَلِكَ لا يَنْفَعُهم.
{"ayahs_start":6,"ayahs":["وَلِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ","إِذَاۤ أُلۡقُوا۟ فِیهَا سَمِعُوا۟ لَهَا شَهِیقࣰا وَهِیَ تَفُورُ","تَكَادُ تَمَیَّزُ مِنَ ٱلۡغَیۡظِۖ كُلَّمَاۤ أُلۡقِیَ فِیهَا فَوۡجࣱ سَأَلَهُمۡ خَزَنَتُهَاۤ أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ نَذِیرࣱ","قَالُوا۟ بَلَىٰ قَدۡ جَاۤءَنَا نَذِیرࣱ فَكَذَّبۡنَا وَقُلۡنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَیۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِی ضَلَـٰلࣲ كَبِیرࣲ","وَقَالُوا۟ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِیۤ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ","فَٱعۡتَرَفُوا۟ بِذَنۢبِهِمۡ فَسُحۡقࣰا لِّأَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ"],"ayah":"وَقَالُوا۟ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِیۤ أَصۡحَـٰبِ ٱلسَّعِیرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











