الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٩٤] ﴿ولَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكم أوَّلَ مَرَّةٍ وتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكم وراءَ ظُهُورِكم وما نَرى مَعَكم شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنَّهم فِيكم شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكم وضَلَّ عَنْكم ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ ﴿ولَقَدْ جِئْتُمُونا﴾ أيْ: لِلْحِسابِ والجَزاءِ: ﴿فُرادى﴾ أيْ: مُنْفَرِدِينَ عَنِ الأمْوالِ والأوْلادِ، وما أثَرْتُمُوهُ مِنَ الدُّنْيا. أوْ عَنِ الأعْوانِ والأوْثانِ الَّتِي زَعَمْتُمْ أنَّها شُفَعاؤُكم. و(فُرادى) جَمْعُ فَرِيدٍ، كَأسِيرٍ وأُسارى. (p-٢٤١٨)﴿كَما خَلَقْناكم أوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أيْ: مُشْبِهِينَ ابْتِداءَ خَلْقِكُمْ، حُفاةً عُراةً غُرْلًا (يَعْنِي قُلْفًا). رَوى الشَّيْخانِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «قامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَوْعِظَةٍ فَقالَ: «أيُّها النّاسُ! إنَّكم تُحْشَرُونَ إلى اللَّهِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا» ﴿كَما بَدَأْنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وعْدًا عَلَيْنا إنّا كُنّا فاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤]» ورَوَيا أيْضًا عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««تُحْشَرُونَ حُفاةً عُراةً غُرْلًا. قالَتْ عائِشَةُ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ! الرِّجالُ والنِّساءُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ؟! قالَ: الأمْرُ أشَدُّ مِن أنْ يُهِمَّهم ذَلِكَ»» . ورَوى الطَّبَرِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ عائِشَةَ «أنَّها قَرَأتْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ولَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكم أوَّلَ مَرَّةٍ﴾ فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ! واسَوْأتاهْ! إنَّ الرِّجالَ والنِّساءَ يُحْشَرُونَ (p-٢٤١٩)جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهم إلى سَوْأةِ بَعْضٍ! فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنهم يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٧] لا يَنْظُرُ الرِّجالُ إلى النِّساءِ، ولا النِّساءُ إلى الرِّجالِ، شُغِلَ بَعْضُهم عَنْ بَعْضٍ»» . ﴿وتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ﴾ ما تَفَضَّلْنا بِهِ عَلَيْكم في الدُّنْيا، فَشُغِلْتُمْ بِهِ عَنِ الآخِرَةِ مِنَ الأمْوالِ والأوْلادِ والخَدَمِ والخَوَلِ: ﴿وراءَ ظُهُورِكُمْ﴾ يَعْنِي: في الدُّنْيا، ولَمْ تَحْمِلُوا مِنهُ نَقِيرًا. كِنايَةً عَنْ كَوْنِهِمْ لَمْ يَصْرِفُوهُ إلى ما يُفِيدُ في الآخِرَةِ. وقَدْ ثَبَتَ في الصَّحِيحِ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مالِي! مالِي! وهَلْ لَكَ مِن مالِكَ إلّا ما أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ، أوْ لَبِسْتَ فَأبْلَيْتَ، أوْ تَصَدَّقْتَ فَأمْضَيْتَ؟ وزادَ في رِوايَةٍ: وما سِوى بِذَلِكَ فَهو ذاهِبٌ وتارِكُهُ لِلنّاسِ». ﴿وما نَرى مَعَكم شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أنَّهم فِيكم شُرَكاءُ﴾ أيْ: لِلَّهِ في الرُّبُوبِيَّةِ، واسْتِحْقاقِ العِبادَةِ. ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ قُرِئَ بِالرَّفْعِ. أيْ: شَمَلَكُمْ؛ فَإنَّ البَيْنَ مِنَ الأضْدادِ، يُسْتَعْمَلُ لِلْوَصْلِ والفَصْلِ. وبِالنَّصْبِ عَلى إضْمارِ الفاعِلِ، لِدَلالَةِ ما قَبْلَهُ عَلَيْهِ. أيْ: تَقَطَّعَ الأمْرُ، أوِ الِاشْتِراكُ، أوْ وصْلُكم بَيْنَكم. أوْ عَلى إقامَتِهِ مَقامَ مَوْصُوفِهِ. والأصْلُ: لَقَدْ تَقَطَّعَ ما بَيْنَكُمْ، وقَدْ قُرِئَ بِهِ. أيْ: تَقَطَّعَ ما بَيْنَكم مِنَ الأسْبابِ والوَصَلاتِ. ﴿وضَلَّ عَنْكم ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أيْ: ذَهَبَ عَنْكم ما زَعَمْتُمْ مِن رَجاءِ الأنْدادِ والأصْنامِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذْ تَبَرَّأ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا ورَأوُا العَذابَ وتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبابُ﴾ [البقرة: ١٦٦] ﴿وقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأ مِنهم كَما تَبَرَّءُوا مِنّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أعْمالَهم حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وما هم بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ﴾ [البقرة: ١٦٧] وقالَ تَعالى: ﴿فَإذا نُفِخَ في الصُّورِ فَلا أنْسابَ بَيْنَهم يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠١] (p-٢٤٢٠)﴿وقالَ إنَّما اتَّخَذْتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ أوْثانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكم في الحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ القِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكم بِبَعْضٍ ويَلْعَنُ بَعْضُكم بَعْضًا﴾ [العنكبوت: ٢٥] والآياتُ في هَذا كَثِيرَةٌ جِدًّا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب