الباحث القرآني
(p-٢٣٧١)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٧٥] ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾
﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ أيْ: نُطْلِعُهُ عَلى حَقائِقِهِما، ونُبَصِّرُهُ في دَلالَتِهِما عَلى شُؤُونِهِ عَزَّ وجَلَّ، مِن حَيْثُ إنَّهُما بِما فِيهِما، مَرْبُوبانِ ومَمْلُوكانِ، لَهُ تَعالى. و(المَلَكُوتُ) مَصْدَرٌ عَلى زِنَةِ المُبالَغَةِ، كالرَّهَبُوتِ والجَبَرُوتِ، ومَعْناهُ: المُلْكُ العَظِيمُ، والسُّلْطانُ القاهِرُ. وقِيلَ: مَلَكُوتُهُما عَجائِبُهُما وبَدائِعُهُما. وقَدْ أسْلَفْنا الكَلامَ في (وكَذَلِكَ) قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ فَتَنّا﴾ [الأنعام: ٥٣] وأنَّ مُخْتارَ الزَّمَخْشَرِيِّ كَوْنُهُ إشارَةً إلى مَصْدَرِ ما بَعْدَهُ، والكافُ مُقْحَمَةٌ، والتَّقْدِيرُ: تِلْكَ الإراءَةُ والتَّبْصِيرُ البَدِيعُ، نُرِيهِ ونُبْصِرُهُ. فَجَدَّدَ بِهِ عَهْدًا.
﴿ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ عَطْفٌ عَلى عِلَّةٍ مَحْذُوفَةٍ لَمْ تُقْصَدْ بِعَيْنِها، إشْعارًا بِأنَّ لِتِلْكَ الإراءَةِ فَوائِدَ جَمَّةً، مِن جُمْلَتِها ما ذُكِرَ.
قالَ المَهايِمِيُّ في الآيَةِ: ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ لِيَعْلَمَ أنَّ شَيْئًا مِن رُوحانِيّاتِ الأفْلاكِ والكَواكِبِ والمَشايِخِ والشَّياطِينِ لا يَصْلُحُ لِلْإلَهِيَّةِ ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ بِالتَّوْحِيدِ بِالِاسْتِدْلالِ بِالأدِلَّةِ الكَثِيرَةِ. وقِيلَ: ولِيَكُونَ عِلَّةٌ لِمُقَدَّرٍ هو عِبارَةٌ عَنِ المَذْكُورِ. أيْ: ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ بِالتَّوْحِيدِ، فَعَلْنا ما فَعَلْنا مِنَ الإراءَةِ والتَّبْصِيرِ بِآياتِ السَّماواتِ والأرْضِ.
لَطائِفُ:
الأُولى: قالَ الرّازِيُّ: وهَهُنا دَقِيقَةٌ عَقْلِيَّةٌ، وهي أنَّ نُورَ جَلالِ اللَّهِ تَعالى لائِحٌ غَيْرُ (p-٢٣٧٢)مُنْقَطِعٍ ولا زائِلٍ البَتَّةَ، والأرْواحُ البَشَرِيَّةُ، لا تَصِيرُ مَحْرُومَةً عَنْ تِلْكَ الأنْوارِ إلّا لِأجْلِ حِجابٍ، وذَلِكَ الحِجابُ لَيْسَ إلّا الِاشْتِغالُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى. فَإذا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ. فَبِقَدْرِ ما يَزُولُ ذَلِكَ الحِجابُ، يَحْصُلُ هَذا التَّجَلِّي. فَقَوْلُ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: أتَتَّخِذُ أصْنامًا آلِهَةً إشارَةٌ إلى تَقْبِيحِ الِاشْتِغالِ بِعِبادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّ كُلَّ ما سِوى اللَّهِ فَهو حِجابٌ عَنِ اللَّهِ تَعالى، فَلَمّا زالَ ذَلِكَ الحِجابُ، لا جَرَمَ تَجَلّى لَهُ مَلَكُوتُ السَّماواتِ بِالتَّمامِ. فَقَوْلُهُ: ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ﴾ مَعْناهُ: وبَعْدَ زَوالِ الِاشْتِغالِ بِغَيْرِ اللَّهِ حَصَلَ لَهُ نُورٌ تَجَلّى جَلالُ اللَّهِ تَعالى، فَكانَ قَوْلُهُ: وكَذَلِكَ مَنشَأً لِهَذِهِ الفائِدَةِ الشَّرِيفَةِ الرُّوحانِيَّةِ.
الثّانِيَةُ: قالَ الرّازِيُّ: اليَقِينُ عِبارَةٌ عَنْ عِلْمٍ يَحْصُلُ بَعْدَ زَوالِ الشُّبْهَةِ بِسَبَبِ التَّأمُّلِ. ولِهَذا المَعْنى لا يُوصَفُ عِلْمُ اللَّهِ تَعالى بِكَوْنِهِ يَقِينًا؛ لِأنَّ عِلْمَهُ غَيْرُ مَسْبُوقٍ بِالشُّبْهَةِ، وغَيْرُ مُسْتَفادٍ مِنَ الفِكْرِ والتَّأمُّلِ. واعْلَمْ أنَّ الإنْسانَ في أوَّلِ ما يَسْتَدِلُّ بِهِ، فَإنَّهُ لا يَنْفَكُّ قَلْبُهُ عَنْ شَكٍّ وشُبْهَةٍ مِن بَعْضِ الوُجُوهِ، فَإذا كَثُرَتِ الدَّلائِلُ وتَوافَقَتْ وتَطابَقَتْ، صارَتْ سَبَبًا لِحُصُولِ اليَقِينِ. وذَلِكَ لِوُجُوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ يَحْصُلُ لِكُلِّ واحِدٍ مِن تِلْكَ الدَّلائِلِ نَوْعُ تَأثُّرٍ وقُوَّةٍ، فَلا تَزالُ القُوَّةُ تَتَزايَدُ حَتّى تَنْتَهِيَ إلى الجَزْمِ.
الثّانِي: أنَّ كَثْرَةَ الأفْعالِ سَبَبٌ لِحُصُولِ المَلَكَةِ. فَكَثْرَةُ الِاسْتِدْلالِ بِالدَّلائِلِ المُخْتَلِفَةِ عَلى المَدْلُولِ الواحِدِ، جارٍ مَجْرى تَكْرارِ الدَّرْسِ الواحِدِ. فَكَما أنَّ كَثْرَةَ التَّكْرارِ تُفِيدُ الحِفْظَ المُتَأكَّدَ الَّذِي لا يَزُولُ عَنِ القَلْبِ، فَكَذا هَهُنا.
الثّالِثُ: أنَّ القَلْبَ عِنْدَ الِاسْتِدْلالِ كانَ مُظْلِمًا جِدًّا، فَإذا حَصَلَ فِيهِ الِاعْتِقادُ المُسْتَفادُ مِنَ الدَّلِيلِ الأوَّلِ، امْتَزَجَ نُورُ ذَلِكَ الِاسْتِدْلالِ بِظُلْمَةِ سائِرِ الصِّفاتِ الحاصِلَةِ في القَلْبِ، فَحَصَلَ فِيهِ حالَةٌ شَبِيهَةٌ بِالحالَةِ المُمْتَزِجَةِ مِنَ النُّورِ والظُّلْمَةِ، فَإذا حَصَلَ الِاسْتِدْلالُ الثّانِي امْتَزَجَ نُورُهُ بِالحالَةِ الأُولى، فَيَصِيرُ الإشْراقُ واللَّمَعانُ أتَمَّ. وكَما أنَّ الشَّمْسَ إذا قَرُبَتْ مِنَ المَشْرِقِ ظَهَرَ (p-٢٣٧٣)نُورُها في أوَّلِ الأمْرِ، وهو الصُّبْحُ، فَكَذَلِكَ الِاسْتِدْلالُ الأوَّلُ يَكُونُ كالصُّبْحِ. ثُمَّ، كَما أنَّ الصُّبْحَ لا يَزالُ يَتَزايَدُ بِسَبَبِ تَزايُدِ قُرْبِ الشَّمْسِ مِن سَمْتِ الرَّأْسِ، فَإذا وصَلَتْ إلى سَمْتِ الرَّأْسِ حَصَلَ النُّورُ التّامُّ، فَكَذَلِكَ العَبْدُ كُلَّما كانَ تَدَبُّرُهُ في مَراتِبِ مَخْلُوقاتِ اللَّهِ تَعالى أكْثَرَ، كانَ شُرُوقُ نُورِ المَعْرِفَةِ والتَّوْحِيدِ أجْلى. إلّا أنَّ الفَرْقَ بَيْنَ شَمْسِ العِلْمِ، وشَمْسِ العالَمِ، أنَّ شَمْسَ العالَمِ الجُسْمانِيِّ لَها في الِارْتِقاءِ والتَّصاعُدِ حَدٌّ مُعَيَّنٌ، لا يُمْكِنُ أنْ يُزادَ عَلَيْهِ في الصُّعُودِ. وأمّا شَمْسُ المَعْرِفَةِ والعَقْلِ والتَّوْحِيدِ، فَلا نِهايَةَ لِتَصاعُدِها، ولا غايَةَ لِازْدِيادِها. فَقَوْلُهُ: ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ إشارَةٌ إلى مَراتِبِ الدَّلائِلِ والبَيِّناتِ. وقَوْلُهُ: ﴿ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ إشارَةٌ إلى دَرَجاتِ أنْوارِ التَّجَلِّي، وشُرُوقِ شَمْسِ المَعْرِفَةِ والتَّوْحِيدِ. انْتَهى.
الثّالِثَةُ: ذَكَرَ تَعالى الإراءَةَ في هَذِهِ الآيَةِ مُجْمَلَةً، ثُمَّ فَصَّلَها بِقَوْلِهِ:
{"ayah":"وَكَذَ ٰلِكَ نُرِیۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِیَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق