الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٥ - ٦] ﴿ألَمْ يَأْتِكم نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذاقُوا وبالَ أمْرِهِمْ ولَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ فَقالُوا أبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وتَوَلَّوْا واسْتَغْنى اللَّهُ واللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [التغابن: ٦]
﴿ألَمْ يَأْتِكُمْ﴾ أيْ: مَعْشَرَ الكَفَرَةِ الفَجَرَةِ ﴿عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ فَقالُوا أبَشَرٌ يَهْدُونَنا﴾ [التغابن: ٦] أيْ: كَقَوْمِ نُوحٍ وعادٍ وثَمُودَ وقَوْمِ لُوطٍ ﴿فَذاقُوا وبالَ أمْرِهِمْ﴾ مِن عَذابِ الِاسْتِئْصالِ. و(الوَبالُ) الثِّقَلُ، والشِّدَّةُ المُتَرَتِّبَةُ عَلى أمْرٍ مِنَ الأُمُورِ. و(أمْرُهُمْ) كُفْرُهُمْ، عَبَّرَ عَنْهُ بِذَلِكَ، لِلْإيذانِ بِأنَّهُ أمْرٌ هائِلٌ، وجِنايَةٌ عَظِيمَةٌ ﴿ولَهُمْ﴾ أيْ: في الآخِرَةِ ﴿عَذابٌ ألِيمٌ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ فَقالُوا أبَشَرٌ يَهْدُونَنا﴾ [التغابن: ٦] أيْ: ذَلِكَ المَذْكُورُ مِن ذَوْقِهِمْ وبالَ أمْرِهِمْ في الدُّنْيا، وما أُعِدَّ لَهم مِن عَذابِ الأُخْرى، بِسَبَبِ أنَّهُ أتَتْهم رُسُلُهم بِالواضِحاتِ مِنَ الأدِلَّةِ والأعْلامِ، عَلى حَقِيقَةِ ما يَدْعُونَهم إلَيْهِ، فَنَبَذُوها، واتَّبَعُوا أهْواءَهُمْ، واسْتَهْزَأُوا بِرُسُلِهِمْ، وقالُوا: أبَشَرٌ يَهْدُونَنا؟
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: اسْتِكْبارًا مِنهم أنْ تَكُونَ رُسُلُ اللَّهِ إلَيْهِمْ بَشَرًا مِثْلَهُمْ، واسْتِكْبارًا عَنِ اتِّباعِ الحَقِّ مِن أجْلِ أنَّ بَشَرًا مِثْلَهم دَعاهم إلَيْهِ.
وجَمَعَ الخَبَرَ عَنِ البَشَرِ فَقِيلَ: ﴿يَهْدُونَنا﴾ [التغابن: ٦] ولَمْ يَقُلْ: يَهْدِينا؛ لِأنَّ البَشَرَ وإنْ كانَ في لَفْظِ الواحِدِ فَإنَّهُ بِمَعْنى الجَمِيعِ. انْتَهى.
وقالَ القاشانِيُّ: لَمّا حُجِبُوا بِصِفاتِ نُفُوسِهِمْ عَنِ النُّورِ الَّذِي هو بِهِ يَفْضُلُ عَلَيْهِمْ بِما لا يُقاسُ، ولَمْ يَجِدُوا مِنهُ إلّا البَشَرِيَّةَ، أنْكَرُوا هِدايَتَهُ، فَإنَّ كُلَّ عارِفٍ لا يُعْرَفُ مَعْرُوفُهُ إلّا بِالمَعْنى الَّذِي فِيهِ، فَلا يُوجَدُ النُّورُ الكَمالِيُّ إلّا بِالنُّورِ الفِطْرِيِّ، ولا يَعْرِفُ الكَمالَ إلّا الكامِلُ، ولِهَذا قِيلَ: (p-٥٨٢١)لا يَعْرِفُ اللَّهَ إلّا اللَّهُ، وكُلُّ طالِبٍ وجَدَ مَطْلُوبَهُ بِوَجْهٍ ما دالًّا لِما أمْكَنَ بِهِ التَّوَجُّهُ نَحْوَهُ، وكَذا كُلُّ مُصَدِّقٍ بِشَيْءٍ فَإنَّهُ واجِدٌ لِلْمَعْنى المُصَدِّقِ بِهِ، بِما في نَفْسِهِ مِن ذَلِكَ المَعْنى. فَلَمّا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ شَيْءٌ مِنَ النُّورِ الفِطْرِيِّ أصْلًا، لَمْ يَعْرِفُوا مِنهُ الكَمالَ فَأنْكَرُوهُ، ولَمْ يَعْرِفُوا مِنَ الحَقِّ شَيْئًا، فَيَحْدُثُ فِيهِمْ طَلَبٌ، فَيَحْتاجُوا إلى الهِدايَةِ، فَأنْكَرُوا الهِدايَةَ.
﴿فَكَفَرُوا﴾ [التغابن: ٦] أيْ: بِالحَقِّ والدِّينِ والرَّسُولِ ﴿وتَوَلَّوْا﴾ [التغابن: ٦] أيْ: عَنِ التَّدَبُّرِ في الآياتِ البَيِّناتِ، ﴿واسْتَغْنى اللَّهُ﴾ [التغابن: ٦] أيْ: أظْهَرَ اسْتِغْناءَهُ عَنْ إيمانِهِمْ وطاعَتِهِمْ، حَيْثُ أهْلَكَهم وقَطَعَ دابِرَهُمْ، ولَوْلا غِناهُ تَعالى عَنْهم لَما فَعَلَ ذَلِكَ. فَ " اسْتَغْنى " مَعْطُوفٌ عَلى ما قَبْلَهُ، وجُوِّزَ جَعْلُهُ حالًا بِتَقْدِيرِ قَدْ. أيْ: وقَدِ اسْتَغْنى بِكَمالِهِ، عَرَفُوا أوْ لَمْ يَعْرِفُوا.
﴿واللَّهُ غَنِيٌّ﴾ [التغابن: ٦] أيْ: بِذاتِهِ عَنِ العالَمِينَ، فَضْلًا عَنْ إيمانِهِمْ، لا يَتَوَقَّفُ كَمالٌ مِن كَمالاتِهِ عَلَيْهِمْ، ولا عَلى مَعْرِفَتِهِمْ لَهُ.
﴿حَمِيدٌ﴾ [التغابن: ٦] أيْ: يَحْمَدُهُ كُلُّ مَخْلُوقٍ، أوْ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ بِنَفْسِهِ، وإنْ لَمْ يَحْمَدْهُ حامِدٌ.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ نَبَؤُا۟ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن قَبۡلُ فَذَاقُوا۟ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ","ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِیهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَقَالُوۤا۟ أَبَشَرࣱ یَهۡدُونَنَا فَكَفَرُوا۟ وَتَوَلَّوا۟ۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِیٌّ حَمِیدࣱ"],"ayah":"أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ نَبَؤُا۟ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن قَبۡلُ فَذَاقُوا۟ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق