الباحث القرآني

(p-٥٧٩٦)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الجُمُعَةِ مَدَنِيَّةٌ. وآيُها إحْدى عَشْرَةَ. رَوى مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «كانَ يَقْرَأُ في صَلاةِ الجُمُعَةِ بِسُورَةِ الجُمُعَةِ والمُنافِقِينَ». (p-٥٧٩٧)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١ - ٢] ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنهم يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ وإنْ كانُوا مِن قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: ٢] ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ﴾ ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ﴾ [الجمعة: ٢] أيِ: العَرَبِ، ﴿رَسُولا مِنهُمْ﴾ [الجمعة: ٢] أيْ: مِن أنْفُسِهِمْ، أُمِّيًّا مِثْلَهُمْ، ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ﴾ [الجمعة: ٢] أيْ: مَعَ كَوْنِهِ أُمِّيًّا مِثْلَهم لَمْ تُعْهَدْ مِنهُ قِراءَةٌ ولا تَعَلُّمٌ، ﴿ويُزَكِّيهِمْ﴾ [الجمعة: ٢] أيْ: مِن خَبائِثِ العَقائِدِ والأخْلاقِ، ﴿ويُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ﴾ [الجمعة: ٢] أيِ: القُرْآنَ والسُّنَّةَ ﴿وإنْ كانُوا مِن قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: ٢] أيْ: جَوْرٍ عَنِ الحَقِّ، وانْحِرافٍ عَنْ سَبِيلِ الرُّشْدِ. وهو بَيانٌ لِشِدَّةِ افْتِقارِهِمْ إلى نَبِيٍّ يُرْشِدُهم. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فَبَعَثَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وطُمُوسٍ مِنَ السُّبُلِ، وقَدِ اشْتَدَّتِ الحاجَةُ إلَيْهِ، وذَلِكَ أنَّ العَرَبَ كانُوا قَدِيمًا مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَبَدَّلُوهُ وغَيَّرُوهُ، واسْتَبْدَلُوا بِالتَّوْحِيدِ شِرْكًا، وبِاليَقِينِ شَكًّا، وابْتَدَعُوا أشْياءَ لَمْ يَأْذَنْ بِها اللَّهُ. وكَذَلِكَ أهْلُ الكِتابِ قَدْ بَدَّلُوا كُتُبَهم وحَرَّفُوها، وأوَّلُوها، فَبَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ بِشَرْعٍ عَظِيمٍ كامِلٍ شامِلٍ لِجَمِيعِ الخَلْقِ، فِيهِ هِدايَتُهُمْ، والبَيانُ لِجَمِيعِ ما يَحْتاجُونَ إلَيْهِ مِن أمْرِ مَعاشِهِمْ ومَعادِهِمْ، والدَّعْوَةُ لَهم إلى ما يُقَرِّبُهم إلى الجَنَّةِ، ورِضا اللَّهِ عَنْهُمْ، والنَّهْيُ عَمّا يُقَرِّبُهم إلى النّارِ وسَخَطِ اللَّهِ تَعالى، حاكِمٌ فاصِلٌ لِجَمِيعِ الشُّبَهاتِ والشُّكُوكِ والرِّيَبِ، في الأُصُولِ والفُرُوعِ، (p-٥٧٩٨)وجَمَعَ لَهُ تَعالى -ولَهُ الحَمْدُ والمِنَّةُ- جَمِيعَ المَحاسِنِ فِيمَن كانَ قَبْلَهُ، وأعْطاهُ ما لَمْ يُعْطِ أحَدًا مِنَ الأوَّلِينَ، ولا يُعْطِيهِ أحَدًا مِنَ الآخِرِينَ، فَصَلَواتُ اللَّهِ وسَلامُهُ عَلَيْهِ دائِمًا إلى يَوْمِ الدِّينِ. انْتَهى. وإنَّما أُوثِرَتْ بِعْثَتُهُ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في الأُمِّيِّينَ؛ لِأنَّهم أحَدُ النّاسِ أذْهانًا، وأقْواهم جَنانًا، وأصْفاهم فِطْرَةً، وأفْصَحُهم بَيانًا، لَمْ تُفْسَدْ فِطْرَتُهم بِغَواشِي المُتَحَضِّرِينَ، ولا بِأفانِينِ تَلاعُبِ أُولَئِكَ المُتَمَدِّنِينَ، ولِذا انْقَلَبُوا إلى النّاسِ بَعْدَ الإسْلامِ بِعِلْمٍ عَظِيمٍ، وحِكْمَةٍ باهِرَةٍ، وسِياسَةٍ عادِلَةٍ، قادُوا بِها مُعْظَمَ الأُمَمِ، ودَوَّخُوا بِها أعْظَمَ المَمالِكِ. وإيثارُ البِعْثَةِ فِيهِمْ -بِمَعْنى إظْهارِها فِيهِمْ- لا يُنافِي عُمُومَ الرِّسالَةِ، كَما قالَ سُبْحانَهُ: ﴿قُلْ يا أيُّها النّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكم جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨] وقَوْلِهِ: ﴿لأُنْذِرَكم بِهِ ومَن بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩] وهو ظاهِرُ قَوْلِهِ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب